تأخَّرَ وليد جنبلاط في المواجهة

لا أحد يستطيع أن يُنكر دور طائفة الموحدين الدروز في تأسيس الكيان اللبناني ، فالتاريخ يشهد والأمير فخر الدين المعني الكبير شاهراً سيفه من فوق حصانه على مدخل وزارة الدفاع اللبناني خير مثال لتمثال يختصر في مضامينه الكثير.

الكلّ يعلم كيف آلت الإمارة المعنية الدرزية ، نواة الدولة اللبنانية ، الى بشير الشهابي الذي تنصرن بعد وصوله الى الحكم وعمل على إضعاف الدروز ، ودور الإنتداب الفرنسي لاحقاً في تحجيم تأثير الدروز في سياسة لبنان والإجحاف بمصالحهم وحرمانهم من حقوقهم التاريخية لصالح الموارنة.
إستطاع الدروز رغم صعوبات السياسة الشرق الأوسطية وتشابكات المصالح الدولية ورغم قلة عددهم وتوزعهم بين ٤ دول في المشرق العربي هي لبنان ، سوريا ، فلسطين والأردن أن يحافظوا على نزعتهم العروبية والقومية العالية التي كانت تشكل البوصلة في جميع مواقفهم ومقاوماتهم للإحتلالات المتتالية التي مرت على لبنان ومحيطه من العثمانيين الى الفرنسيين الى الإحتلال الإسرائيلي حديثاً. شكل الأمير سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى والدور الريادي الذي لعبه في تحرير سوريا من الإحتلال الفرنسي بطلاً تاريخياً عروبياً ومفخرة للموحدين الدروز لا سيما بعد إحجامه عن تبوؤ أي مركز رسمي بعد الإستقلال وعودته الى أرضه ليحرثها ويزرعها الى الرمق الأخير. لاقاه لاحقاً كمال جنبلاط القائد العروبي وشهيد القضية الفلسطينية في تعزيز خيارات الدروز العروبية ونصرتهم لقضايا أمتهم بصدق.

إقرأ أيضاً: تغريدة جنبلاط عكرت صفوَ العيد والعقدة الدرزية تؤجّل تشكيل الحكومة

إنتهت الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٩٠ عبر إتفاق الطائف ، وعقد الدروز والموارنة لاحقاً صلحاً تاريخياً برعاية البطريرك مار نصر الله بطرس صفير ووليد جنبلاط يطوي صفحة الحرب الأليمة ويُعيد الوحدة للجبل بكافة أطيافه. إلا أن العهد الحالي المتمثل بالتيار العوني ومن قبل وصوله للحكم عبر الرئيس ميشال عون ظل يُضمر للدروز الخصومة الحادة ولا يعترف ضمناً بالمصالحة التاريخية المباركة من قبل المرجعية الدينية العليا للمسيحيين في بكركي والمرجعية السياسية للدروز في المختارة ، وقد عمل ورغم إنتخاب النواب الدروز للعماد ميشال عون رئيساً على محاولة حصار المرجعية الجنبلاطية في الإنتخابات النيابية الأخيرة. إستطاع وليد جنبلاط وحزبه السياسي أن يخرج منتصراً من الإنتخابات النيابية الأخيرة في أيار الماضي حاصداً سبع مقاعد نيابية بالإضافة الى مقعد تُرك شاغراً للأمير طلال أرسلان.
تبرز عقدة التمثيل الدرزي في تشكيل الحكومة المرتقبة حالياً بشدة ، نظراً لمطالبة وليد جنبلاط ، وعلى عكس ما كان يقدمه سابقاً من تنازلات ، بثلاث وزراء يسميهم هو وبالتالي بحصرية التمثيل الدرزي الحكومي به وحده. يحاول التيار العوني فرض النائب طلال أرسلان حليفهم الإنتخابي وزيراً عبر بهلوانيات حسابية غير منطقية ولا تعتمد مقياساً موحّداً يُعتمد عادةً في تشكيل الحكومات ، فقد أعار ٣ نواب مسيحيين من كتلته النيابية للنائب أرسلان للإيحاء أن الأخير له كتلة نيابية من أربع نواب وبالتالي يحق لها تسمية وزير في الحكومة. الرد الواضح على هذا الطرح هو أن النظام اللبناني هو طائفي والمحاصصة طائفية والمعيار المعتمد والمتفق عليه هو ضرورة عكس نتائج الإنتخابات النيابية في الحكومة بطريقة نسبية صحيحة وعادلة.

إقرأ أيضاً: التهجم على وليد جنبلاط لا يحلّ أي مشكلة

تأخر وليد جنبلاط في المواجهة مع التيار العوني ، وقد كان يُقدّم سابقاً التنازلات حفاظاً على مصالحة الجبل ويتجنب الإحتكاك المباشر مع التيار العوني منعاً للصدامات والمشاكل الغير مفيدة طالما أن التيار كان وقتها خارج جنة رئاسة الحكم في بعبدا ، أما الآن فالوضع تغيّر والتيار ترأس حكم البلاد وأداء الحكم يسعى الى تحجيمه وعليه المواجهة وبشراسة. لا خيار بقي أمام وليد جنبلاط إلا المواجهة وعدم التفريط بأي حق من حقوق جماعته كما كان يفعل سابقاً.
تغريدة وحيدة من كلمتين بأن الحكم فاشل كان الهجوم الأبرز له مؤخراً والذي لاقى ردود عنيفة من قبل التيار البرتقالي. ما كادت عاصفة التغريدة الأولى تهدأ حتى أتبعها بتغريدة ترفع منسوب التحدي الى النسبة القصوى مشيراً إلا أنه لن يتنازل عن تسمية الوزراء الثلاث أبداً وليشكلوا الحكومة دون حزبه إن كانوا شجعاناً.

تأخر الرجل ربما في المواجهة ، لكنه بالطبع لم يفقد زمام المبادرة.

السابق
الشروط التي فرضتها روسيا على الثوار
التالي
نصرالله يُلغي وزارة شؤون النازحين!