إصلاحات ضد فقراء لبنان

مهند الحاج علي

بات الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية، من لوازم الخطاب السياسي اللبناني يتصدره رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. ذاك أن المؤشرات الإقتصادية غير مطمئنة وخطرة باعتراف المسؤولين اللبنانيين أنفسهم، وبات من الضروري اجراء تعديلات جذرية على السياسة الاقتصادية. القطاع العقاري يتهاوى (سايفكو وأخواتها مثالاً)، وكذلك التجاري. رئيس ​جمعية تجار بيروت​ ​نقولا شماس،​ (والجمعيات واللجان والأسواق والنقابات التجارية في ​لبنان)،​ تحدث أيضاً عن تراجع في النشاط التجاري بنسبة 20 في المئة. وتوقع كذلك اقفال ما بين خُمس وربع المؤسسات التجارية خلال السنتين المقبلتين لو استمر الوضع الاقتصادي على حاله، أي نسبة نمو تتأرجح بين 1 و2 في المئة.

المؤسسات المالية الدولية أيضاً تُحذر وبالنفس ذاته. صندوق النقد الدولي كان صارماً في تحذيره قبل أيام، إذ دعا الى تعديل مالي فوري وجذري للحؤول دون خروج الدين العام عن السيطرة، إذ تجاوز عتبة الـ150 في المئة من الناتج المحلي (حجم الإقتصاد). صحيح أن الكلام عن الحاجة إلى تحرك سريع لإنقاذ الاقتصاد، ليس جديداً، لكن هناك لهجة مختلفة في تناول الموضوع، وإجماعاً عابراً للسياسة والاقتصاد حول هذا الأمر. لذا فإن الموضوع جدي هذه المرة، وهناك إقتناع بضرورة اتخاذ اجراءات مؤلمة. لكن السؤال يكمن في هوية المستهدفين بهذه الإجراءات (من سيُسدد ثمنها). هل ستُغلق الحكومة المقبلة أبواب الرزق للأحزاب السياسية وفاسديها في الوزارات الأساسية؟ هل ستُطلق العنان للرقابة على المشاريع والمناقصات، وتُوقف هدر المال العام وتسحب الحرس الخاص وسائقي المسؤولين الكبار؟ نعلم جميعاً الإجابة عن هذه الأسئلة. بيد أن هذه ممارسات تحميها ميليشيات وقوى نافذة.

اقرأ أيضاً: محركات المستقبل السعودي

لذا علينا النظر بإتجاه الحلقة الأضعف في الاقتصاد اللبناني: الطبقتان العاملة والوسطى. “صندوق النقد الدولي” مهّد الطريق لهذه الإجراءات. كعادته، اقترح رُزمة إجراءات مثل رفع تسعيرة الكهرباء وتقليص رواتب القطاع العام ورفع ضريبة القيمة المضافة، أي النيل من مكتسبات الطبقات المسحوقة في البلاد. تشمل إجراءات التقشف عادة اقتطاعاً للانفاق الحكومي في الاستشفاء والشؤون الاجتماعية وغيرها من القطاعات الأساسية.

وهذه سياسات تحظى بتأييد من أصحاب الرساميل في لبنان. شماس، رئيس جمعية تجار بيروت، المعروف بتصريح أيام الحراك المدني أبدى فيه خشيته من تحويل وسط بيروت الى سوق “أبو رخوصة”، ليس بعيداً في نظرته الاقتصادية عن صندوق النقد. بعدما ترأس اجتماعاً طارئاً وموسعاً للتجار حول “خطورة الأوضاع”، وصف شماس الاقتصاد بأنه على حافة الإنهيار “حيث لا تزال المعضلات الهيكلية المشنجة، قائمة”. وعند تفسيره المعضلات الهيكلية، وضع على رأس القائمة: “إقرار سلسلة الرتب والرواتب”. موظفو الدولة، وهم كتلة ضخمة تفوق حاجة البلاد، هم الهدف الأول لأي إجراءات تقشفية. هكذا حدث في اليونان وغيرها.

ولكن ليس من السهل طرق أبواب كل الموظفين الحكوميين، إذ منهم حزبيون “من عظام الرقبة”، لذا يتوقع أن يدرس المسؤولون اللبنانيون هذا الملف للتوصل إلى حلول بأقل الأضرار. ومن معرفتنا السابقة بتجارب الرئيس الحريري في السلطة، فإنه سيتحمل الخسائر السياسية الكبرى لأي خطوات “إصلاحية”، حتى لو توافق عليها الآخرون سراً.

في المقابل، ستخوض قوى 8 آذار باستثناء التيار الوطني الحر، معركة مكافحة الفساد ضد الرموز الحريرية، دون غيرها. المعارك ستكون إعلامية، وتحوي فضائح كثيرة، على أمل أن يُقابلها الحريري وفريقه بهجوم مضاد يكشف تجاوزات الطرف الآخر ويفتح ملفات مخفية.

حينها، ورغم الألم الاقتصادي، سيتمكن المواطن المستهدف بـ”الإصلاحات” المرتقبة، من الإطلاع على تفاصيل الهدر الحكومي المتواصل بلا كلل ولا ملل خلال السنوات الماضية.

السابق
محركات المستقبل السعودي
التالي
ما الذي يجمع بين نديم الجميل وجويل حاتم؟