إنها معركة القضاء على الطائف

قد لا نبالغ إذا قلنا بأن ما يشهده اليوم موضوع تشكيل الحكومة من صعوبات وتجاذب، هو نتاج طبيعي لمسار بدأ مع حوادث 7 أيار وإتفاق الدوحة الذي هو بدوره نتاج وتطبيق عملي لما إبتغاه منفذو جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من إغتيال لإتفاق الطائف.

من المعروف أن إتفاق الطائف عقد في لحظة إقليمية ودولية مواتية عبر إتفاق عربي سعودي سوري بغطاء دولي وذلك تزامن مع نهاية الحرب العراقية – الإيرانية وتجرع إيران كأس السم الذي حرمها من قطف أية ثمار لها في لبنان وإن كان حليفها حافظ الأسد تمكن بدهائه المعروف وحسن قراءته للظروف وحقائق الأرض قد تمكن من حفظ سلاح حليفها حزب الله بداعي مقاومة إسرائيل وهو ما حفظ لها ماء الوجه ودور مساند للدور السوري الذي بات رئيسيا وملتزما الملف اللبناني خاصة بعد الأزمة العراقية – الكويتية التي إستغلها قناص الفرص حافظ الأسد ليصبح الوكيل الحصري للوضع في لبنان كما إستغل سابقا زيارة السادات للقدس ليحول قوات الردع العربية يومها إلى قوات سورية فقط وإفراغ الدور العربي من محتواه.

وفي مفارقة غريبة أن طرفي الحرب العراقية الإيرانية لم يكونا راضيين بما فيه الكفاية عن إتفاق الطائف، إيران بسبب خسارتها الدور الذي كانت تطمع به والعراق بسبب محاولته قطف ثمرة إنتصاره الذي حاول ترجمته هزيمة لغريمه السوري وكانت الساحة دائما لبنان وكان أن دعم رئيس الحكومة اللبنانية العسكرية ميشال عون الذي كان من بين الأطراف اللبنانيين الخاسرين من هذا الإتفاق والذي دفع ثمن إنفجار الأزمة العراقية الكويتية وإنضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة العراق الأمر الذي قبض ثمنه الأسد في لبنان حيث أطلقت يده وكان ما كان في 13 تشرين اول عام 90 وذهاب ميشال عون إلى المنفى في فرنسا معارضا دائما لإتفاق الطائف.

هنا كان الإنقلاب الأول على الطائف الذي لم ينفذ منه إلا بنود قليلة وطبقت أسوأ تطبيق في ظل إطباق النظام السوري على الوضع الميداني والسياسي في لبنان تاركا للسعودية عبر واجهتها اللبنانية المتمثلة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري كرة النار الإقتصادية لمعالجتها وتحمل آثارها الثقيلة على الشعب في بلد صغير وضعيف وخارج من حرب خمسة عشر عاما.

إقرأ أيضاً: ضرورة تعديل اتفاق الطائف

هذا الوضع الذي تغير مع تحرير جنوب لبنان ومن ثم الإحتلال الأميركي للعراق وهما أمران ساعدا في تنشيط الدور الإيراني في المنطقة مقابل ضغوطات بات يتعرض لها نظام الأسد وترافق ذلك كله مع غياب حافظ الأسد وتنصيب إبنه مكانه مع ما يعنيه هذا من غياب الحنكة والدهاء المطلوبين دائما في منطقة حافلة بالمتغيرات السريعة والملتهبة ولا تحتمل تصرفات نزقة كالتي أتى بها ومارسها الأسد الإبن سواء في تصرفاته بالمنطقة او في تعامله الفظ مع ” شركائه ” اللبنانيين الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بإستكمال تنفيذ إتفاق الطائف بما يعنيه من إنسحاب سوري أقله إلى منطقة البقاع وحصل ما حصل من محاولات ترهيب وإغتيالات توجت بإغتيال الشريك اللبناني والواجهة السعودية لإتفاق الطائف الذي تعرض إلى ضربة قوية أقعدته عن الحركة ولكنها لم تمته مع ما تبع إغتيال الحريري من إنتفاضة أطاحت بالنظام الأمني اللبناني السوري الذي حمله يومها غالبية من اللبنانيين مسؤولية هذا الإغتيال.

مع إغتيال الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عاد ميشال عون من منفاه الباريسي عبر صفقة يقال أنها كانت بدأت بالتبلور قبل إغتيال الحريري مع أعداء الأمس من النظام السوري إلى معظم أدواته في لبنان الذين وجدوا في ميشال عون و “حقده ” الدفين على إتفاق الطائف ضالتهم التي ممكن أن تساعدهم في القضاء على الطائف ترافق ذلك مع علو كعب إيران في المنطقة بعد التطورات في العراق والضغوطات على نظام الأسد معطوفا على معارضتها القديمة الصامتة لإتفاق الطائف الذي تمثل بمعارضة ممثلها حزب الله في لبنان لكل حكومات الحريري الأب، فكان إتفاق مار مخايل بين حزب الله وتيار عون الذي حمل لواء المظلومية المسيحية في وجه ما أسماه الحريرية السياسية ” السنة تحديدا ” محيدا المسلمين الشيعة عن صراعه المفروض مع الطرف المسلم في البلد وكرت الأحداث التي أوصلت لإتفاق الدوحة الذي كان المفروض أنه مؤقت وليس بديلا لإتفاق الطائف على أن تنتهي مفاعيله بعد الإنتخابات النيابية و” اللي بيربح صحتين ع قلبو ” كما أعلن يومها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

ولكن كما العادة في لبنان كل مؤقت يصبح مع الوقت دائم وعُرف في السياسة اللبنانية، وهكذا بدأنا نسمع تعابير ومصطلحات سياسية ما أنزل الله بها من سلطان كالثلث المعطل والوزير الملك وبتنا نعيش “حياة سياسية” مليئة بالبدع وبعيدة كل البعد عن الدستور نصا وروحا فبتنا نسمع عن بدعة أن كل 4 نواب يمثلهم وزير ما أدى إلى تكتلات نيابية مضحكة مبكية طمعا في مقعد وزاري من هنا وهناك.

والمفارقة الكبرى أن السيد جبران باسيل وهو الذي بنى “مجده” السياسي على الدفاع وإسترجاع حقوق المسيحيين عن طريق رفضه لإنتخاب النواب المسيحيين من قبل مواطنيهم المسلمين وإعتبر ذلك نقيصة بحقهم يقوم اليوم وبعد إستيلائه أو محاولة مصادرة القرار المسيحي بعد إنقلابه على “خيو” المسيحي، يأتي اليوم ليلعب نفس اللعبة التي لطالما شكا منها ألا وهي محاولة مد يده للتلاعب بحصص الطوائف الأخرى متجاوزا بذلك خطوط حمر كثيرة قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه خاصة وأنه بات يقترب من المس حتى بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف وسط تساهل وتجاهل وعدم تدخل من قبل رئيس الجمهورية وحلفاء باسيل في حزب الله، وهو الأمر الذي يهدد بالقضاء على البقية الباقية من أنفاس في جسد الطائف المقعد والمشلول.

إقرأ أيضاً: ما عادوا يريدون اتفاق الطائف

كل هذا بإسم حقوق الطوائف التي يذل غالبية رعاياها أمام المدارس حتى الدينية منها التابعة للطائفة، ويموت البعض من رعاياها على أبواب المستشفيات حتى تلك التابعة للطائفة إن لم يكن مدعوما من هذا الزعيم أو ذاك، هذا دون الحديث عن مشكلة الكهرباء والنفايات وووو … إنقذوا الطائف فهو على علاته قد ضمن خروج لبنان من جحيم الحرب وعلينا نحن في لبنان أن نجتهد ونحاول تطبيق هذا الإتفاق تطبيقا صحيحا كي يتسنى لنا كشف بعض سيئاته لنصلحها في جو من الهدوء والإستقرار بعيدا عن المطامع والغايات الطائفية والشخصية التي لم يجن منها لبنان إلا الخراب والدمار .

السابق
غارة اسرائيلية تستهدف موقعاً لحزب الله والميليشيات الإيرانية في ريف حماة
التالي
تعويم بشّار الأسد!