حزب الله في قريتنا

حازم الأمين

تولى نائب في حزب الله تعبيد طريق منزل أحد مناصريه في قريتنا. نفذت وزارة الأشغال اللبنانية الخدمة” من موازنة “خدمات النواب”، على ما قال رئيس بلدية القرية.

وصودف أن الطريق المذكور يفضي إلى منزلنا. أقل من خمسة أمتار تفصل منزل مناصر نائب الحزب عن منزلنا. الزفت (الإسفلت) توقف عند باب منزل جارنا، وضاقت عين وزارة الأشغال بالأمتار القليلة المتبقية. المقاول الذي تتولى آلياته تعبيد الطريق، والذي رفع على هذه الآليات راية وزارة الأشغال اللبنانية، قال لأمي إن عليها أن تدفع مبلغ 1600 دولار أميركي لكي يعبد ما تبقى من أمتار تفصل منزلنا عن نعمة الإسفلت التي أغدقها الحزب على مناصره وحرمنا منها. قال إن الوزارة أوصته أن يتوقف عن تعبيد الطريق ما أن يصل إلى باب منزل الجار.

إقرأ ايضا: جماهير العهد يتطاولون على الصحافي حازم الأمين وزوجته الإعلامية ديانا مقلد

حزب الله، الذي خصص أمينه العام حسن نصرالله نائبا من كتلته ليتولى ملاحقة الفساد المتفشي في الدولة اللبنانية، لا يشعر أن في الخطوة التي أقدم عليها نائبه رائحة فساد.

الفساد في إيران هو ابن ولاية الفقيه، ولا أحد محصن طالما أن قيم الدولة الحديثة والعادلة ما زالت طموحا بعيد المنال
إنها “خدمة” عابرة لمناصر للحزب، والأمتار الخمسة المتبقية من دون تعبيد هي أداة عقابية على الأرجح، رغم أن أمي، التي لم ينعم منزلها بإسفلت الحزب، ليست عدوة له وهي شأنها شأن آلاف من نساء القرى من “عوام المؤمنين”. وإذا كان ابنها لا يحب الحزب فشقيقها يحبه، وابن شقيقها الآخر مناصر لحركة أمل، والقضية لا تتعدى أمتارا خمسة من الإسفلت. الأرجح أن هذا الضيق الموضعي هو صورة عن ضيق أكبر وأوسع عن فهم السلطة وعن ممارستها.

الواقعة على موضعيتها يمكن أن تشكل مدخلا لنقاش فهم حزب الله للسلطة بعد أن استتبت له، وبعد أن شرع يمارسها بوصفها تسييرا ليوميات “رعاياه” في الجنوب والبقاع اللبنانيين. فالأرجح أن الحزب بدأ يتعثر بموقعه المستجد هذا، ويبدو أن انحسار موارده الخارجية سيرشحه لمزيد من التعثر. الوقائع اليومية في جنوب لبنان تزخر بحكايات عن فساد في الحزب، وعن آلته البيروقراطية الساعية لجني ثمار السلطة عبر قنوات الفساد نفسها.

الأرجح أن الحزب سيعجز، إذا ما أراد، عن الحد من جموح جماعاته إلى تكديس الثروات. هذا ما ينقله كثير من الجنوبيين من غير خصوم الحزب. فالأخير كبر وتوسع وصار آلة بيروقراطية منغمسة بمصالح مسؤوليها وطموحاتهم بالثراء. الحكايات عن المستفيدين من أعضاء الحزب، مثلا من قضية مسح الأراضي والعقارات، كثيرة. ويبدو أن هذه القضية تحولت إلى ظاهرة يتحدث عنها معظم أبناء قرى الجنوب اللبناني.

والملاحظ هنا أن الحزب بدأ يستثمر في “حصته” من الدولة اللبنانية، وهي ما كان يوحي أنه تعفف عنها سابقا، ذاك أن أمينه العام سبق أن قال أكثر من مرة إن اقتصاد الحزب من ألفه إلى يائه مبني على ما تقدمه له إيران. الأرجح أن حزب الله سيعجز، إذا ما أراد، عن الحد من جموح جماعاته إلى تكديس الثروات وهنا على المرء أن يتوقع تقهقر التمويل الإيراني في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية وفي ظل العقوبات الأميركية. ويبدو أن مؤشر التقهقر صار من الممكن رصد أوجه منه في أداء الحزب وفي علاقته ببيئته وجماعاته. وهو ما سيرشحه من دون شك إلى الانغماس في بؤر الفساد اللبنانية، التي لا يبدو أن جماعة لبنانية واحدة تملك مناعة تفادي الانغماس فيها.

علينا أن نضيف هنا عاملا آخر مرتبطا بأفول “اقتصاد الممانعة” وهو اقتصاد القتال في سورية الذي بدأ يشهد مراحله الأخيرة، وهو ما سيفضي إلى حقيقة أن آلافا من الشبان سيصبحون من دون عمل. يتحدث الجنوبيون عن هذا الاحتمال بشكل يومي، ذاك أن القتال في سورية شكل مخرجا لآلاف ممن وجدوا فيه فرصة لتأمين دخل، وجرى في ظل هذه المشاركة تأسيس لعائلات ولمنازل ولتصور عن المستقبل لا يأخذ بعين الاعتبار احتمال وقف الحرب.

ثمة مؤشرات كثيرة تدل على أن حزب الله سيستعيض عن اقتصاد الإعالة الذي أتاحه له التمويل الإيراني بالسعي لحجز حصته من موازنة الحكومة اللبنانية. والمؤشرات ليست توقعات، إذ يبدو أن الحزب باشر وجهته هذه، وهنا يمكن للمرء أن يتوقع ما تستدرجه هذه المهمة من احتمالات بدأت تثقل على صورة الحزب بصفته خارج “نِعَمِ” الفساد اللبناني.

ثمة مؤشرات إلى بدء تصدع دور “الأيديولوجيا” المذهبية بصفتها مصدر تماسك جماعة حزب الله في لبنان والجماعات الموازية لها في كل من العراق وإيران. فالسلطة استتبت بعد أن “أنجز النصر”. وهذه القوى أنشأت لتتولى إدارة الحروب، أما إدارة حياة الناس ويومياتهم، فلن تؤديها على نحو أفضل مما أدتها سلطات موازية لها. الفساد في إيران هو ابن ولاية الفقيه أيضا، ولا أحد محصن طالما أن قيم الدولة الحديثة والعادلة ما زالت طموحا بعيد المنال.

السابق
الوزير حمادة: صبرنا بدأ ينفذ من باسيل
التالي
أكثر من مليون ونصف نازح الى سوريا قريبا