مخاطبة الفقراء والأحرار والثوار ضد رؤوس الأموال والفساد هدف …جورج حاوي

كنّا في السابق أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي ما زالت، وإن تلاشت بلغة الرصاص بين مدينة مقسمة، إلى واحدة شرقية، تتسم بأغلبية سكانها من المسيحيين، وأخرى غربية يقطنها أغلبية من المسلمين، طغت عليهم أشكال مختلفة من أصحاب الثورات الذين اتخذوا من عاصمة المقاومة طريقاً نحو الحرية والمساواة، وشق درب البروليتاريا الطويلة في أبعادها ولم يكن منالها سهلاً بل احتاج إلى دماء وعرق وجهد كان من بنات أفكار الشهيد جورج حاوي.
في تلك الفترة الغابرة من الزمن إتخذ الحزب الشيوعي اللبناني مساراً ضد الطريق المعبد بالألغام “المذهبية والطائفية” الخطيرة وإن لم تكن بارزةً كأيامنا اليوم. كان الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني أنذاك الرفيق نقولا الشاوي “ابو زهير”، ومن المعروف بأنّ الإجتماعات المكثفة للحركة الوطنية اللبنانية والمتحالفين معها في المقاومة الفلسطينية، كانت دائماً على إستعداد للقاءات مفتوحة لا تحتمل التأجيل.
وكان جورج حاوي مازال شاباً ناشطاً ممتلئ الحركة دون تعب ،ت يتنقل بين مراكز الحزب في بيروت ومعظم المناطق اللبنانية التي تقع تحت نفوذ ووجود القوات المشتركة او التحالف اللبناني الفلسطيني “السوري”، الذي يُشكلُ الرافعة التي تستطيع الصمود والوقوف في وجه أعداء الداخل ” الإنعزاليون” أي القوي التي تخضع لحكم وسيطرة وهيمنة  “الجبهة اللبنانية” في المناطق المسيحية، حتى أصبح الرفيق جورج حاوي الأكثر تمرساً في نسج العلاقات من مبدا ومنطلق وطني وحزبي وعلى الصعيد الإقليمي، والدولي، لاحقاً، مع ياسر عرفات، وجورج حبش، وكمال جنبلاط، وموسى الصدر، ومعروف سعد، ومع القادة العرب، كحافظ الأسد ومعمر القدافي وعلي ناصر محمد واحمد بن بيلا، وصولاً الى جورج مارشيه وفيديل كاسترو وارنسنو تشي غيفارا.
كان جورج حاوي في أكثر الأوقات يقضي أيامه في مراكز الحزب متابعاً ميدانياً لخطط الحزب في المراحل المتتالية، إلى أن تبدلت الظروف مع الإصطفافات التي طرأت على الساحة اللبنانية ،خصوصاً بعد العام 1982 عندما اجتاحت القوات الصهيونية لبنان ووصلت إلى بيروت أو إلى مشارفها. في تلك المرحلة قال جورج حاوي في إحدى نداءاتهِ “قاوموا” بكل ما تملكون من حرية، حتى أعلن ولادة “جمول” جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية مع محسن ابراهيم وشرفاء من الصف الأول الذين سددوا أولى الطلقات على كل من يتخطى حدود الوطن الحر والشعب السعيد.
لم تمضِ سنوات على التراجع الكبير للإتحاد السوفييتي بعدما تفكك واصبحت روسيا هي البديل عن ديمومة الأشتراكية “الوهمية” وكأنّ “الماركسية اللينينية” قد فشلت بعد سبعة عقود من الحكم والسلطة، حتى بدأت الأحزاب الشيوعية في العالم تتأثر بهذا الواقع في بداية التسعينات وكان الحزب الشيوعي اللبناني من طلائع الحركات الديموقراطية في ما يُسميّ حركة التحرر العربي لكنهُ وقع كبقية الأحزاب الشيوعية واليسارية في مرحلة إنتقال “ثقيلة” في أعبائها مما دفع الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي الخروج إلى من الحزب بعد تقديم إستقالتهِ، ليس هروباً أو فراراً من الأزمة بل لأنّهُ لم يستطع أن يغفر للأخرين المزايدة على مسؤولياتهِ بعد التهاوي للإتحاد السوفييتي في العام 1992.
أعمال ودور جورج حاوي النظيف الكف لك يكن يشوبها أي شك، وقد بقي بعد استقالته يُمارس العمل السياسي العام من دون أي موقع رسمي لَهُ، حتى تاريخ اغتياله في الواحد والعشرين من شهر حزيران 2005.
جورج حاوي
عرف حاوي بإنتقاداتهِ اللاذعة للنظام المخابراتي السوري اللبناني المشترك بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، مما دفع الخونة وتُجار “المواقف” ، كما كان يُطلق عليهم في تسميتهم أثناء الأزمات والمواقف المصيرية وتحمل المسؤوليات الجسام إتجاه الوطن، إلى استهدافه.
كانت العبوة تحت مقعدهِ الأمامي في السيارة التي كان يتقاسم قيادتها مع الرفيق “ثابت بزي”، وهو آخر من سمع “الثائر الأممي” جورج حاوي، الذي كان يقول أنّها لا مجال لنا إلا بعودة الأحزاب الثورية والحرة في مواقفها ضد الفساد المذهبي والطائفي الذي يُعيقُ تقدم الشعب اللبناني البطل.
البداية للرفيق جورج حاوي كانت قراءاتهِ في كتاب “رأس المال” الذي يعكس الحقوق والمطالب الجوهرية للعمال والفقراء لكي تكون مصانه وكي تأخذ موقعها التاريخي في المجتمع اللبناني الذي إنخرط بهِ جورج حاوي حتى اخر رمق من دمائهِ.
وها هو يقول شعراً.
معاذ الله ان ارضى بذلٍ/
معاذ الله ان اسجد لقيصر/
ارفض ان أعيش بدون حلمٍ/
ولا حلمي تبدد أو تبخر/
أبقى ثائراً ما دمت حياً/
وان اسقط فعند الناس أُعذِر/
سيأتي بعدي من يرفع سلاح/
بوجه الظلم للأحرار يثأر/
زرعنا والحصاد بدا قليلاً/
سيزرع بعدنا ليفيض بيدر/..
نعم أيها الرفيق القائد الذي أفنى عقوداً من عمرهِ خدمةً للوطن وللحزب ولفلسطين وللشعوب التي تدافع وتناضل من أجل الحرية الحمراء.
لا بد من التوصل إلى فضح الذين تأمروا على تغييبك وإزاحتك واغتيالك لأنك بالنسبة لهم تشكل عقبة فاضحة، كُنت وما زلت يا “ابا انيس” رفيقاً وصديقاً واميناً على حقوق الفقراء والأجراء والعمال والفلاحين والطلاب والمثقفين.
الحزب الذي نميتهُ ووضعت السلالم لَهُ بكل شفافية ووطنية ممتنُ لك بفخر الوفاء والعزاء؟
في ذكرى غيابك “الثالثة عشر” نُجدد الوقوف المتفاني ضد العبودية والفساد .ونُضيء شمعةً أمام نصبك الشامخ والذي يكادُ أن ينطق ملعلعاً بصوتك الجهوري اثناء خطابك المعهود “أيها الشيوعيون” أنتم أمام مهمة تاريخية لا تتوقفوا سيروا الى الأمام حتى تحقيق الربيع العربي الذي تنبأ بهِ القائد الشهيد..
السابق
عبدو الذي قتل علي الحجّي
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 20 حزيران 2018