الوفد الكردي السوري الذي زار دمشق وأجرى محادثاتٍ مع حكومتها يُمثل «وحدات حماية الشعب الكردي»، أي القوات المرعية من واشنطن والمسلحة بأسلحة أميركية، والتي تتحرك في شمال سورية بغطاء جوي أميركي، وتمنع واشنطن أنقرة من الانقضاض عليها! فهل يمكن التفكير للحظة أن هذا الوفد زار دمشق من دون ضوءٍ أخضر أميركي؟ المعلومات المُسربة تقول إن الوفد وصل إلى دمشق محملاً بنصائح أميركية حول طبيعة القضايا التي يجب بحثها مع النظام. إذاً، هناك قبول أميركي بالخطوة، وهذا ليس استنتاجاً، إنما بديهة مدعمة بمعلومات.
إقرأ أيضاً: الاكراد الحالمون بدولة.. هل ستتحقق بعد الاستفتاء؟
يعني الأمر أشياء كثيرة، ذاك أن واشنطن وفي موازاة تمسكها بخطاب عدم الاعتراف بـ «شرعية» النظام في سورية، أقدمت على خطوات ميدانية انفتاحية عليه في أكثر من اتجاه. في جنوب سورية أبلغت «حلفاءها» الميدانيين بضرورة أن يخلو الميدان لقوات النظام، وأنها لن تكون إلى جانبهم في حال قرروا المواجهة. انسحب «حلفاء واشنطن» إلى إدلب عبر باصات النظام «الخضر». لم يجر ذلك في سياق مصالحة مكشوفة بين واشنطن ونظام دمشق، إنما في سياق تسوية غير معلنة كشفت درجة عالية العزم على التخلي عن الضحية.
اليوم يأتي دور الشمال السوري. هناك جرى «تسمين الطريدة» على نحو أفضل. واشنطن زرعت أوهاماً كثيرة في تلك المنطقة، وعلى الأكراد اليوم التعامل بواقعية مع الشرط الإقليمي والدولي. فالوفد الذي زار دمشق وانبثقت عن لقائه مسؤولين فيها «لجان لبحث العلاقات وتطويرها»، أوحى أن دمشق قبلت بالجلوس في مقابل نظير لها، وهذا وهم مستطير. النظام لن يقبل بأي شراكة مع قوى محلية، وواشنطن في سعيها لمحاصرة طهران في سورية ستعطيه ما يرغب في أخذه. واليوم «رقبة الأكراد» هي الهدية الثانية بعد أن كانت فصائل درعا الهدية الأولى.
الأكراد في أربع جهاتهم ليسوا قضية واشنطن. في سورية والعراق وتركيا وإيران، هم أصحاب حقٍ وهم ضحايا أنظمة قتلتهم وسحقت طموحاتهم، لكن خلاصهم لن يكون على يد واشنطن، وتحديداً ليس على يد دونالد ترامب. واشنطن في عهد هذا الرجل ستكون الدولة الرقم خمسة في سحق الطموحات الكردية.