نعمة التقيؤ

فيروسات
نحن مخلوقات نُكوم أقدارنا بأفواهنا إذا جاز التعبير، عشرة بالمئة من خلايانا فقط بشرية وتسعون بالمئة منها ميكروبات. وحده جهاز المناعة قادر على حمايتنا بعد مرحلة تدريب في مخيمات الأمعاء.

فبحسب ما توصل إليه العلم هو قادر على التمييز بين الضارات منها والحميدات. لكن ماذا لو هاجم جهاز المناعة مجرى الدم ظناً منه أن البروتينات الموجودة فيه بكتيريات؟ ماذا لو اكتشف ان الدم الموجود في الجسم هو من زمرة غير تلك التي اعتاد على مشاهدتها في المخيمات المحصنات؟. ماذا لو قام باللاوعي الذي يمتلكه بمهاجمتها فمن ينجيه من الموت الذي هو من عند الله؟

اقرأ أيضاً: «جنوبية» تنشر فضيحة أسماء من حكمتهم «العسكرية» بأشهر وسُجنوا لسنوات!!

إبقاء النظر على الأفق البعيد يساعد على التوازن والتنسيق، وإبقاء السمعات على الأذن فيه إلهاء ومحاولة للشعور بالأمان، لكن الأصح أن فيه تشتيت لأي تنبيه قد يأتينا من العقل أوالدماغ. الإمساك معناه أن تنتظر شيئاً لن يأتي حتى إن سُخر له الكثير من الطاقات والإمكانات. ومن يعيش على العادة يُصبه الإرباك و الغثيان إن حصل ما لم يكن في الحسبان. القشرة البصرية في مؤخرة الدماغ تفرز صوراً تنبأنا بما هو آت. الفأرة التي وضعت في وعاء مليئ بالماء عميق في المختبر بدأت تسبح أملاً بأن تصل الى شاطىءٍ ينقذها من الورطةِ التي هي فيها الآن، فإن تملكها الحزن تجمدت وحسبت الموت نجاة.

ما أشبه وطننا في تقلباته بالبحيرة التي تجعل العواصف من وجهها ذا حفر وأخاديد وتعرُجات. هرمون السعادة وهرمون الشبع في جسم الوطن تلخبطت وتعطلت، وبدا ان محاولات السيطرة عليها باتت من سابع المستحيلات. هي تطلق رسائل مختلفة في شتى الإتجاهات. وحينما يظن بأنها وقعت تحت السيطرة إستجابت للأنماط المشوهة التي اعتادت عليها قبل تلك المحاولات. الحركة مفيدة للتغيير، وهو بالتمام ما يحصل لنا عندما نشعر بالبرد أو الجوع أو عندما نضطر لتفريغ ما في الأمعاء، حيث نذهب لإحضار ما يدفئنا أو نتوجه إلى الثلاجة أو إلى الخلاء أو ما يعرف ولا ندري لماذا نستخدم هنا دوماً كلمة مثل الحمامات.

التطور لا يعني ان يتحول أبو أحمد الى ماكدونالد، ولا أن يبقى وطننا كالثلاجة القديمة التي تستهلك طاقة كبيرة لتُبرد قليلاً . أطلس لبنان لم ينجز بعد، لكن إن طبقته على أطلس المعدة ستجد أن فيه أنواع من البكتيريات بعضها تعشق الإنعزال والظلام وتكن سعيدة أكثر إن هي تسببت بضعف مُسكنها وكانت مصدر لرائحة كريهة تعطره اينما ذهب واينما كان.

هنا وعند هذه النقطة بالتحديد تصبح عملية التقيؤ نعمة. هنا تبدأ المواجهة العظيمة، هنا كما عند الأكل تتملكنا نبضات عصبية تغلق مجرى التنفس إستعداداً لإخراج ما لا يهضم من الفم لأن إنتظار عملية إخراجه من المخرج يحتاج إلى مسار طويل يبدأ بالمريق ولا ينتهي بالمعدة بل ينتظر روتين الدقيق منها والغليظ. أما إن حصل وإكتفيت بالسعال أو التجشؤ دون إعتراض إستمرت البكتيريا الضارة في الإستعمار والغزو وتسببت بكم كبير من التقرحات الملتهبة المتحولة إلى أمراض تتميز بخلايا عدائية لا يرجى منها شفاء تفقد الجسم الوزن والشهية يطلق عليها إصطلاحاً إسم (السرطانات).

 

السابق
باسيل مدفع عون
التالي
«حزب الله» إذا سقطت الخمينيّة