لبنان في العين الأميركية في لحظة اختبار التصعيد ضد إيران

في لحظة التصعيد الأميركي على إيران تبدو العواصم العربية الأربع التي تسيطر إيران عليها عرضة لتطورات تبدو مفصلية للبعض، لبنان في خضم المواجهة على ما تشي التطورات الاقليمية، فهل تشكيل الحكومة المؤجل بات أسير العقوبات الاميركية المعجلة ضد إيران والتفاهمات الصادمة و الصارخة في جنوب سوريا؟ وهل تحمل سكة الجنوب السوري عربة الحلول الى لبنان أم التفجير؟

الحكومة اللبنانية أمام عقد المحاصصة كما يظهر في مواقف الأطراف المعنية في الداخل، والشجاعة التي طالبت السفيرة الأميركية في بيروت أليزابيث ريتشارد باختبارها في تشكيل الحكومة في كلمتها خلال الاحتفاء في عوكر بالعيد الوطني الأميركي، تعني بالدرجة الأولى الرئيس المكلف وثانياً رئيس الجمهورية باعتبارهما المعنيان دستورياً وإن بتفاوت في الصلاحية بتأليف الحكومة. لم ترشح أي معلومات عن الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالرئيس المكلف قبل يومين، كما لم يظهر الرئيس الحريري أنّه على وشك كتابة الاسم الأخير في حكومته قبل التوجه الى قصر بعبدا، بل غادر في إجازة عائلية إلى الرياض ما يعني أنّ الحكومة المزمعة لم تزل قيد المداولات، والانتظار على الأرجح.
الانتظار والترقب ليس شأناً لبنانياً فحسب، بل هو حال العراق، الذي لم يتجاوز بعد أزمة الانتخابات النيابية ودعاوى التزوير، ولم ترتسم التحالفات السياسية، وبالتالي لم تتظهر بعد صورة رئيس الحكومة المقبل. فيما الذي يجري في الجنوب السوري، هو اتفاق أميركي سوري بحبر إسرائيلي، يجري تنفيذه بضمانة روسية تُطمئن إسرائيل، وعلى رغم الشوائب المحيطة بالتنفيذ خصوصاً ما يتصل بألية الحل تجاه سلاح المعارضة ووجودها، لاسيما الحل “على الساخن” او بالمصالحات، ونتيجة كل ذلك على عمليات النزوح التي تقلق الدولة الأردنية التي تبدو الحلقة الأضعف في الاتفاق الذي ضمنت إسرائيل فيه شروطها الى حدّ بعيد. اليمن يشهد تطورات تشير الى تطور لصالح الحلف الذي تقوده السعودية في دعم الشرعية اليمنية، من دون أوهام حصول حل عسكري ينهي سيطرة الحوثيين فيه في المدى القريب.
الانتظار والترقب يتصل بالدرجة الأولى بمآلات المواجهة الأميركية-الإيرانية، وبنتائج القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي والأميركي في هلسنكي بعد أسبوع، إذ ليس خافياً أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يلهج لسانه بغير العقوبات على إيران، والنفوذ الإيراني في المنطقة هو ملف أساسي في برنامج ترامب، فيما الاتفاق النووي الذي ألغته واشنطن من جانبها مع إيران، أبقت الباب مفتوحاً لاتفاق جديد وبشروط أكثر تضييقاً على نشاط إيران النووي والعسكري.
وزير الخارجية الأميركي الذي يقوم بمهمة تضييق الحصار على إيران، يستعد مع فريق الإدارة إلى وضع نقاط البحث الساخنة خلال لقاء ترامب وبوتين، الوليمة الأساسية بعد سوريا ستكون إيران على مائدة الرئيسين، وفيما لا تتوقع مصادر دبلوماسية متابعة في بيروت بياناً استثنائياً بين ترامب وبوتين فيما يتصل بإيران، إلاّ أنّ بوتين سيقدم ما يعتبره إنجازاً في الجنوب السوري كمثال على الدور الروسي في سوريا، أي كيف تستطيع موسكو أن تكون ضامنة لاتفاق في هذه المنطقة يرضي الأميركيين والإسرائيليين، وبالتالي يمكن تعميم هذا النموذج في بقية المناطق السورية. ما لم تتضح صورته بعد في ثنايا الموقف الأميركي من النفوذ الإيراني في سوريا، وضمناً في لبنان، هو حدود هذا النفوذ، ومدى التفاهم مع روسيا على مساحة هذا النفوذ ودوره، وبالتالي استعداد واشنطن لإيكال هذه المهمة لروسيا، بناء على تجربة الجنوب السوري إذا ما وصلت الى خواتيمها المرسومة في الأيام المقبلة.

من هنا الربط بين كل التطورات الإقليمية والاستراتيجية في العواصم العربية التي طالما أكدت إيران السيطرة عليها، يصبح مشروعاً طالما أنّ الحركة الأميركية لم تزل تتجه نحو حصار إيران، لذا يصبح تشكيل الحكومة اللبنانية مرتبط بهذا المخاض الذي بات يثقل على الداخل الإيراني فضلاً عن الأذرع الإيرانية في المنطقة، واتصال بومبيو بالحريري هو إشارة عشية القمة الروسية الأميركية، أنّ لبنان سيكون على طاولة البحث من زاوية النفوذ الإيراني. الثابت أنّ عدة واشنطن ستتصدرها في المرحلة المقبلة في بيروت، سياسة العقوبات والمحافظة على الاستقرار، ولكن إزاء الموازنة بين تصعيد العقوبات والمحافظة على الاستقرار، تبقى الخيارات غامضة حيال ما يمكن أن يشهده لبنان سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، ذلك أنّ إيران لن تتهاون في أي محاولة للمس بدور ونفوذ حزب الله.

إقرأ أيضاً: تشكيل الحكومة مؤجّل وعقدة التمثيل المسيحي تعود الى الواجهة

المشهد اللبناني قبل تشكيل الحكومة وبعده سيكون أمام استحقاقات لم يعد من الممكن تأجيلها، سيفرض مستقبل سلاح حزب الله نفسه من خلال ضرورة إيجاد حل لبناني له، يتزامن مع ترتيب قانوني وعسكري للحدود السورية مع لبنان بضمانة روسية على الأرجح.
ترتيب أوضاع الجنوب السوري انطلاقاً من التفاهمات الصارخة والصادمة التي تديره، تشي بأن قادم الأيام سيكون اختباراً لهذا الاتفاق وتنفيذه، وهو اختبار بالضرورة يقوم على مدى تلبية هذه التفاهمات لمفهوم تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، إذ تعتقد مصادر دبلوماسية في بيروت أنّ مرحلة جديدة ستنطلق أميركياً في طريقة مقاربة الملف اللبناني، تقوم بالدرجة الأولى على إعادة الاعتبار للجيوش وعلى رأسها الجيش اللبناني، الذي سيكون مطالباً في المرحلة المقبلة بفرض نفوذه وبحماية الاتفاقات الحدودية لا سيما مع سوريا، وبدء جدي لعملية السيطرة على المعابر الحدودية مع سوريا.

إقرأ أيضاً: قمة بوتين – ترامب في 15 تموز: تلزيم سوريا لروسيا؟!

هذه التطورات والمخاض الذي يعتريها، هو ما يؤخر تشكيل الحكومة، ذلك أنّ مختلف القوى السياسية اللبنانية سواء كان حزب الله أو بقية الأطراف المؤثرة، تريد أن تبني خياراتها الداخلية من خلال التثبت إن كان التفاهم الإقليمي والدولي الذي أسس لبنيان الحكومة السابقة لم يزل صامداً أم لا؟ القمة الروسية الأميركية بعد أسبوع ستعطي مؤشرات أكثر وضوحاً، لكن الثابت هو أن التشدد الأميركي سيبقى هو المسيطر والمتنامي في المرحلة المقبلة تجاه لبنان بخلاف ما كان عليه الحال في عهد الرئيس باراك أوباما الذي يسميه بعض الدبلوماسيين بسنوات العسل بين واشنطن وطهران التي انتهت.

السابق
الخارجية الروسية: يجب رفع العقوبات عن دمشق كي تتمكن من إعادة إعمار البلاد
التالي
تلوّث الشواطىء في لبنان… بين الحقيقة والإشاعة