احتجاجات البازار في إيران ولعنة إلغاء الاتفاق النووي

لليوم الثاني على التوالي اضرم محتجون النار واغلقوا بعض الشوارع في طهران مع إضراب جزئي في "بازار طهران". وكان المدعي العام في طهران قد اعتبر ان الأميركيين يخططون لزعزعة الأمن. فهل التحركات تتم بدافع اقتصادي ام سياسي؟

ما ان اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب الشهر الفائت الغاء الاتفاق النووي مع ايران، حتى بدأت العملة الايرانية تنخفض واسعار السلع ترتفع، مما أوقع المواطن الايراني في ضائقة مالية لم تكن بحسبانه. وما استجد هو ما حدث يوم أمس من اضراب قي سوق البازار في طهران مترافقا مع مسيرة احتجاجية تندد بالسياسة الاقتصادية للدولة وبارتفاع الاسعار.

المحلل السياسي الايراني مجيد مرادي، قال لـ”جنوبية” ان “البازار البارحة توقف عن العمل في طهران وبعض المدن، والسبب هو ارتفاع سعر الدولار والعملة الصعبة، بسبب ارتدادات تغيير اسعار العملة على التبادل التجاري. فالحكومة تدفع نسبة مهمة على البضائع الاساسية، وعلى البضائع الأخرى كالأجهزة الخليوية، فكانت الحكومة تدفع مثلا 220 يورو على “الموبايل” بينما يتم استيراد بقيمة 57 مليون يورو. وحدثت مشاكل لدى بعض التجار الذين اشتروا بالعملة الصعبة الأجهزة الخليوية، الذين استغلوا الوضع ليحتكروا البيع والبعض باع مما أحدث خللا بالسوق. ودفع الى الاضراب حيث كل يوم ثمة سعر جديد، فتقلبات الاسعار جعلهم يتوقفون عن العمل. وبهذا الاضراب انتقل جمع من تجار الاجهزة الخليوية الى بازار طهران”.

اقرأ أيضاً: ترامب يلغي الاتفاق النووي واقتصاد إيران يترنح

ويتابع مرادي “بازار طهران هو قلب ورمز الإقتصاد، ويعتبر ميزان الحرارة، تم الإضراب بحجة تقلبّات أسعار الدولار. ولم يكن الاحتجاج سياسيا ولا إجتماعيا، ولكن الشيخ حسن روحاني وزع برنامج تدابير للسيطرة على الاوضاع الاقتصادية، وبسبب هذه التدابير الاقتصادية التي سيتم تنفيذها، انخفض سعر الدولار مساء أمس الى 8000-8200 تومان”.

و”الان يبدو ان اسعار العملة الصعبة تحت السيطرة بحدود، حيث نزلت الاسعار بنسبة 8%. والارتفاع هو بسبب الخوف من العقوبات المنتظرة التي سيتم تنفيذها بعد3 أشهر، اي التعرّض لأقصى العقوبات التي توّعد بها دونالد ترامب إيران”.

ويضيف مرادي، بالقول “لكن ليس هناك خوفا حقيقيا لأن الدخل القومي يفوق الـ100 مليار دولار، وميزانية الحكومة الإيرانية 75 مليار دولار، أي بفارق 30 مليار دولار”.

ويرى مرادي انه “لا شيء يُثير الخوف، فالمواطن سيحوّل ثروته الى الدولار تجنبّا لهبوط الريال الإيراني. مثلا في لبنان هناك إرادة دولية لحفظ البلد رغم فقره. لكن في إيران، رغم انه بلد نفطي لكن الارادة الاميركية هي بضرب النظام، وهذا ما يثير الخوف اقتصاديا”.

ويتابع “اتصوّر ان هذا الخوف هو أكثر من اللازم. هناك خوف شعبيّ، لكن ثمة اطمئنان من قبل الحكومة، ولا أرى أسبابا حقيقية لهذا الخوف، ولكن الكثيرون يشعرون أن الحرب قادمة. وأنا أقول ان إيران ليست كوريا الشمالية ولا فنزويلا”.

ويختم المحلل السياسي الايراني، مجيد مرادي بالقول “ان إيران دولة مكتفية بذاتها، وكل شيء متوفر فيها. وهي دولة كبيرة لديها اقتصادها القوي وصناعاتها، بدء من الباليستي الى تخصيب اليورانيوم، حتى القمح في إيران يكفي السوق المحلي، لذا لن تسقط إيران امام الضغوطات الاقتصادية”.

من جهة ثانية، يقول الإعلامي والخبير في الشؤون الإيرانية حسن فحص “منطقيا، ان إيران كانت على عهد باراك أوباما تعيش أقسى العقوبات، لكن وصل انتاج النفط فيها الى 800 ألف برميل يوميا، ومع هذا لم تستطع ايران استعادة أموالها المحتجزة”.

وردا على سؤال حول مصدر الأزمة أهو خارجي أم داخلي؟ قال حسن فحص “أنها أزمة داخلية وسببها الصراع السياسي، فالإصلاحيون دورهم هامشي، لذا يحاولون لعب دور ما. والمعركة ضد الشيخ حسن روحاني نفسه، من داخل التيار المحافظ، اذ ثمة جهة ضد الإتفاق النووي من الأساس. ورغم ان المعارضين للإتفاق النووي أقلية، أي بما يساوي 30%، ومعهم مجموعة ممن  يعرفون بالشراكة الإقتصادية للحرس الثوري، وهي جهة متحكمة بالإقتصاد. ولكن ليست كلها ضد الإتفاق النووي أو ضد الحكومة، وهذه المجموعة تعتبر انه اذا سار الإتفاق، وتمكنت الحكومة من استيعاب الضغوطات، ستقوم بسحب يدها (اي المجموعة) من القوة الإقتصادية، وستضعف داخل الحكم”.

وشدد فحص على ان “المعلومات تقول ان هذه هي الأجواء التي تسببت بالاحتجاجات، اضافة الى ان انهيار العملة في بداية الشهر الماضي من 3900 الى 6500 تومان مقابل الدولار الواحد خلال يومين كانت لعبة التيار المحافظ، فحكومة روحاني تتهم الجهاز الإقتصادي للحرس برفع سعر الدولار. لأن أحد تبريرات الحرس هي ان هذه الاجواء المضطربة هي اختبار للسوق وللمجتمع الإيراني، حول شكل الإقتصاد في حال فُرضت العقوبات. لذا يدرسون قدرة التحمّل لدى الشعب، مع العلم ان الصراع هو داخلي بالدرجة الاولى، فالمظاهرات التي كانت قد اندلعت في “مشهد” نهاية العام الفائت، وانتقلت الى 90 مدينة كان المستهدف فيها الرئيس حسن روحاني”.

وردا على سؤال أجاب فحص ” نعم ثمة خوف على إيران، لكن ليس لهذه الدرجة. وما الكلام الاخير لوزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي جاء فيه (لا تفكروا انه اذا إنهار البلد ان المعارضين سيستلمون المنطقة)، الاّ من باب التهديد”.

اقرأ أيضاً: احتجاجات إيران: التجربة الإسلامية الشيعية في خطر

وختم، حسن فحص، الإعلامي اللبناني والخبير بالأجواء الإيرانية “بالنسبة لسوق البازار حيث جرت الاحتجاجات، فإنه لم يعد له ذلك الدور كما كان في السابق لجهة تحديد المسارات. وفي جميع الأحوال فان القرار السياسي الإيراني لم يعد هو المؤثر الوحيد في البلد بل للاقتصاد كلمته ايضا، لأنه مطلوب من التاجر ان يبيع بضاعته على اساس 4200 للتومان مقابل الدولار، غير ان السعر في السوق مختلف عن السعر الرسمي، لذلك تحرك التجار واحتجوا، اضافة الى تهريب ما بين 18 الى 27 مليار دولار من ايران مما سحب كل المعروض. وهنا يدخل العامل الخارجي في عملية إخراج العملة الأجنبية والسؤال هو لمصلحة من؟ لذا تدخلت الحكومة الايرانية، وأقرت سلسلة قرارات لتثبيت سعر الدولار ولتنهي الاحتجاجات”.

لكن الاحتجاجات لا تزال مستمرة.. فهل العامل السياسي هو السبب الحقيقي؟

السابق
المولى عرضت مع تابت تعزيز التعاون بين الجامعة الاسلامية ونقابة المهندسين
التالي
صفقة روسية_أميركية تطلق صفارة الهجوم على درعا