«سد اليمونة» بالتفاصيل: «صفقة» بين حزب الله وأمل وباسيل؟

آمال أهل البقاع متعلقة بـ"سد اليمونة" الذي دشن مؤخراً، فهل يأتي هذا المشروع على قدر الطموحات؟

سد اليمونة إنجاز جديد تباهى به العهد الجديد، بدعم من العهد العوني وبمباركة الثنائي الشيعي أي حركة أمل وحزب الله، هذا الإنجاز لأجله تراجع أهالي بلدة اليمونة عن المطالبة برفع قيمة التعويضات المالية عن أراضيهم وبساتينهم، التي شملها مشروع.

السد الذي يأتي ضمن استراتيجية السدود التي أطلقتها وزارة الطاقة والمياه في العام 2000، وأقره مجلس الوزراء في العام 2003، تحوّل إلى واقع يوم الأحد الواقع فيه 29 تموز 2018، أي بعد 15 عاماً من إقراره. حيث دشن بحضور الوزراء في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، حسين الحاج حسن، سيزار أبي خليل، والنواب جميل السيد، الوليد سكرية، ابراهيم الموسوي، ايهاب حمادة وادغار المعلوف.
حفل افتتاح “سد اليمونة” جمع التناقضات السياسية، فأثنت حركة أمل على هذا المشروع الذي رعاه الوزير باسيل، فيما رحب فيه حزب الله وبقوة، مع العلم أنّ مصادر موقع “جنوبية”،أشارت إلى إنّ قيادات الحزب لطالما أعلنت في مجالسها الضيقة أنّها ضد استراتيجية السدود، فماذا تغير؟!

من جهة أخرى أكّد الوزير باسيل في كلمته التي ألقاها في حفل تدشين السد أنّ “السدود هي حاجة وطنية”، كلام باسيل يأتي في سياق المناخ نفسه الذي يعلق فيه أهالي البقاع عموماً واليمونة خصوصاً الأمال على هذا السد، علّه يضفي على المنطقة واجهة اقتصادية وخدماتيه وسياحية للمنطقة، وذلك من خلال العديد من النشاطات التي سيتم استحداثها، إضافة إلى فتح المجال لزيارة المعالم الأثرية المتواجدة في محيط اليمونة والتي تعود الى العصور الرومانية وبيزنطية ويونانية وما إلى ذلك.
إضافة إلى ذلك، فإنّه واستناداً لما تقوله الفعاليات المتابعة للسد، فإنّ هذا المشروع سيعمد إلى توفير المياه لـ42 قرية غرب بعلبك بدءاً من مناطق دير الأحمر وشليفا وبوداي وصولاً الى طاريا وشمسطار.

سد اليمونة وانطلاقاً مما قاله المدير العام للموارد المائية والكهربائية فادي قمير في حفل التدشين، يتسع لتخزين ما يقارب مليون واربعماية وخمسين الف متر مكعب من المياه بعلو أقصى قدره سبعة أمتار على مساحة حوالى 32 هكتاراً.

قمير أوضح أيضاً أنّ هذا المشروع سيدفع قدماً بعجلة التنمية المستدامة لهذه المنطقة.

 

الصورة التي قدمها مباركو التشدين من أهل السياسة والفعاليات لسد اليمونة، والآمال التي يعلقها عليه الأهالي ترتبط بعقبات عديدة، منها ضرورة اتمام البنى التحتية ومشاريع الصّرف الصّحي التي تحمي بحيرة اليمونة كي لا تختلط مياه الصرف الصحي (المجارير) بالمياه العذبة!

هذه العقبة ليست الوحيدة، إذ حصل موقع “جنوبية” على معلومات تفيد بأنّ غرفة التحكم الرئيسية (الميكانيك) الواقعة تحت مستوى مياه بحيرة اليمونة، متصدعة وممتلئة بالمياه ولا مجال لإصلاحها إلاّ بعد إفراغ البحيرة.

تلفت المعلومات إلى أنّ هذه العملية شبه مستحيلة، ومكلفة، ولكن لا بد منها وإلا أصبحنا أمام كارثة بيئية حيث ستتحوّل المياه إلى مياه مستنقع.

في السياق نفسه يشكك أحد أبناء اليمونة بإمكانية أن تروي مياه البحرية 42 قرية، أو أن تصل إلى 100 ألف نسمة كما تحاول بعض الوسائل الإعلامية أن تروج.

هل استند “سد اليمونة” إلى دراسة واضحة؟!

في العام 2012 أكّد المتعهد، ورئيس مجلس إدارة شركة «نيو ليبانون»، علي دندش، في حديث لـ«الأخبار» أن «لا دراسة علمية كافية لمشروع سد اليمونة»، كلام دندش هذا جاء في سياق العقبات العديدة التي واجهت شركتهم، إضافة إلى اتهامهم برمي الأتربة على نحو عشوائي في المنطقة مما يحلق ضرراً بمحمية اليمونة الطبيعية، وهذا ما نفاه المتعهد أيضاً!

العقبات التي واجهت المشروع وغياب الدراسة، مددت المهلة التي وضعت له، فعوضاً عن افتتاحه بعد 30 شهراً من تاريخ البدء به (2010)، افتتح في تموز العام 2018، أي بعد 96 شهراً!

زعاطيطي: سد اليمونة “مشروع خنفشاري – باطوني”

الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي، يوصف في حديث لـ”جنوبية” واقع بحيرة اليمونة، لافتاً إلى أنّها عبارة عن بركة تأتي في منتصف كسر فالق اليمونة، وهو كسر كبير يمتد من العقبة، وادي عربة، غور الأردن، حولا ويتابع في فالق اليمونة وصولاً لجبال طوروس في تركيا.

يوضح زعاطيطي أنّه “على طول هذا الكسر لدينا فراغات، وفي موسم الثلج تتسرب المياه بشكل بطيء إلى داخل هذه الفراغات وذلك بسبب الرواسب، وكان أهالي اليمونة يستعملون هذه المياه في فصل الربيع لإقامة المزروعات على طول هذا الخط، وهناك في هذه المنطقة عدة فجوات منها اليمونة وجباب الحمر”.

وفيما يؤكد الخبير الهيدروجيولوجي أنّ “اليمونة موجودة والبحيرة كذلك موجودة، ولا يمكن سدها بالباطون”، يرى بالتالي أنّ المشكلة هي في الذهاب نحو السدود، حيث أنّ القيمين على هذه المشاريع يلجأون دائماً إلى وضع اسمنت في كل جورة يصادفونها، وبالتالي هم يعملون عكس الطبيعة ولو عملوا وفقاً لأهوائها لكسبوا، إضافة ألى كون معظم مشاريعهم تفتقد لدراسة الجيولوجيا.

مشروع “سد اليمونة” بحسب الدكتور زعاطيطي هو كـ”كل المشاريع الخنفشارية الباطونية” التي تنفذها الدولة بشكل غير مدروس، لافتاً إلى أنّ مياه الثلج التي تتسرب في هذه المنطقة في فصل الشتاء ستؤدي إلى تشقق الباطون واختراقه. والباطون كما يشرح زعاطيطي لموقعنا لا يكون قوياً في حال كان في أسفله فراغ حتى وإن وضعناه على صخور قاسية، وفي هذه الحالة تسبب المياه فوقه وزناً إضافياً يؤدي إلى تشققه.

السد الذي دشن مؤخراً ليس إلا “فيلماً”، فقاعدة السدود كما يؤكد زعاطيطي لا أساس علمي لها ولا تستند إلى دراسات جيولوجية، موضحاً أن  ّ”اليمونة بركة طبيعية كان يستعملها الأهالي وليس فيها كمية كبيرة من المياه، فقرية الفلاوي البقاعية مثلاً، يمتد إليها قسطلاً من اليمونة وهذا القسطل لا يجلب المياه في فصل الصيف، مما اضطرني لأن أحفر لهم بئراً كي تصل إليهم المياه”.

وشدد زعاطيطي أنّ السدود الخمسة التي تعمل وزارة الطاقة والمياه عليها لن تخزن المياه، مؤكداً مسؤوليته عن كلامه هذا الذي يستند إلى الدراسات العلمية، مستغرباً كيف بارك الثنائي الشيعي لـ”سد اليمونة”، لاسيما وأنّ السدود جميعها ليست إلا أفلاماً كي يسرق جماعة الباطون والزفت الأموال.

واستبعد زعاطيطي في السياق نفسه أن يحل السد مشكلة المياه في البقاع، فالذين يعملون على هذه المشاريع – برأيه- يهمهم السياسة لا العلم، وهم يخططون فقط على الورق دون معرفة ودراسة كل من طبيعة الأرض في العمق وطبيعة الصخور المتواجدة.

إقرأ أيضاً: أهمية السدود في إنتاج الطاقة الكهربائية

وفيما يتعلق بالتلوث في اليمونة، لفت زعاطيطي إلى أنّ الجور الصحية قليلة هناك بسبب قلة المنازل في هذه المنطقة المرتفعة، وبالتالي نسبة التلوث منخفضة. متابعاً عند سؤاله عن إمكانية ارتفاع هذه النسبة بعد بناء السد “بالطبع فالباطون والزفت (في حال تمّ استعماله) مواد غريبة عن الطبيعة الموجودة، والتلوث يأتي بالدرجة الأولى من آليات مشاريعهم ومن الورشات التي يعملون فيها وهي ورش تلويث للطبيعة إضافة إلى غياب القوانين التي ترعى تعامل هذه الورشات مع الطبيعة”.

ما غاية الثنائي الشيعي من دعم هذا المشروع على الرغم من كل هذه التساؤلات المحيطة به؟

مصدر بقاعي متابع لسد اليمونة يؤكد لـ”جنوبية” أنّ الثنائي الشيعي بات له حصة من الكعكة، فحزب الله وحركة أمل أصبحا علنية يبحثان عن حصتهما في هذه المشاريع “العشوائية” بعيداً عن الإنماء وعن المصلحة العام.

رئيس بلدية اليمونة: هناك تلوث خفيف ومنسوب المياه يرتفع في الربيع

ينفي رئيس بلدية اليمونة طلال شريف في حديث لـ”جنوبية” ما يتردد عن غرفة التحكم الواقعة أسفل البحيرة، واصفاً هذه الأقاويل بالشائعات العارية عن الصحة!
وفيما يؤكد شريف أنّ المشروع لم ينتهِ تماماً، يوضح بالتالي أنّ “سد اليمونة” يتم إنجازه على ثلاثة مراحل وقد أنهى المتعهد المرحلة الأولى، وما زال يعمل على مرحلتي البنى التحتية والصرف الصحي.

 

وعند سؤاله عن التلوث، يشير رئيس البلدية إلى أنّ هناك تلوث خفيف بسبب اختلاط الصرف الصحي بالمياه في إحدى المواضع ويتم العمل على إصلاحه.

ولكن هل السد قادر على تلبية الحاجات؟ وهل ارتبط تشييده بدراسة عملية؟ يشدد شريف لموقعنا في سياق الجواب على هذا السؤال، أنّ منسوب المياه في بحيرة اليمونة يرتفع في فصل الربيع وهذا ما يشاهدونه هم كأهالي بأم العين، متجنباً الخوض في موضوع الدراسة العلمية للمشروع لا نفياً ولا تأكيداً!

إقرأ أيضاً: حرام عودتكم لوزارة الطاقة من جديد!

في الختام، يتضح من خلال ما سبق عرضه وحسب متابعين للشأن الامائي في البقاع، أنّ مشروع سد اليمونه ليس إلا صفقة، تقاسمت فيها الكعكة الجهات النافذة والمسيطرة على واقع البقاع وعلى وزارة الطاقة والمياه، فيما الأهالي ينتظرون “حلماً” قد لا يتحقق وعَ “الوعد يا كمون”!

السابق
علماء طرابلس والشمال يطالبون بتغيير المفتي ويرفضون التمديد
التالي
ديما صادق ترد على جميل السيد: لا لتزوير التاريخ!