ما وراء تعافي النظام السوري

نديم قطيش

فاضح وفاقع هذا التزامن بين تعافي نظام بشار الأسد في سوريا ومحاولات توسعة تحكمه لتشمل لبنان.
قد يبدو من باب التمرين الذهني وحسب، التفكير في احتمال عودة سوريا الأسد إلى لبنان. فالكلام المهيمن هو عن عودة السوريين إلى سوريا.
وقد يبدو مجرد تفكير الأسد في العودة، تمريناً ذهنياً من قِبَله لا وقائع تسنده على الأرض، وسيحاجج البعض بضعف النظام، أو بضمانات روسية هنا وهناك، تضع حدوداً لدور سوريا الأسد وتبقيه خارج لبنان.
شيء من التجاهل ومن النكران يغطي التعامل مع هذا الاحتمال من دون أن يأخذ أحد علماً حتى بمحاولات الأسد التهيئة لعودته إلى بيروت.
في مثل هذه الحالات، يستحسن الرجوع إلى قواعد العلاقة بين البلدين، وأولها أن الأسد لا يحكم سوريا إلا بمقدار تحكمه بلبنان. لا يوجد من يعرف هذه الحقيقة أكثر من بشار الأسد نفسه، الذي ما إن ارتد إلى الداخل حتى صار في مواجهة مشكلاته السورية الحقيقية المباشرة، أكان في علاقات مكونات النظام بعضها ببعض أم في علاقة النظام بشعبه… وسرعان ما انفجرت سوريا بين يديه.

اقرأ أيضاً: إعمار سورية والعقوبات

اليوم بشار الأسد، المُعاد إلى الحياة السياسية، برعاية روسية أميركية إسرائيلية إيرانية عربية، يعرف أنه لا عافية حقيقية بلا لبنان. هي شهوة حارقة تفضحها، كما دائماً تصريحات أدواته في هذا الوطن الصغير.
بالتوازي مع إعلانات الوفاة في «مسالخ» آل الأسد، والتي تصل إلى أهالي السوريين القتلى كعلامة على شهوة الانتقام وعودة النظام إلى افتتاح عصر الرعب، يتهيأ الأسد لافتتاح عصر الرعب اللبناني.
من بشائر هذا الموسم، إطلالة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان، الشديد الولاء لآل الأسد، في حديث تلفزيوني اتهم فيه النائب السابق وليد جنبلاط بأنه «متآمر على سوريا وعلى الدروز في سوريا» وأنه «مستمر في ألاعيبه ضد سوريا وينفذ أجندات خارجية»، جازماً أن «القرار الدرزي في سوريا واضح، وهو الانتماء الوطني والقومي للدولة السورية». ولكم أن تتخيلوا حجم السخرية في استخدام مفردة «الدولة» بهذا المقدار من الافتعال في تصريح أرسلان!!
جنبلاط خصم معلن لسوريا، والهجوم عليه معروف الدوافع، لكنه يكتسب في هذا التوقيت معنى خاصاً لكونه يستعيد عبر أدوات لبنانية لغة تخوين وتأديب بالتوازي مع تخوين وتأديب السوريين في الداخل عبر شهادات وفاة أبنائهم وذويهم.
الرسائل السورية إلى الداخل اللبناني تزداد دراماتيكية، حين تطال هذه المرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. بدأت الرسائل السورية لبري بتغريدات للواء جميل السيد، انتقد فيها رئيس المجلس بحجة تقصيره في تنمية البقاع والاهتمام بالبيئة الشيعية فيه، مما أثار موجتي ارتباك واشتباك كبيرتين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتصريحات السياسية. كان سبق الهجوم المباشر على بري هجوم غير مباشر عليه من اللواء السيد نفسه بعد أن بدا بري منحازاً إلى عرض دولي مقدم للبنان بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بينه وبين إسرائيل لا سيما في منطقة مزارع شبعا التي ظلت الذريعة التي تبرر استمرار سلاح حزب الله بعد انسحاب إسرائيل عام 2000.
غرد السيد أنه «إذا قبل لبنان بوساطة أميركية لترسيم الحدود براً وبحراً بين لبنان وإسرائيل بما فيها مزارع شبعا، فسيعني حكماً أنه يشكك في حدوده الدولية مع إسرائيل. فحدود مزارع شبعا هي بين لبنان وسوريا، لا بين لبنان وإسرائيل، من لا يملك يريد أن يفاوضك على ما تملك، كل وساطة في هذا، هي فخ».
لم تفت هذه الرسائل السورية ثعلب السياسة اللبنانية منذ الطائف والذي لم يزُر سوريا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري منذ عام 2005 إلا مرة يتيمة.
بخلاف كل موقفه منذ بداية الأزمة السورية أطلق بري موقفين؛ أولهما باتجاه «حزب الله» اعتبر فيه أن «حزب الله» في سوريا «موجود في بلده»، وهو المتهم بأنه لم يغطِ علناً قتال «حزب الله» في سوريا بل كان يعبر عن مخاوف حقيقية من هذه المغامرة في كل مجالسه الخاصة. أما الموقف الثاني فحيال سوريا اعتبر فيه أن «الحديث عن عدم التنسيق مع سوريا مسخرة يجب أن تنتهي»، أي أنه يقول للأسد على طريقته إن رسائل الاعتراض السورية وصلت، وإنه جاهز ربما للتأقلم مع المرحلة السورية الجديدة في لبنان.
السهام السورية عبر جميل السيد أصابت الجيش اللبناني أيضاً، فيما كان قائده في زيارة عمل وتنسيق في الولايات المتحد،. بل أصابته في دوره على الجغرافيا الاستراتيجية التي إن فكر الأسد في الإطلالة، فسيطل منها أولاً وهي البقاع. صوب السيد على الجيش وقائده ومدير مخابراته وضباطه موجهاً اتهامات بالتقصير في فرض الأمن في البقاع الشمالي والتورط مع مطلوبين بقبض رشى وما شاكل.
الأخطر أنه في ظل تجدد الهجمات السياسية على أركان اللعبة اللبنانية كجنبلاط وبري، هو الهجوم على الجيش فيما يتولى البعض، طمعاً في صلاحية هنا أو استرداد حق هناك، تعطيل تشكيل الحكومة وفتح لبنان على احتمالات الفراغ القاتل والانهيار… تصير إذّاك عودة الأسد مطلباً وليس هاجساً.

السابق
إعمار سورية والعقوبات
التالي
الفراغ في غزّة… والدور المصري