«صليب» بلدة بشتودار: مشروع فتنة لن يمر!

ما إن أعلن وزير الخارجية جبران باسيل عن "صليب" بشتودار حتى شهدت مواقع التواصل سجالات ذات طابع مذهبي!

أثارت التغريدة التي أعلن فيها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الانتهاء من تثبيت الصليب الأكبر في قضاء البترون على جبل القلعة في بشتودار جدلاً واسعاً!
باسيل الذي نشر عبر صفحته الخاصة “تويتر”، صورة للصليب شاكراً الجيش اللبناني على جهوده، وضع نفسه في موضع محاسبة، فسأله المتابعون:
“لماذا لم يتم تثبيت الكهرباء؟”، فيما اعتبر البعض أنّ الهم الأوّل للتيار الوطني الحر هو تكريس الطائفية، لا العمل على الإصلاح وعلى مكافحة الفساد!

إلا أنّ الجدل حول “الصليب”، لم يتوقف عند حدود الإنماء، بل أثار تساؤلات حملت أبعاد طائفية، لاسيما وأنّ بلدة “بشتودار” التي رفع الصليب على جبلها هي إحدى القرى ذات الغالبية السنية في قضاء البترون (70% من المسلمين سنة، 30% من المسيحين)، مما دفع البعض إلى القول:”ماذا كان موقف البطريرك وبكركي والديمان والطبقة السياسية المارونية لو تم أمر مماثل بإنشاء علم وراية المسلمين على قمة جبل في قرية مسيحية”.

الباحث والخبير في الحركات الاسلامية، الأستاذ أحمد الأيوبي سجّل من جانبه تحفظات ضد هذا الإنجاز الباسيلي، إذ طرح عبر صفحته الخاصة فيسبوك عدة تساؤلات، أبرزها:

“- ما هي الحكمة وما هو المقصود من هذه الخطوة؟
– هل المقصود إستفزاز المسلمين وإثارة النعرات المسمومة المشؤومة ، كما أثار الفتنة مع الشيعة من خلال وصف الرئيس بري بالبلطجي وما تلاها من غزوات وصدامات؟ أم المقصود أيضا إحراج القوات اللبنانية ، فإذا هي سكتت بدت وكأنها راضية بهذا السلوك ، وإذا إعترضت تصبح متهمة بمسيحيتها؟؟”.
وتابع الأيوبي “هل مهمة الجيش ان يشارك في نشاط الطوائف وأن ينخرط في مثل هذه الخطوات دون دراسة لعواقبها؟”.

الأيوبي وفي حديث لـ”جنوبية”، أوضح أنّ الصليب بحد نفسه لم يشكل أي استفزاز، فهم يحترمون الرموز الدينية كما يحترمون جميع المؤمنين بها، ولفت الأيوبي إلى أنّ “الإستفزاز جاء من طريقة إعلان الوزير باسيل عن وضع الصليب وكانه فتح الفتوح أو كانه إنجاز بعد معركة.. والواقع عكس ذلك”.

وأشار إلى أنّ “الملاحظة الثانية إختيار باسيل منطقة ذات طابع إسلامي لرفع الصليب بها دون سائر مناطق البترون”، متسائلاً: “لماذا حشر الخيار هنا بالذات.. ولو أنه إختاره في منطقة مسيحية لكان امرا طبيعيا ولم يثر أي جدل. هذا فضلاً عن ان باسيل ينظر علينا بالعلمانية الشاملة ويريد فرضها على الجميع ، فهل هو رئيس حزب ديني من مهامه رفع الرموز الدينية، أم هو رئيس حزب علماني يريد فرض العلمانية في البلد؟!”.

وعند سؤال الأيوبي عن تشابه هذا الخطاب والخطاب الطائفي الذي لطالما انتقد اللبنانيون الوزير باسيل بسببه، قال: “نحن لم ننطلق في النقاش من خلفية طائفية بقدر ما عبرنا عن شعور تولد عند شريحة من اللبنانيين بأن ما يفعله الوزير باسيل مستفز من حيث الشكل على الأقل.. كما سبق أن إستفز الجمهور الشيعي بإطلاق صفة البلطجي على الرئيس نبيه بري”.
وأضاف ” نحن مع الشراكة الوطنية الصحيحة والصريحة ، المبنية على مراعاة الآخرين ورعايتهم. وأنا أتساءل: هل لو أنّ المسلمين في البترون رفعوا شعاراتهم في بعض الجبال … هل كان ذلك ليمر عند باسيل؟خطابنا يحذر من التمادي في تجاهل مخاطر إستفزاز الشركاء في الوطن وتحميل الطموحات الشخصية للبعض على كاهل الدين والطائفة”.
هذا وأكدّ الأيوبي أنّ مضمون ما نشره على صفحته فيسبوك زاخراً بالدعوة للتواصل بين للمسلمين والمسيحيين وليس العكس، لافتاً في السياق نفسه إلى أنّ شريحة واسعة من المسيحيين إستنكرت تصرف الوزير باسيل وكان الرأي الذي سجلته مطابقاً لطرحهم.

وبالعودة إلى عبارة “طرابلس قلعة المسلمين”، والالتفاف الإسلامي المسيحي حولها، والسؤال عن إشكالية الصليب في البترون في ظلّ التوافق بين المذاهب، لفت الأيوبي إلى أنّ “الاعتراضات على لفظ الجلالة في طرابلس تمّت إثارته من قبل الكثيرين ومنهم نواب من التيار الوطني الحر كما أنّ الاعتراضات على عبارة “طرابلس قلعة المسلمين” لم تهدأ. ومراجعة التحقيقات الصحافية والتلفزيونية كفيل بتوضيح حجم الإعتراضات الحاصلة وتحديداً من الطرف العوني”.

معلقاً في هذا السياق”وإذا كان موقفهم مغايرا فلنسمعه منهم، مع العلم الى أنني أشرت إلى ضرورة تعديل وضعية ساحة النور بما ينزه لفظ الجلالة عن أي تدنيس ولست متمسكا بعبارة طرابلس قلعة المسلمين وسبق أن دعوت إلى استبدالها بعبارة “أدخلوها بسلام آمنين””.

وفيما أوضح الأيوبي أنّ لا خطوات تصعيدية في هذا السياق، وأنّ “الهدف كان التعبير عن الرأي ولفت إنتباه المسؤولين إلى ضرورة الإبتعاد عن إثارة النعرات أو ما يؤدي إلى إثارتها حفاظا على الإستقرار وثوابت العيش المشترك”، ختم كلامه بالقول:
“بكل صراحة ووضوح، لا يستفزني الصليب فأنا إبن دده الكورة المسلم الأيوبي الذي عاش قبل الحرب وبعدها داعيا للحوار والتعاون الإسلامي المسيحي منظما مؤتمر “تحديات العيش المشترك” في طرابلس رغم الحرب المخابراتية الشرسة لمنع حضور المطران الراحل فرنسيس البيسري الى الفيحاء..
وانا الذي ساهم في ثورة الإستقلال وكتب ونافح عن وحدة اللبنانيين.. وكسر الحواجز بين المناطق فإستضاف اول وزير للقوات اللبنانية (جو سركيس) في طرابلس ، وإستضاف نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني في قلب التبانة، وسنستمر في هذه المسيرة لكننا أيضا سنتصدى لمثيري الفتن بإسم الإسلام والمسيحية على حد سواء ولو كره الكارهون.. ومهما تعامى المزايدون”.

من جانبه فضّل نائب القوات اللبنانية في البترون الدكتور فادي سعد عدم التعليق على هذا الموضوع، قائلاً في حديث لـ”جنوبية”:
“أنا مع ارتفاع الصلبان في حال أراد ذلك أبناء البلدة، أما أن يتم تعليق الصليب في بلدة سنية فإني لا أدري ما هي حيثيات هذا الموضوع، وبالتالي أفضل عدم التعليق عليه لأننا كيفما تناولناه فهو دعسة ناقصة”.

وأضاف سعد “إنّ أي تعليق قد يؤخذ على أنّه استفزاز، إضافة لكون بعض المزايدات المسيحية التي نشهدها هذه الفترة ليست بمكانها الوضع الاقتصادي في البلد ليس جيداً وكذلك الوضع الاجتماعي”.

ليختم بالقول “نحن مقبلون على ملفات معقدة وليس من المناسب أن نزيد على تعقيدات المرحلة تعقيدات طائفية لا تفيد”.

إقرأ أيضاً: الطائفية اللبنانية حين تعجز عن ضمان الحريات

إذاً، صليب بشتودار هو العقدة اليوم، في بلد يفيض بالتلوث، والفساد، والمحاصصة، والهرطقة، ولأن اللبناني بطبيعته محكوم بعقدة الطائفية، استطاع “رمز” ديني أن يتحول إلى موضوع سجال أفلاطوني، لا غاية منه إلى تعميق الشرخ بين الطوائف!

مع العلم أنّ هذا الجدل يتناقض وتصريحات سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي حذر “من تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين”، مؤكداً أنّه “لن يكون هناك شرق اوسط من دون المسيحيين الشرقيين الذين نتعايش معهم في وطن واحد ونتقاسم معهم رغيف الخبز ونتنشق معهم هواء واحداً. فمصيرهم ومصيرنا واحد، معا نكون او لا نكون”.

وكان دريان قد دعا في كلمته التي ألقاها خلال تخريج طلاب مدارس المقاصد المسيحيين إلى “التجذر في اوطانهم، وإلى عدم الاستجابة تحت اي ظرف من الظروف الضاغطة، والعابرة، إلى الهجرة منها”.معتبراً أنّه “إذا كان تهجير المسيحيين على يد حفنة من المتطرفين الإرهابيين جريمة بحقنا جميعا، فإن تشجيعهم على الهجرة، وتسهيل إجراءات هذه الهجرة، يُشكّل جريمة اكبر، بحقنا جميعا ايضاً”.

من هنا، وانطلاقاً من كلام المفتي، ومن التعايش الإسلامي – المسيحي الذي نتغنى فيه لا بد من التساؤل “لماذا يسعى البعض لأن يكونوا ملوكاً أكثر من الملك نفسه؟”، فإذا كان الصليب لا يزعج مسلمي  بشتودار، ويتقاطع ومناخ الألفة في هذه القرية، فلماذا هذا التعدي إذاً على حرية الأهالي، ولماذا هذا الخطاب المذهبي الذي لا يثمر ولا يبني وطناً!

إقرأ أيضاً: ماذا يقصد باسيل بـ«إلغاء المذهبية» في بلد طائفي؟!

إلا أنّه ومع التحفظ على هذا الخطاب من كل جوانبه، لا بد من الإشارة إلى أنّ الموقف ليس برمته ضد “الصليب”، وإنّما هو بأغلبه ضد الوزير باسيل الذي لا يرى البعض أيّ انعكاسات وطنية لأي من خطواته، مما جعل  بالتالي كل “بروباغندا” تصدر عنه مشبوهة وطنياً وطائفياً!

السابق
السوريون يعبرون الى «اسرائيل» للعلاج.. و«تل أبيب» تستقبلهم لتحسين صورتها
التالي
عندما ينتقد الشيخ محمد علي الحاج مسيرة أستاذه المرجع الراحل فضل الله