جريمة الاستسلام اللبناني وفضيلة الانتفاضة

الصحافي علي الأمين
"الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا" حديث شريف ينسب الى رسول الله (ص)، وهو ربما إشارة الى أن الانسان الذي يداهمه الموت يصاب بصحوة لكنها صحوة الموت الذي يحول دون ترجمتها الى واقع. هل بتنا أمام حال من الموت الذي يجعل المجتمع اللبناني عاجزا الى هذا الحدّ حتى عن الصراخ في وجه اهانته في رزقه وفي انسانيته ومواطنيته، او هل بات الموت هو الوصف الموضوعي للمجتمع اللبناني اليوم؟

من يراقب سلوك السلطة وادواتها يلاحظ أن أطراف الحكم والحكومة على وجه العموم لا يبالون بنتائج سلوكهم المدمر على الدولة وعلى مصالح مواطنيها، فمعظم قطاعات الدولة الخدمية او غير الخدمية تعاني من سوء الإدارة ومن عدم وجود قائمين على هذه المؤسسات يحظون بثقة من الناس. الضائقة الاقتصادية وتراجع فرص العمل، وظاهرة البطالة وعدم وجود أي خطط جدية لمواجهة الأزمات في مختلف القطاعات، يقابلها إطلاق يد المافيات على المال العام والاملاك العامة من قبل المتنفذين في السلطة، ثروات هؤلاء الى ازدياد وجيوب المواطنين تفرغ، بل يتم نهب الدولة بالاستدانة، اذ لم يكتف المُتنفّذون من نهب ما في جيب المواطن، بل فرضوا عليه الاستدانة ليوفر لهم استكمال هواية السرقة التي تميّزوا باتقانها.

اقرأ أيضاً: الوقاحة من الماء الى الكهرباء.. فالقضاء؟

النفايات، الكهرباء، استيراد النفط، قطاع الاتصالات، المشاعات والاملاك العامة، هي بعض موارد مرصودة للنهب ووضع اليد، ويتم ذلك أمام أعين الناس، لكن ما يلفت في هذا السياق هو عدم اهتمام الناس بمواجهة هذا السلوك بما يستحق من غضب، ومن رفض ومحاسبة للمرتكب، بالتأكيد ثمة منتفعين يوفرون الحماية لهؤلاء، ولكن الذي لا يمكن استيعابه هو أن المتضررين في قوت يومهم وفي أحوال عيش عائلاتهم هم من يوفرون أيضا الحماية بصمتهم وقبولهم بالظلم.
الخطر الفعلي والحقيقي الذي يحيط باللبنانيين اليوم، ليس العوز ولا البطالة ولا وجود فاسدين في مفاصل الدولة والسلطة فحسب، بل الخطر الحقيقي يكمن في الموت الذي طال عصب الإحساس بالوجود الإنساني لدى اللبناني، ليس من الحياة ولا الحياء أيضا أن تقبل يد من يسلبك ولا أن تصفق لمن يهينك في كرامتك المواطنية، ولا أن تقنع نفسك بخديعة أن دولتك كانت وستظل هشة. لا لم يصل لبنان حتى في اقسى الحروب الداخلية الى ما وصل اليه اليوم من سوء في ظل السلام الموهوم. ما يحتاجه اللبناني هو انتفاضة على الذات عبر تحريرها من سلطة القمع التي جعلتها مستسلمة وخانعة، وقابلة لأن تساق كالشاة الى مذبحها.
الحياة كما الموت من الأقدار التي لا نمتلك أسبابها الكاملة، لكن الحياة وعاء كما الموت يتطلبان من الانسان أن يملؤهما بما يضيف اليهما من المعنى والقيمة والغاية، ما نحتاجه هو أن ننتبه الى ما نمتلكه من قوة الحق والموقف، في زمن هزلت فيه المواقف وضاعت ادنى الحقوق.

 

السابق
باسيل يجدّد رفضه لتقاسم المقاعد مع القوات والحريري يجدّد وساطته
التالي
بسمة بوسيل تردّ.. وهذه حقيقة خيانة تامر حسني لها!