أجواء الحراك العراقي.. خيبات آمال الشعب الذي انهكتهُ الحروب

إن الحراك الذي تدور احداثهُ في بلد كان من أغنى البلاد العربية التي سادت بعد سقوط وأفول الإمبراطوريات، العثمانية، والبريطانية، التي تتحكم الى حينها في الموارد والمداخيل التي يعتاش عليها الشعب العراقي. في هذا السياق لا بد من إبراز الأزمات واخواتها من الصراعات المتتالية.

ومما يُزيدُ في الأزمة العراقية الحالية من تداعيات أفرزها الفساد المزمن للحكام الذين مروا على حكم “دولة العراق او الجمهورية” الخارجة من اثار القبيلة، والعشيرة، والبداوة، لما تترافق من تكوين الشعب العراقي الذي وإن خرج من محنة حتى نراه يُدخلُ في أزمة اخطر و”العن” من سابقاتها وهي متعددة. على ما عايشناه منذ مطلع شهر سبتمبر أيلول عام “١٩٨١” كانت اولى الحروب البشعة او التي زٰج بالعراق رئيساً وحكومةً وشعباً ضلالاً، في خوض غمار حرب طاحنة اكلت الأخضر واليابس من شباب وجيش وشعب وخيرات العراق.

في الحرب الغادرة تلك مع ايران او مع مواجهة الموجات والدعوات التي اطلقتها قيادة الثورة الأيرانية أنذاك في تصدير الثورة الى دول الجوار؟

وعجباً كان” نظام البعث” العراقي هو الوحيد الذي وقف في المواجهة او هو الوحيد الذى كان يُرادُ لَهُ ان يتورط في تدبير قضية المواجهة تلك دفاعاً عن الأنتهاك “الخميني الشيعي” الى التدخل في دول وشؤون الخليج العربي المواجه والمواكب للخليج الفارسي، ومنذُ تلك السنوات العجاف التي جعلت من الرئيس العراقي “صدام حسين” ان يكون منفرداً قائداً تاريخياً في صناعة الأمجاد للعراق.

اقرأ أيضاً: مظاهرات بغداد… انتفاضة ضد فشل إيران في العراق‏

حتى تغيرت الظروف السياسية لما تحملهُ تلك المرحلة الزمنية الخطيرة، التي كانت الولايات المتحدة الامريكية تنظر بإزدراء وإبتهاج للنتائج التي تحققت عبر سنوات ثمانية من طيلة ووقت الحرب التي كلفت العراق ميزانية من أموال النفط، كان من الصعب نسيانها. إضافة الى سقوط اكثر من مليون شهيد عراقي وتشريد وفرار وهروب مئات الألاف من الخدمة العسكرية التي فرضتها الظروف أنذاك .وبالمناسبة قد لا تجد عائلة او بيت إلا ويتحدث عن عناء تلك الحقبة من تاريخ الحرب التى كانت اعبائها اثقل من تحمل الأنسان.

وبعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية شاء القدر بإن يٰحاول النظام العراقي تغطية كلفة الحرب المادية السابقة ولم يُقدم لَهُ الدعم في إعادة واحياء العراق الجديد بلا حروب.

لكن صدام حسين كان اكثر دمويةً من اي وقت مضي حتى توجه في العام “١٩٩٠” بعد دراسة غير واقعية للنتائج ففي “الثاني من شهر آب”، من العام نفسه غزت القوات العراقية “دولة الكويت “معلنةً سيطرتها الكاملة على الكويت وضمها من جديد الى المحافظات العراقية. وبتلك الصفعة كان النظام العراقي يحفرُ بيديه آلية الزوال من الخارطة السياسية للنظام البعثي في طيلة حكم طال لأكثر من نصف قرن من الزمن.

كان التحالف الدولى تحت قيادة القادة العسكريين الكبار “نورمان تشورازكوف”من الولايات المتحدة الامريكية، و”خالد بن سلطان” من المملكة العربية السعودية، والتي زجت في تحالفها الشهير وكان يتشكل من ثمانية وعشرين دولة وبمن فيهم العرب أنفسهم الذين دعموا النظام العراقي في معظم مغامراته .”ضد الفرس”؟

وأُستعيدت الكويت. لكن اثناء تلك الحقبة كانت كل موازين القوى السياسية قد تبدلت وتغيرت الى ان وصلت الأمور الى ما بعد الإعتداءات التي نفذتها القاعدة في الحادي عشر من أيلول “سبتمبر”سنة “٢٠٠١” وعرفت أنذاك بهجمات “أيلول الأسود “والقاتل”، والتي جعلت من “جورج بوش جونيور “الرئيس الأمريكى ،في شن إنتقام مباشر ضد العراق الذي أُتهم بأنهُ يحتوي علي سلاح نووي وقد يستخدمهُ في دعم الإرهاب، حتى إنهار النظام العراقي وإجتاحت القوات الامريكية والحلفاء في ضربة عسكرية .التاسع من نيسان “٢٠٠٣”.

وتسلمت القيادة العراقية الجديدة دفة الحكم وتغير النظام بكامل اشكالهِ، ووصلت الحكومة العراقية الى أيادي “الشيعة” المدعومة من النظام الإيراني وكان كل من يراقب معتقداً بإن الظلم والظلام والإستبداد الذي كان سائداً قد ذهب الى غير رجعة..

لكن الحقيقة الكاملة الى تلك اللمحة الواقعية التي تعاني منها كل الفئات الشعبية من ابناء العراق قد أُرغمت على التعايش تحت “الفساد والتهميش والفقر المعمد”، للشعب الذي يعاني من ظلم يدور ويلف الحبل حول عنق الشعب العراقي.

إن المسيرات والتظاهرات والحراك الشعبي الذي طرأ على الساحة العراقية خصوصاً المناطق الجنوبية، او إن صح التعبير تواجد مدن الشيعة هي التي تنظم تواجد الحراك الذي صارت اداتهُ تُشكِّلُ عائقاً على كاهل الحكومة المدعومة من قِبل ايران.

كانت نتيجة الأنتفاضة الى كتابة هذه السطور “سقوط العشرات” من الضحايا، وأكثر من سبعة مئة جريح ،وإصابة ثلاثة مئة من رجال الأمن ،الذين تبلغوا من مكتب رئيس الحكومة مباشرة في عدم إطلاق النار على المتظاهرين مباشرة درءاً لعدم إفساح المجال لمن يُعكر الأجواء، أو من المتحمسين الى تأجيج الفتنة المذهبية لا بل إثارة النعرات بين القوى المتحالفة تحت مسميات “الحشد الشعبي” و”منظمة بدر” و”تنظيم مقتدي الصدر“!

سوف تنتقل عدوىّ التظاهر وتنتشر لكى تصل الى كل المدن العراقية، وحتى المشاركة سوف تتحول الى إنتفاضة عارمة، من كافة اطياف العراق. شيعة، سنة، وسريان، واشورين، وكلدان، ويهود، وكرد، ومن المكونات المسيحية، الذين يتساوون في العيش الفقير والمذل الذي فرضتهُ قوى الإستبداد؟

لكن الحكومة العراقية بقيادة حيدر العبادي المنتسب الى حزب “الدعوة”، المنتهية صلاحيتها ،تجد نفسها في مأزق حرج قد يتسبب في إندلاع حرب أهلية جديدة .نتيجة الفساد والثراء الفاحش والسريع وسرقة موارد الشعب العراقي وأهمال تقديم الخدمات من كهرباء ومياه وشؤون صحية تهم المواطن الفقير الذي لا يرى إلا النزول الى الشارع تحريضاً وتعبيراً نتيجة الظروف المأسوية الذي يمرُ بها شعب ما بين الرافدين وحقول الذهب الأسود.

 

السابق
لبناني «غير أصيل»؟!
التالي
سورية من دون فلسطين