«منتدى التكامل الاقليمي» في بيروت: للإنتقال من أتون النزاعات إلى التكامل

تم بعد ظهر الخميس في الخامس من تموز إطلاق "منتدى التكامل الإقليمي" في مقر الإدارة المركزية في الجامعة اللبنانية بحضور حشد كبير من الشخصيات السياسية والاعلامية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحزبية والدبلوماسية.

حيث القيت كلمات لكل من: الزميلة إليانا بدر، وممثلة رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب، والزميل سعد محيو، والدكتور عبد الحسين شعبان.

وتم عرض فيلم عن مشروع المنتدى، وجرى حوار مع الحضور، ومن ثم اقيمت وقفة رمزية ضد الحروب في المنطقة، والدعوة للتعاون والتكامل، كما اقيمت في روما بإيطاليا وقفة رمزية تضامنا مع إطلاق المنتدى، وضد الحروب بدعوة من عدد من الجمعيات والهيئات، وقد دعا المنتدى إلى تحويل بيروت إلى منبر للحوار بين القوى الإقليمية المتصارعة، بهدف نقل إقليم المشرق من أتون النزاعات والحروب المدمرة، إلى رحاب السلام والتعاون والتكامل.

إقرأ ايضا: «منتدى التكامل الإقليمي» يبدأ عمله الرسمي

وقد اسس هذا المنتدى قوى عربية وتركية وإيرانية وكردية. وخلال المؤتمر، حُدِّد أهداف هذا المنتدى، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط لجهة شموله كل العناصر التاريخية المشكّلة للمنطقة، منها أولا، ثمة فرصة حقيقية للمشرق المتوسطي (وهي تسمية تهدف إلى شمول منطقة المغرب الكبير الذي تطل كل دوله على السواحل المتوسطية) كي ينهض من جديد ككتلة حضارية- استراتيجية واحدة، بفعل بدء انحسار الهيمنة المُطلقة للغرب على النظام العالمي، وعودة تركيا وإيران إلى كنف الحضارة المشرقية ومطالبتهما بحصة في نظام إقليمي جديد للشرق الأوسط، وحلول النزعة الإقليمية في العالم مكان مفاهيم الدولة- الأمة بفعل العولمة والثورة التكنولوجية الرابعة.

ثانياً، هذه الفرصة قد تذهب كما أتت، ما لم تستغلها شعوب ودول المنطقة، كي تعيد بناء الوحدة الجيو- ثقافية، والجيو- استراتيجية للإقليم، من خلال الحوار والتعاون ووقف مسلسل الحروب والدمار.

ثالثا، انطلق المنتدى من خطاب الرئيس ميشال عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2017، والذي دعا فيه إلى “تحويل لبنان إلى واحة يمكن للعالم أن يلتقي فيها ويحاور”، وأعلن أن المشاورات التي أجراها مع أطراف إيرانية وتركية وكردية وعربية، أكدت وجود موافقة جماعية على أن تكون بيروت عاصمة للحوار الإقليمي، كما بروكسل عاصمة للعمل الجماعي الأوروبي.

ويذكر أن الشرق الأوسط بدأ يشهد في الآونة الأخيرة حركة ملفتة تقوم فيها هيئات مجتمع مدني (خاصة في لبنان وتونس والأردن والعراق وغيرها) بالدعوة إلى حوار وتعاون إقليميين. وعلى رغم أن مثل هذه الخطوات لا تحظى حتى الآن بتجاوب من بعض الدول العربية الخليجية، إلا أن مصادر “منتدى التكامل الاقليمي”، قالت أنها “تتوقّع أن تتغيّر هذه الصورة في مراحل لاحقة، حين يتبيّن للجميع أن الحصيلة صفر ستكون هي نتيجة كل الحروب والصراعات الراهنة، والتي لن ينتج عنها سوى الدمار المشترك والشامل لكل الأطراف الإقليمية المنضوية فيها”.

وقدّرت هذه المصادر كلفة هذه الحروب والصراعات بنحو 12 تريليون دولار خلال 20 سنة فقط، إضافة إلى ملايين القتلى والجرحى والمشردين واللاجئين.

اما عضو الهيئة التأسيسية للمنتدى سعد محيو، فقد أكد خلال المؤتمر ان “أول ما يتبادر إلى الأذهان حين الحديث عن تكامل إقليمي بين الشعوب التاريخية الأربعة لإقليم المشرق المتوسطي، الأتراك والإيرانيون والأكراد والعرب، هي أن هذه مجرد أضغاث أحلام. وبما أن الحلم لا يأتي إلا إذا كنا نياما، فهذا يعني أن من يتحدث عن حلم التكامل في المنطقة لا بد أن يكون نائما. لكن الصورة على غير هذا النحو. وهذا ليس تصديقاً لما قاله أحد الفلاسفة بأن “من يحلم يكون إلهاً، ومن يفكّر يكون متسوّلا”، بل لوجود مؤشرات موضوعية حقيقية تؤكد أنه تتوافر الآن لإقليم المشرق فرصة تاريخية هائلة كي ينهض من كبوته، ويستأنف دوره الكبير، بصفته مهد معظم الحضارات البشرية وكل أديانه السماوية.

بعض مؤشرات هذه الفرصة: أولا، بدء الانحسار الواضح للغرب عن قمرة الزعامة العالمية التي انفرد بها على مدى خمسة قرون منذ معاهدة وستفاليا 1648، بفعل التمزقات الضخمة التي تحدثها الآن العولمة النيوليبرالية والثورة التكنولوجية الرابعة (وعلى رأسها الاتمتة والذكاء الاصطناعي) في نسيج مجتمعاته. وهذا التراجع يترافق مع صعود العمالقة الاسيويين الثلاثة الصين والهند واليابان للمرة الأولى معاً في التاريخ، ما بدأ يرسم بالتدريج معالم نظام عالمي جديد متعدد الحضارات. بالطبع، لن تعني هذه التطورات بأي حال غياب الغرب عن قمرة الزعامة العالمية، إلا أنه بات في حكم المؤكد أن الغرب لم يعد قادراً على أن يكون الثاني للا شيء، بل سيتعيّن عليه أن يقبل (سواء سلماً أو حربا أيضاً) نشوء نظام عالمي جديد مُتعدد الحضارات، بمشاركة الحضارات الشرقية القديمة.

العامل الثاني في هذه الفرصة، هو عودة تركيا وإيران إلى الاقليم بعد غربة فكرية – ثقافية مديدة دامت أكثر من 100 سنة، وبدء مطالبتها بالمشاركة في بناء نظام إقليمي جديد على رفاة نظام 1967 الإسرائيلي- الاميركي.

إقرأ ايضا: «منتدى التكامل الاقليمي»: هل سينجح في جمع إيران وتركيا والكرد والعرب؟

العامل الثالث، اكتساح مفهوم النزعة الاقليمية كل العالم ليحل مكان مفاهيم الدولة- الأمة، والسيادة والحدود القومية، وحتى مكان الامبرطوريات الامبريالية. وهذا عكس نفسه في الاقليم انهياراً أو ضعفاً لمفهوم الدولة – الأمة الذي استحدثه الغرب في الاقليم غداة الحرب العالمية الأولى، من سوريا والعراق واليمن إلى ليبيا والسودان، وحتى في تركيا وإيران بعد تهاوي منطق الدولة القومية الكمالية التغريبي ليس فقط فيهما بل أيضاً في كل انحاء العالم. وهنا كان صموئيل هانتيغتون محقاً، على الاقل في هذه النقطة، حين تحدث عن تهاوي الفلسفة الكمالية التغريبية في العالم النامي.

العامل الرابع، بوادر التراجع الفعلي للدور والنفوذ الاقليمي الإسرائيلي على وقع كلٍ من أزمة السلطة العالمية الغربية الذي نشأ الكيان الصهيوني في كنفها، واصطدام الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية.

السابق
وفاة الكاردينال جان-لوي توران أحد أعمدة الحوار المسيحي-الإسلامي
التالي
الأزمة المسيحية بين التيار والقوات تعطل تأليف الحكومة