وقفة «عهد» مع جاندارك فلسطين‬

نحنُ مضطرون دائماً الى إستحضار التاريخ الذي يرتقي الى مستوى عالٍ من التضحية والوفاء وتقديم كل نفيس وغالٍ من أجل الأوطان ومن اجل الحرية التى يعتبرها الكثيرون بأنّها بابٌ من أبواب الحياة التي يسعى المجتمع الى تحقيقهُ.
كانت “جاندارك الفرنسية” قد رأت رؤيةً ذاقت بها ذرعاً، فسارعت إلى “الكهنة” من أجل تفسير “حلمها ” الذي سرعان ما تحقق عندما خاضت مع جيشها الفرنسي أنذاك في تصعيد الحرب ضد الإنكليز ومملكتهم ،التي كانت تريدُ إزاحة “الملك الفرنسي” من سدة التاج الملكي الذي قاتلت وحاربت تحت لوائهِ جاندارك، إلى أن تمّ “إعتقالها وسجنها” وبعد فترةً من الزمن تمّ التفاوض على إطلاقها ومنحها الحرية وبرغم ذلك أعلنت عن متابعتها الحرب حتى اخر رمق من حياتها.. إلى اخر القصة المعروفة منذُ قرون خلت!
وهنا ليس لدينا ادنىّ شك بأنّ هناك الملايين من الشرفاء في فلسطين وفِي لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي مصر وفي الأردن وفِي بقية العالم العربي وفِي العالم قاطبةً، هناك من اطلق صرخةً مدوية في الهجوم على الدولة الغاصبة للأطفال وللنساء اللواتي يرفعن أصواتهن بوجه المدفع وإنهاء الإحتلال في عصر العولمة والتقدم والحضارة؟
لكن قضية الصبية الشقراء واليافعة والجميلة والطالبة “عهد التميمي” التي دخلت الى المعتقلات الصهيونية في هذا العصر الذي يُعتبرُ مزدهراً ومتقدماً في حقوق الإنسان .
منذُ مطلع العام الحالى “٢٠١٨” حينما إحتدمت التظاهرات بعد ما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن منع جميع أشكال التحركات وحظر التظاهر. كانت عهد التميمي بتحريض وقناعة تامة وعن إصرار من والدتها ووالدها ترفع الشعارات ضد الجنود الصهاينة مباشرة. وتصفع جنديٰاً مدججاً بالسلاح وتركلهُ بكل عنفوان وفخر وعزةً رافضةً الذل والعار والصمت والسكوت عن تصرفات الجنود الذين يطبقون قوانين وأوامر اسيادهم وكأننا في عالم ونظام “ساكسونيا”.
بعد إنقضاء الفترة الوجيزة والقصيرة من تنفيذ حكم السجن للمناضلة عهد التميمي ووالدتها، ظهر وكأن هناك زلزالاً داخل “الكنيست “الصهيوني وذلك من خلال التصريحات النارية بإصادر الحكم الأبدي بحقها ومنعها من شم الهواء وإلقائها في الزنازين لتصبحُ عبرةً لغيرها.
تلك امنيات الصهاينة في إدراج إسم عهد التميمي “إرهابية “وأنّها تستحق الأحكام الأبدية كي لا يتجرأ أحد في التطاول والقيام بما فعلتهُ؟
وذلك ناتج عن إهانة البدلة العسكرية الصهيونية التي طغت وحكمت بكل “صلف” بإسم القوة والتسلط والرعب والإرهاب وإطلاق الرصاص الحي عندما تصل الأمور الى ما وصلت اليه حالة عهد التميمي.
بالنسبة الى كل الذين ناصروا قضية عهد التميمي وأمثالها من الصبايا والشباب الذين لا يتأخرون عند تقديم الخدمة الطوعية من اجل فلسطين وحسب ما رأيناه ونتمناه من الحريصين، على فلسطين بأبنائها وأجيالها الثورة الدائمة والمستمرة حتى اخر معقل وحجر وحبة تراب من أرض فلسطين المغتصبة وأن يكون العمل الدؤوب والنضال المستمر أقوى وأعنف في وجه الألة الصهيونية، وان نتذكر الألاف من الأسرى والمعتقلين خلف الأبواب الحديدية والزنازين المظلمة. وأنّ قضية عهد التميمي ما هي إلا وقفة “عهد” تاريخية دعماً لكل طفل، ولكل ولد ولكل ام وأب وحتى لكل “طفل رضيع” زُجّ بهِ او وُلِدّ خلف القضبان الحديدية.
ودعماً لعائلة كل شهيد فاضت دماؤه قرباناً من اجل فلسطين.
إنّ الجدران والأسوار  التي تبنيها إسرائيل بدعم أمريكي وغربي لن تدوم طويلاً ما دامت الدماء تجري في أوردة وعروق من هم في قامة عهد التميمي ورفيقاتها!
من المعروف بأنّ السلطات الإسرائيلية عندما تفك او تفرج عن أحد من المعتقلين تبقى في حالة إستنفار واسعة نتيجة الهمجية، والعنجهية، التي تتعامل بها قوات الإحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتعتبر الإخلال بالأمن والتجمعات واثارة التظاهرات قد تؤدي الى إشتباك بين الذين يستعدون الى ملاقاة “عروسة السجون”، لكن الأصرار على متابعة الطريق كان أقوى، ولنا هنا ما عبرت فيه المناضلة الفلسطينية في قولها بأنّها قضت معظم أوقاتها خلف القضبان تتعلم وتستلهم عن المزيد في القراءة حول الحرية والإحتلال وتقييد الأسرى.
مع العلم أنّ يوم الحرية للأسير وللسجين الفلسطيني الذي كنّا قد تابعناه في شهر نيسان الماضي قد أصبح عرفاً فلسطينياً نحتفل بهِ غداة إطلاق سراح أيّ “اسيرة”او “سجين” بعدما يتحولون الى رموز وطنية يُقتدى بهم وبأعمالهم وببطولاتهم الجريئة الى حد “الإستشهاد”، مهما كانت قوة وإرهاب الدولة الصهيونية التي ليس لديها إلا السلاح ضد الأحرار والابرار من شعبنا الفلسطيني البطل الذي يعيشُ تحت الإحتلال منذُ ثمانية عقود.
سلامٌ الى عهد التميمي يوم “صفعتي”
سلامٌ الى عهد التميمي يوم”أُعتقلتي”
سلامٌ الى عهد التميمي يوم”حُررتي”.
السابق
محنة الحرية بين سلطة الدولة والمجتمع
التالي
الفتنة وحرب تطويع الجنوب السوري