الحملة على ميقاتي مؤشر على صحة خياراته

كان للرئيس نجيب ميقاتي مواقف عدة مؤخراً، تعلقت بتحصين الرئيس سعد الحريري والطائف وصلاحيات رئاسة الوزراء.

بينما تزداد حماوة الصراع حول تشكيل الحكومة ، وتندلع جبهات التصعيد ، وتـتعقـّد العقد الدرزية والمسيحية ، بدا واضحاً أن “حزب الله” قرّر توجيه الضغط إلى الخاصرة السنية لتفكيك تضامن رؤساء الحكومات وإستفراد الرئيس سعد الحريري عبر فك المسار التضامني الذي سلكله الرئيس نجيب ميقاتي دعماً له وحفاظاً على موقع ومكانة وصلاحيات رئاسة الوزراء.
يدرك “حزب الله” أن موقف الرئيس ميقاتي يحصّن ويدعم الرئيس الحريري وينسف كل مقولات وجود عقدة سنية في التشكيل الحكومي رغم إستجلاب وتجميع بعض النواب الموالين له لكنهم لم يستطيعوا تشكيل حيثية سياسية ذات وزن مقنع ليجلسوا إلى مقاعد الحكومة.

• حملة إبتزاز الحريري

من مؤشرات هذا الضغط تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلسة “تشاورية يعطيها البعض تفسيراً بإحتمال الوصول إلى مسارٍ يؤدي إلى نزع التكليف من الرئيس الحريري تحت ستار الإجتهادات للإسراع في التشكيل ، متناسين أن هناك من قال لعمرها ما تصير حكومة كرمال صهر الجنرال ، وأن الفراغ الرئاسي إستمر طويلاً جداً إلى حين الرضوخ للتسوية الرئاسية.
هذا من دون إغفال أن كلام النشاز الصادر عن جميل السيد لا يخرج عن منظومة الإبتزاز السياسي الذي يتعرض له الرئيس الحريري وبشكلٍ متعمّد من رموز النظام الأمني السابق ، وهو ما يحمل في طياته تهديداً للأمن والإستقرار.
على هذه الخلفية خرج سالم زهران المرتبط بنظام بشار الأسد و”حزب الله” ليزعم تفجير “قنبلة” من العيار الثقيل عبر زعمه أن الرئيس ميقاتي إستفاد من القروض المدعومة من مصرف الإسكان ، أو بعبارة أخرى أن ميقاتي إقترض من المبالغ المخصصة لمحدودي الدخل وأنه كان أحد أسباب تبخـّر المبالغ المخصصة لقروض الإسكان ، ولتعطيل مئات الأعراس للشباب ، وضرب هذا القطاع وتدمير آمال اللبنانيين.

• كذبة سالم زهران

صبّ زهران نيران إتهاماته على الرئيس ميقاتي ، خالطاً بين قرضٍ تجاري عادي ، قامت به شركات آل ميقاتي ، وبين قروضٍ بملايين الدولارات إقترضها قضاة من المبالغ المدعومة للسكن من مصرف لبنان.
باشر الإعلام الموالي لـ”حزب الله” مباشرة أو مداورة ، والإعلام الإبتزازي حملة تشويه وتشهير متجاهلة حقيقة أن بعض الشركات المملوكة لأفرادٍ من آل ميقاتي قامت بإستلاف قروض عام 2011 من بنك عودة وهو مصرف تجاري ، وليس من مصرف الإسكان ، وأن معظم القروض قد تم تسديدها وهذه العملية قانونية لا لبس فيها. وهذه الخلاصة أكدها مدير عام المؤسسة العامة للإسكان روني لحود.
من هنا يبرز التساؤل:
ــ لماذا الحديث المزعوم عن سياسيين كثر إستغلوا قروض الإسكان والإمتناع عن ذكر أيٍ منهم بإستثناء ميقاتي؟
ــ لماذا كذب سالم زهران وقدم وثيقة ناقصة ، محذوف منها أن القرض جاء من بنك عودة التجاري وليس من قروض الإسكان؟

ولماذا بعد كل هذه السنوات يتم الآن تركيب ملفٍ مكذوب وطرحه في البازار السياسي في هذه اللحظة المعقدة ، بالتزامن مع إزدياد تعقيدات ملف تشكيل الحكومة وتصاعد القصف من أطراف عدة على خلفية الحصص والتنازع عليها.

• منزلقات جمهور التواصل

لكن المؤسف في سياق مقاربة هذا الموضوع ، هو ذلك الإنزلاق السريع لشرائح واسعة من المتواجدين على وسائل التواصل الإجتماعي وراء مصطلحات التفخيخ الإعلامي وتناقل كلام زهران وتأييد البعض له ، من دون أي تدقيق أو تفكير ، وهذا يوجب من قيادة تيار المستقبل وضع أنصارها في أجواء تتناسب مع ملاقاة خطوات الرئيس ميقاتي تجاه الرئيس الحريري.

• ميقاتي: تعطيل إستفراد الحريري

لقد صَدَمَ الرئيسُ ميقاتي معظم الوسط السياسي عندما بادر إلى طي صفحة الإنتخابات النيابية ، رغم كل ما تعرّض له من عجمات شرسة من تيار المستقبل ، متخذاً خطوتين هامتين:
ــ إعلان كتلة الوسط المستقل ورفض الإصطفاف مع ما يسمى الفريق السني الموالي لـ”حزب الله” والمتمثل بلقاء النواب عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وجهاد الصمد ، مضافاً إليهم نواب ملتحقون من كتل حركة أمل و”حزب الله” ، وكذلك عدم الإنضمام إلى تكتل المردة ومن إلتحق به من نواب ، والتموضع في مساحة وسطية ، أولويتها الحفاظ على إتفاق الطائف وصلاحيات رئاسة الوزراء وعلى الإستقرار في البلد.
ــ المبادرة إلى تلبية الدعوة إلى إجتماع رؤساء الحكومات السابقين دعماً لتكليف الرئيس سعد الحريري ورفضاً لأي إنتقاصٍ من صلاحيات الرئيس المكلف ، عبر فرض بدعٍ وهرطقات سياسية ، مثل تحديد المدة الزمنية للرئيس المكلف ، والضغط عليه لتقديم تنازلات تمسّ جوهر التوازنات الوطنية.

في المقابل ، كانت أطراف سياسية أخرى تواصل التصعيد لتغيير المعادلات ، فغاراتُ الوزير جبران باسيل على النائب السابق وليد جنبلاط متواصلة بلسان النائب طلال أرسلان ، ومحاولاتُ إقصاء القوات اللبنانية وصلت إلى حدٍ حسم معها الوزير ملحم رياشي المسألة بأن حصة القوات خمسة وزراء ونقطة على أول السطر..

إقرأ أيضاً: عودة 14 آذار بين الواجب الوطني وحتمية المواجهة (3/3)

شكل موقف الرئيس ميقاتي تعطيلاً واضحاً لمساعي الإستفراد بالرئيس الحريري ، وعطّل أيضاً إمكانية قيام معارضةٍ سنية وازنة ، نظراً لتقديره خطورة الموقف وضرورة تجاوز المطالب الضيقة والطموحات السلطوية المتفلتة من عقال الحوار والمصلحة الوطنية.
ولأن وليد جنبلاط وسمير جعجع ثبتا وصمدا على مواقفهما بخصوص التشكيلة الحكومية ، لم يعد لدى تحالف عون – باسيل – “حزب الله” سوى تحويل الضغط على الرئيس الحريري لإلزامه الموافقة على صيغة تضمن لهذا الحلف الأغلبية في مجلس الوزراء ، وبالتالي الإنتقال إلى مرحلة الهيمنة الآحادية تحت ستار حكومة الوحدة الوطنية..

• فرصة أمام الحريري

يمتلك الرئيس الحريري اليوم فرصة جدية لإعادة لمّ الصف السني ، وإحباط محاولات الإختراق تحت عناوين مختلفة . ولعل المنطق الآن يقتضي بتكثيف التواصل مع الرئيس ميقاتي ، وأيضاً بتمثيله في الحكومة ، خاصة أنه ترك الخيار للرئيس المكلف بإختيار الوزير لجهة الإنتماء الطائفي ، لأن تمثيل ميقاتي سيؤدي إلى جملة من النتائج الإيجابية ، أهمها:
ــ إظهار وحدة الصف السني وإجهاض فكرة ” المعارضة السنية” داخل الحكومة ، وهي الوتر الذي يدندن عليه “حزب الله” لسلب الرئيس الحريري حصة إضافية من شرعية التمثيل السني بعد تراجع كتلته في الإنتخابات النيابية.
ــ إشراك الرئيس ميقاتي في المسؤولية عن إدارة الأزمات المتفاقمة في طرابلس وهو أمر يحتاجه الرئيس الحريري لأن الوضع في عاصمة الشمال بلغ إنحداراً شديد الخطورة ولا يمكن ضمان عدم إنفلات الإستقرار في المدينة بسببه ، بعد أن باتت الأزمات تطال كل جوانب الحياة: البطالة السارية، البنى التحتية وإشكالاتها وطبيعة عمل مجلس الإنماء والإعمار ، وأزمة جبل النفايات الكارثية التي تعتبر الأخطر في تاريخ عاصمة الشمال.
كل هذا يحتاج إلى شريكٍ في الحكم يتولى تقاسم الأعباء ، ولإنهاء الصدام الحاصل بين تياري المستقبل والعزم في طرابلس والمستمر في جوانب كثيرة بعد الإنتخابات ، وكان أحد مظاهرها طريقة تعاطي كثيرين من ناشطي المستقبل مع الإثارة الرخيصة التي طرحها سالم زهران حول القروض مؤخراً.

إقرأ أيضاً: ماذا يقول ثلاثي ميقاتي_ الحريري_ ريفي في معركة انتخابات طرابلس؟

ليست القضية الآن مجرد تمرير حكومة كالعادة ، بل إن إننا نواجه مرحلة التسويات في المنطقة ، وهذا يوجب رفع سقف التضامن الوطني والإسلامي خاصة أن الرئيس ميقاتي أعلن بوضوحٍ لا لبس فيه أنه في حال إعتذر الحريري فإنه سيعيد تسمية الحريري مرة جديدة ، أي أن الطريق مقفل أمام الإجتهادات أو التحريض ، فالأولوية للوحدة والتضامن.

 

• أمين عام التحالف المدني الإسلامي

السابق
المؤتمر الـ«11» لمنتدى الوحدة الإسلامية: الارتباط بالله يمنع استعباد البشر
التالي
تموز والذاكرة العربية الورمة