مفاوضات وتهديدات!

المفاوضات جزء من حرب طويلة، وهي تتطلّب الكثير من الصبر ومعرفة دقيقة بمواطن القوة والضعف لدى الخصم من جهة، وتقدير عميق للإمكانات والمخزون الفعلي والاحتياطي لقدراتك. اي خطأ في الحسابات والتقدير يُلحق بالمفاوض خسائر قد يعجز عن تعويضها، فيضطر الى تقديم تنازلات اين منها الخسائر في معركة بالاسلحة.

النظام الايراني يفاوض حالياً بالواسطة ويأمل ان يفاوض مباشرة سراً او علانية. هذا النظام يملك الخبرة والصبر في التفاوض، وهو نجح سابقاً وتوصّل الى اتفاق معظم نتائجه لمصلحته… يكفي النظام انه أخذ ضوءاً اخضر او على الأقل اصفر للتمدد الى جواره الإقليمي، وصولاً الى الأبعد في اليمن، وهو يقدّم نفسه صانعاً للسلام ومضحّياً بالرجال والعتاد لتنفيذ هذه المهمة “الانسانية” التي لا ينتظر تعويضاً عنها سوى سعادة الشعوب التي مزقتها الحروب ودمرت الأخضر واليابس عندها. في كل مفاوضات خاضها “النظام الخامنئي” استثمر فيها ما يملكه للحصول على ما يرغب به، دون الاهتمام بالكلفة سواء التي يدفعها من مخزونه او مما يملكه المؤمنون بخطابه او العاملون معه.

اقرأ أيضاً: عن إغراق موسكو في الفوضى السورية

حالياً “النظام الخامنئي” يبدو قلقاً وحتى خائفاً من المرحلة القادمة؛ لانه على يقين ان الرئيس دونالد ترامب ليس فقط مفاوضاً صعباً نجح حتى في ترويض نظام كوريا الشمالية، وهو أكثر الأنظمة تصلّباً في العالم، ولكنه ايضاً يكرهه ويريد ان يلوي “ذراعه” ليقول للاميركيين: “باراك اوباما أعطاه وأنا أخذت منه”، لذلك يعمل هذا النظام على جمع كل اوراقه حتى يفاوض من موقع ثابت ان لم يكن قوياً.

من الصعب جداً معرفة ما حصل في “صلالة” العمانية بين الوزيرين جواد ظريف ويوسف بن علوي. لكن من المؤكد انه جرى تبادل جدي للأفكار والمعلومات سمح للرئيس حسن روحاني بإتمام جولته في سويسرا والنمسا بنجاح نسبي، خصوصاً متى جرى قياس ذلك على ميزان الدعوة الاميركية الى مقاطعة ايران. في جميع الأحوال، جرت مفاوضات خصوصاً مع الرئيس السويسري. مصدر ايراني كشف ان الرئيس السويسري حمل عرضاً اميركياً الى الرئيس روحاني مختصره “اعترف بإسرائيل ولَك كل العقود التي ترغب بها”. اهمية هذا التسريب الذي يشبه كثيراً ما قاله “النظام الأسدي” سابقاً لتأكيد مواقفه الوطنية التي سمحت له بتدمير سوريا على رؤوس شعبها، انه توجد عروض متبادلة، اي مفاوضات جدية.

جزء أساسي من المفاوضات كما تطمح ايران اليه هو إقناع اوروربا اولاً ومن ثم أميركا ثانياً بأنه يجب حفظ موقعها وحتى ما تراه “حقوقها” الإقليمية، اي في سوريا وبالتالي لبنان والعراق واليمن. الرئيس روحاني لم يُخفِ أبداً انه اجرى في جنيف وفيينا “مباحثات جيدة حول قضايا المنطقة، وحول اليمن حيث هدفنا النهائي احلال الأمن والسلام”. من الواضح ان روحاني يعرف كيف يقدم نفسه صانعاً للامن والسلام تاركاً مهمة الحرب والتصعيد لغيره من أركان النظام…

حتى الآن، لم تُنتج المفاوضات جديداً ومنتجاً، لذلك يجري التصعيد بحيث يخال العالم ان الحرب الاميركية ـ الايرانية واقعة بين ليلة وضحاها. اللافت أن التصعيد يجري على وقع اقتراب موعد قمة ترامب ـ بوتين حيث الحذر سيد المواقف. ترافق هذا التصعيد محاولة ناجحة لإظهار ايران موحدة في مواجهة واشنطن.

لأول مرة يتخطّى الخطاب التصعيدي الايراني كل “الخطوط الحمر” ومن قِبل المعتدلين وتحديداً روحاني، حتى يقدم النظام نفسه كتلة متحدة ذات موقف وطني في مواجهة “الأميركي البشع”. الرئيس روحاني هدّد:

* “ان اميركا ستدفع ثمنا باهظاً لو فرضت العزلة على الشعب الايراني”.

* “ان المواجهة ستكون في إقفال مضيق هرمز اذا لم نُصدّر نفطنا”. هذا التهديد غير ممكن وغير واقعي ويعرف روحاني اكثر من غيره ان اكثر من ربع صادرات النفط والتجارة الدولية يمر عبر باب المندب، ولذلك لا احد يقبل بإقفاله سواء واشنطن او روسيا والصين واليابان (ليس مستبعداً ان إلغاء رئيس الوزراء الياباني زيارته لطهران جزء من الرد على هذا التهديد). وقد اكتمل هذا التهديد الرئاسي بتهديد “رجل الحرب” الجنرال قاسم سليماني الذي قال بوضوح: “ان لم يتم تصدير نفط ايران فلا ضمانة لتصدير النفط من المنطقة كلها”. وأردف سليماني هذا التهديد بـ “تقبيل يد روحاني لتصريحاتكم الحكيمة والهامة”. بهذا جرت اعادة اللحمة الى “الاجنحة الممزقة” للنظام ولو مؤقتاً.

ايران بكل اجنحة النظام فيها تعرف ان الحرب مع الولايات المتحدة الاميركية مستحيلة، لانه لا يمكنها مواجهة “النسر الأميركي”، وفي الوقت نفسه فإن “الكاوبوي الأميركي” لن يخوض حرباً ضدها لانه لا يريدها، خصوصاً انه قادر عبر الحرب الاقتصادية والناعمة على فرض اكثر ما يريد وما يمكنه. لذلك المواجهة مفتوحة حتى نهاية الصيف وعلى وقع القمة البوتينية ـ الترامبية…

السابق
عن إغراق موسكو في الفوضى السورية
التالي
جريح في محلة الحمرا مقابل مقهى الكوستا