الليطاني «مجرى الموت» (4): المياه المسرطنة تفتك بأهالي جب جنين وكامد اللوز

نهر الليطاني
مجرى الموت العابر في الليطاني، يأخذ ضحاياه من البشر في ظلّ صمت مروع من الجهات المعنية الباحثة عن المحاصصة!

لا يعني أيّ من المسؤولين اللبنانيين هذا الواقع المؤسف الذي وصلت إليه البيئة المجاورة لليطاني والتي تحوّلت بكل ما للكلمة من معنى إلى بؤرة للموت الأسود، فها هم الأهالي هناك “عراة” صحياً، متروكون لمصير مسرطن يسرق حياتهم وأمنهم الصحي وذلك جراء الأورام الخبيثة التي تتشكل في أجسادهم جراء البيئة السامة المحيطة!
وفيما كانت العدسات الإعلامية مصوّبة مؤخراً نحو بلدة بر الياس البقاعية، جراء ارتفاع عدد الإصابات بمرض السرطان بين أهاليها، ها هما بلدتا جب جنين وكامد اللوز، ترفعان صوتهما وتقولان “كفى بالموت يفتك بنا”!

اقرأ أيضاً: الليطاني «مجرى الموت» (1): الأهالي يغتالهم السرطان بصمت!

بألم وخوف من المستقبل الأسود القريب، كتب السيد أيمن قدورة على صفحته الخاصة فيسبوك:
“فخامة رئيس الجمهورية، دولة الرئيس بري، دولة الرئيس الحريري.. نحن أبناء البقاع الغربي نناشدكم ونستغيث بكم ونطالبكم ان تعلنوا البقاع الغربي منطقة موبوءة نحن كل يوم ندفن حبيباً وعزيزاً من التلوث في الليطاني ومن المكبات العشوائية والمزابل التي تحترق نحن نتوسل إليكم ان تعلنوا حالة الطوارىء والا سننتفض وسنثور عليكم وسندعوا للعصيان”.

ما كتبه قدورة لا يدخل ضمن باب الاستعراض أو الاحتجاج، فكلماته ما هي إلاّ صرخة ابن ما زال يتقبل التعازي بوالده الذي توفى جراء السرطان “العدائي” الناتج عن موبوءات الليطاني.
والد قدورة الحاج ابراهيم ليس هو الوحيد ضحية سرطان الليطاني، فجاره صلاح الحاج عبدالله الذي توفي أمس أيضاً هو ضحية للسبب نفسه أيضاً، إلى ذلك يلفت قدورة لـ”جنوبية”، إلى أنّ والده وجاره هما إلاّ جزء من مجموعة ضحايا، إذ سجّل – بحسب ابن البقاع – 10 إصابات بمرض السرطان في بلدتي جب جنين وكامد اللوز خلال هذا العام، كذلك هناك حالياً إصابتان لا يتوقع صمودهما أكثر من أسبوعين بسبب تدهور الحالة، يضاف إلى ذلك إصابة شخصين جديدين بالسرطان في كامد اللوز!

وفيما يعيد قدورة سبب هذه الأزمة إلى التلوث الناجم عن حوض الليطاني وبحيرة القرعون والمكبات العشوائية والمزابل التي يتم حرقها عشوائي، يناشد بالتالي إثارة هذا الموضوع بشكل جدّي وفعال لأنّ الواقع لم يعد يحتمل!

رئيس الهيئة الوطنية الصحية النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية أشار من جهته في حديث لـ”جنوبية” إلى أنّ هذا الواقع المخيف لحوض الليطاني بات ثابتاً ومؤكداً، ليوضح أنّ جزءا من الدراسة التي أعدوها والتي قد تركزت على محيط القرعون كشفت أنّ الكم الهائل من التلوث بشتى أشكاله الكميائية والمواد المرسطنة والمواد المعدنية، رفع نسبة الإصابة بالسرطانات في حوض الليطاني.
وأضاف سكرية “مع اختلاف نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية بين قرية وأخرى في محيط حوض الليطاني، إلا أنّ هذه النسبة هي أضعاف النسبة الوطنية في لبنان”.

هذا وأكّد الدكتور المتخصص في امراض الجهاز الهضمي والمتابع منذ سنوات عديدة لملف الليطاني، المعلومات التي وصلت لموقعنا عن “السرطان العدائي – الهجومي” وارتفاع الإصابة فيه بشكل ملحوظ في القرى المجاورة لليطاني، لافتاً إلى أنّ معظم السرطانات التي تصيب الأهالي في القرى المجاورة للنهر هي من النوع الهجومي، أي سريع الانتشار والمنيع إلى حد ما بما معنى أنّه لا يستجيب للعلاج بسهولة، فيما تتكاثر خلاياه ذاتيا سريعاً وتتنشر سريعاً، وبالتالي يصبح هناك مثل السباق بينها وبين العلاج والقدرة على لجمها.

الدكتور سكرية وعند سؤاله عن الحل لهذه الأزمة الكارثية؟ والإجراءات التي يمكن اعتمادهما لحماية الأهالي في هذه البيئة، أعادنا إلى العبارة التي قالها في أيلول العام 2016 خلال ورشة عمل لجامعة الدول العربية في البقاع حول تلوث الليطاني والسرطانات بحضور وزير البيئة السابق محمد المشنوق، وتقول العبارة التي ذكرنا فيها سكرية في معرض الإجابة عن هذا السؤال:
“مشكلة الليطاني عمرها 6 عقود من الزمن أي منذ أيام معمل الشمندر، منذ 6 عقود الوزارات المعنية لا تطبق القانون، مجالس النواب المتعاقبة لا تحاسب السلطات التنفيذية، الناخب ينتخب ولا يحاسب ولا يسائل من ينتخب”، مردفاً “الحل اليوم بات صعباً، ولكن عملية مقاربته ليست صعبة”.

اقرأ أيضاً: الليطاني «مجرى الموت» (2): دول عربية تمتنع عن استيراد المزروعات اللبنانية

وفيما توقف سكرية عند قيمة القرض الذي أقره البنك الدولي (750 مليون دولار)، وعند الهدر حيث تمّ صرف ما يقارب الـ100 مليون دولار “بلا طعمه” على حد تعبيره، أوضح بالتالي أنّ “هناك صمت وريبة حول ما يصرف من أموال من البنك الدولي، المطلوب اليوم وضع خطة وطنية كبرى لمعالجة قضية تلوث الليطاني وهذه الخطة لا مهرب منها وإن كانت تحتاج لسنوات، ولا بد أيضاً أن تكون مراقبة وجدية”.

وفي الختام اكتفى النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية بالتعليق على هذا الواقع وكيفية التعاطي معه بالقول “عيب وألف عيب ما يحدث في هذا البلد”.

السابق
الطبش لـ «جنوبية»: الحريري عازم على التشكيل وفق صلاحياته الدستورية بعيداً عن أي أعراف جديدة
التالي
سجالات المحاصصة الحكومية: الاشتراكي يصر على الحق الدرزي والقوات تلتزم بالهدنة