المونديال والسعادة.. والقانون

سررت للوهلة الأولى عندما علمت أن جميع اللبنانيين سيشاهدون المونديال مجاناً. أنا لا أشاهد المونديال ولا أرغب في ذلك.

سررتُ أيضاً بدعاية زياد الرحباني الساخرة عن “فضائل” البيرة في المونديال. سررت أيضا بكل هذا لأن المونديال ولَّد لدي الرغبة في قول كلمتين عنه، عن الرياضة والقانون. المونديال نوع متطور من أنواع أفيون الشعوب. فهو يلهي الناس ويحيدهم عن هم أساسي هو ضرورة النضال المستمر لتحسين ظروف المعيشة وإيقاف الهدر وجميع أنواع الإنسلاب..

إقرأ ايضا: رهانات الفوتبول: إدمان جديد في زمن البطالة

المونديال هو رمز المنافسة الجشعة بين الدول وبين الناس. المونديال يخفي ألعوبة الرأسمالية والأموال الطائلة المتراكمة من الكرة. الكرة هي ذلك العدد من اللاعبين أصحاب الملايين، هي ذلك الطموح الكاذب الذي يزرعونه في عقول شباب الأحياء الفقيرة في العالم الثالث للصعود الاجتماعي والثراء. هو تصفيق الفقراء لأصحاب الملايين. حتى أن البعض يتساءل هل يمكن أن يكون المرء إنسانياً ويحب المونديال، رمز التقاتل والتنافس والصراخ وحب الإنتصار على الآخر..

من لا يعرف أن الفوتبول في لبنان جعل التنابذ المذهبي والطائفي والمناطقية يستعر، وهل نجهل أن الدولة اللبنانية أقفلت أبواب الملاعب على الناس كي لا يتقاتل الشباب الشيعة مع السنة، والمسيحي مع المسلم وشيعي بعلبك مع شيعي الجنوب وشيعي حزب الله مع شيعي أمل وماروني القوات مع ماروني العونيين وإبن طربلس مع إبن بيروت.. إلى حد أن البعض راح يطالب بإلغاء الطائفية من المواقع الإدارية في الرياضة اللبنانية مع علمه الأكيد أنها مجرّد أمنيات.. هل هذا هو المبتغى من الرياضة؟

الرياضة هي الحياة، هي الصحة، هي القدرة على التفكير. هكذا أفهم الرياضة. الرياضة هي توفير إمكانيات أمام اللبنانيين كي يستطيعوا ممارسة الرياضة بأحلى أوجهها، ما يستلزم بالضرورة تعديل القوانين اللبنانية أو أقله تطبيق الأنظمة القائمة بما يسمح للبنانيين إيجاد أرصفة على الطرقات العامة لممارسة رياضة المشي، وإرغام البلديات على التوقف عن إعطاء رخص عشوائية للبناء وضرورة استملاك عقارات لبناء نوادي رياضية بلدية مجانية للجميع (مسابح، حدائق عامة، ملاعب..). المعذرة من فيروز وماجدة الرومي لقد أصبحت بيروت من أبشع عواصم العالم، مدينة باطون، والمسار مستمر (أنظروا منطقة بعبدا والحدت (سبناي) التي ستصبح قريباً، إذا ما استمرت تراخيص البناء كضواحي الريو دوجنيرو المقززة).

لن أشاطر ربما ما كان يقوله المغفور له بيار ديسبورج، الكوميدي الفرنسي الذي يسخر من جحافل مشاهدي هؤلاء “اللبّاطة” على الحشيش الأخضر.. “أكرهكم يا أيها الفوتبوليون كان يقول.. مرة واحدة جلبتم لي السعادة: عندما أُصبتم بداء جراء تناولكم البطاطا المكسيكة ويا ليتكم لم تستطيعوا إكمال المباراة ولكن لم يشأ الله ذلك وهذا ما لا يفاجئني من قبله..

في الواقع، المونديال في أنظمتنا هو الوسيلة المتبقية للفقراء كي يعبروا عن سخط اجتماعي، كي يفلتوا من العذاب السيكولوجي اليومي. وهو وسيلة تقليدية معروفة تستخدمها أنظمتنا السياسية لإلهاء الناس، تماماً كما نعطي الطابة لأطفال كي يخف إزعاجهم. أحد الفلاسفة الفرنسيين، إدغار مورين، يرى أن المونديال كفعل المجامعة الجنسية، يليه التلاشي والتعب النفسي والكآبة. نعتقد أن موقف بعض منتقدي المونديال هو على قدر من المبالغة.

موقفنا نريده أكثر اتزاناً: الرياضة شيء رائع وهذا القول برسم وزارتنا العتيدة. الرياضة هي الدم السائل في شرايين المواطنين. المنافسة الرياضية شيء عظيم أيضاً شريطة ألا يفسدها المال والتنافس التجاري الرأسمالي. بكل أسف هذا هو واقع المونديال اليوم.

لو كان المونديال غير ذلك نتساءل لماذا يبيعون الألبسة الداخلية الحميمة بألوان البرازيل وألمانيا والبرتغال.. كي تعود الرياضة إلى ما كانت عليه أيام أفلاطون وأرسطو وأبو النواس نقترح تعديل القوانين اللبنانية بهذه الإتجاهات:

– تعديل قانون البلديات للعام 1977 بحيث تُلزم البلديات تأمين أرصفة على جميع الطرقات للمشاة وللدراجات كما ملاعب رياضية مجانية للجميع.

– تعديل قانون الاستملاك بإتجاه تسهيل أصول استملاك العقارات الآيلة إلى تشجيع الرياضة.

– رصد اعتمادات لمساعدة المحتاجين وتشجيعهم إرسال أطفالهم إلى النوادي الرياضية لممارسة رياضة السباحة ورقص الباليه وشتى انواع الرياضة.

– إدخال مادة الرياضة كمادة تعليمية نظرية في الجامعات والمدارس: فلسفة الرياضة، قانون الرياضة، علم اجتماع الرياضة، سيكولوجيا الرياضة، طب الرياضة، الرياضة والقانون، و… الشعر والرياضة!!!

إقرأ ايضا: الاحرار نظم دورة شهداء 13 تشرين في الميني فوتبول في الدكوانة

– فتح الملفات لمعاقبة جزائية للمسؤولبن عن بشاعة بيروت وتفريغها من الحدائق وجعلها مدينة باطون.

– نعم لماتش فوتبول ولكن بتوجه يساري وإنساني: كل فريق يتألف من جميع الأعمار والأجناس (شباب وشيوخ، ذكور وأناث ومن جميع البلدان). شريطة لا كؤوس ولا مصاري. وشوفو كيف بيصير اللعب للتسلية والصحة. هذا النوع إسمه “فوتبول آدمي” أما الآخر فهو “فوتبول أزعر”.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 18 حزيران 2018
التالي
انعطافة مقتدى الصدر