الأوقاف الشيعيّة والطحين المنتظر في جبيل

لجنة اوقاف لاسا
سبق لنا أن كتبنا في موضوع الوجود الإسلامي في منطقة جبيل وكسروان، فبيّنا أنّ لا مشروع يرعى هذا الوجود التاريخي في بُعده، والهزيلُ في حاضره، ودَعَونا إلى صوغ مشروع اجتماعيّ واقتصاديّ للانخراط مجدّدًا في السياق الوطنيّ، والسياسيّ تحصيلًا وواجبًا، ابتداءً من انتخاب المجالس المحليّة وَفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والفعالية، ثم إيلائها العناية اللازمة لتحقيق دورها وأهدافها.

كذلك أشرنا في ما أشرنا إليه إلى خللٍ جبيليّ محليٍّ وآخر إسلاميّ مركزيٍّ، منع ويمنعُ من الوصول إلى تجديد الواقع الإسلامي في المنطقة.

إقرأ أيضا: شكاوى حول ادارة الاوقاف الشيعية في «الليلكي المريجة»

وقد ورد في المقالات المنشورة تباعًا أنّ النداءات والتحذيرات واللقاءات التي جاءت بمبادرة من الفعاليات الإسلامية لم تبلغ غايةً من غايات المجتمع المحليّ في جبيل، إذ اقتصرت مفاعيلها على المستوى الكلامي فيما المطلوب سلسلةٌ من الإجراءات الإدارية والقانونية والسياسيّة وصولًا إلى تغيير الواقع المرفوض.

واليوم، يأتي لقاء “الأوقاف الشيعية في لاسا” في النادي الحسيني بحضور ممثل ​المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى​ المحامي عماد المولى وعلماء جبيل و​كسروان​ وجمع من أهلها والجوار لتقتصر نتائجه على استمزاج الآراء، بالرغم من النبرة المرتفعة التي بشّرت بالانقلاب على الفترة الانتخابية وما تميّزت به من إغراء للناخبين وسط مجتمع مختلط مذهبيًّا.

وبتعبير بيان المجتمعين، فإنّه “بعد التداول بواقع ما يجري في المنطقة فإنّه قبل ​الانتخابات النيابية​ كنّا نسكت عن الكلام العالي النبرة ضدّ أهلنا في جبيل وكسروان، ونضعه في خانة الأهداف الانتخابية. أمّا الآن وبعد عدّة إشكالات، رأينا أنّ القضية خلافُ ما كنا نعتقد، وتبيّن لنّا أنّها ممنهجة ومقدّمة للتهجير القسريّ لأهلنا من المنطقة”. وأورد البيان أنّه ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ثمة أجندة متّبعة، فيها بعض الخطوات، هي:

– الإشكال في اليمونة في زمانه ومكانه.

– سلخ بركة حجولا وضمّها إلى بنتاعل بحجة إنشاء محمية.

– إلغاء بلدة حلان كبلدة عبر ضمها عقاريًا إلى بلدية غدراس، وسجلات أهلها إلى بلدية غبالة.

– منع المالكين القاطنين في المنطقة من أبنائنا من البناء فوق أبنيتهم.

-المسح الاختياري الذي قضم كلّ الجبال و​المشاعات​ الخاصة ببلداتنا لصالح المطرانية.

– الاعتداءات العقارية المتكرّرة على بلدة قرقريا”.

البيان الذي صدر إعلاميًا باسم اللقاء وجد من يتبرّأ منه سريعًا، وتمثّل في إمام بلدة زيتون الكسروانيّة الشيخ محمد أحمد حيدر الذي نفى صدور بيان عن اللقاء، معتبرًا أنّ لغة البيان عالية النبرة، وأن الهدف هو الحوار ومعالجة الملفات بطريقة هادئة، ما يُوحي بأجواءٍ خاصّة لا تنسجم والفعالية المُقامة، وإن لم يكن لهذه الأجواء أيّ طرحٍ محدّد وفاعل على مستوى المعالجة!

كذلك يُنبينا الواقع بغير ذلك، ويؤكّد لنا أن لا حلَّ قريب لمشكلات المنطقة وأوقافها بسبب التفريط والإفراط بل قلّة الحيلة، فهل ننتظر من البيانات أو اللغة المرتفعة الإفضاء إلى النهايات الجميلة؟

قالوا ليس الرعد ما يُنبت الزرع بل الأمطار، ولا أمطار تُرجّى من لقاءات سقفها استمزاج الآراء منذ عقود، فيما قافلة الزمان تسير باتجاه مخالف تمامًا، وقد تخلّف عنها جمعٌ كثيرٌ من أبناء جبيل حين ارتضوا أن تكون ملفاتهم خارج نطاق منطقتهم، وما يزالون مصرّين على معالجة مشكلاتهم بنفس الطريق السالفة الخاطئة.

في الشكل، لم نشهد حضورًا نيابيًّا ولا سياسيًّا داعمًا للمطالب القانونية لأهالي المنطقة كما كانت الحال في السابق، بالرغم من أن لا داعي للخوف على سوء فهم لدى أيّ طرف من الأطراف المذهبيّة أو السياسيّة، إذ من الثابت لدى الجميع، خصوصًا المسلمين، التشديد على رفض كلّ تعدٍّ على حقوق الغير من حيث أتى، مع مراعاة التعقيدات التاريخية التي صاحبت نشوء الأوضاع القانونية الراهنة للمناطق العقارية والملكيّات الشخصيّة.

أمّا في المضمون، فلم يأخذ اللقاء المبادرة إلى خطوات إدارية أو قانونية أو سياسيّة باتجاه وضع الأمور في نصابها بدل المراوحة في المكان الذي لم يبارحه مطلقًا، فبقيت الأثقال ملقاةً على أهل المنطقة الذين يُحال بينهم وبين استغلال ممتلكاتهم بالشكل الأنسب في مجال السكن والتنمية والتجارة…ولو أحسنت الفعاليات متابعة ملفّاتها لوفّرت على أبناء المنطقة الكثير من العناء والعنت، لكنهم استكانوا إلى الواقع الراكد في المنطقة، وهذا عهدنا بهم…وليس بعيدًا عنّا حين استهزأ الإعلامي روني ألفا بالمصلّين في مسجد رأس أسطا مدّعيًا حدوث أعاجيب، فلم يطلب أحدٌ يومها اعتذارًا من الكاتب أو صاحب الصحيفة بل لبّى دعوة الأخير إلى دعوة إفطار، ثم كرّت السبحة حتى دخل الفاس في الراس ـ على قولة الجزائريين.

ثم تبع ذلك سبحة القرارات القضائية ذات النفس المذهبيّ على خلفية رعاية كهنوتية في جبيل، في وقت لم تغب الإجراءات الإدارية التي تكبح التعبيرات الإسلامية، باعتبار المنطقة ذات كثافة عددية مسيحيّة، لتتجلّى بشكل صارخ في المواطن الدكتور فارس سعيد الذي رفض أن يكون لجهة سياسيّة مسلمة سلطة قرار في منطقة جبيل، داعيًا المسلمين إلى الإذعان لواقع أن السلطة للعدد ذي اللون المسيحي.

أقرأ ايضا: مديرية الاوقاف الاسلامية: لادراك خطورة هذه المرحلة من تاريخ لبنان

فيا للعجب، إذ هم يأخذون على المرحوم العلامة محمد مهدي شمس الدين قوله بالديمقراطية العددية، يدعون إلى تطبيقها حيث يتوهّمون الغلبة لهم!

فهل نلوم زماننا والعيب فينا، فيما يبقى المواطن المسلم في جبيل هاربًا من حاضره أو متبجّحًا بتاريخه، وهو لا يهتدي إلى معالجة واقعه بموضوعية ومسؤولية ونجاعة؟

 

السابق
هذا ما جرى في لقاء الحريري – باسيل
التالي
سماعات هاتف لاسلكية تشحن بالطاقة الشمسية