مطبخ نصرالله والوجبات الانتقائية

حظي متابعو السيد حسن نصر الله في "يوم القدس العالمي"؛ بفرصة جيدة لاكتشاف المعطيات المضللة التي يبني عليها الحزب سياسته أو يقدمها للناس على أنها حقائق.

في خطابه الأخير قال نصر الله (8/6/2018): “سوريا الدولة المحورية في محور المقاومة تعرضت خلال السنوات الماضية لحرب كونية”. وفقاً لنصر الله؛ فإن الحرب “الكونية” على النظام السوري هي حرب محور “إسرائيل” وأتباعها من الأنظمة العربية؛ وللدلالة يقرأ نصر الله ما وضعه مطبخه السياسي بين يديه من “تصريحات المسؤولين الإسرائيليين”، ويعقب: “لضيق الوقت أقرأ لكم العناوين (التي تؤكد) فقط”: “كل الخيارات أفضل من بقاء الأسد- مصلحة إسرائيل في رحيل الأسد-لا أحد في إسرائيل يفضل الأسد على الجهاديين- سقوط الأسد مكسب صافي لإسرائيل- قالها ايهود باراك عام 2011 (كان وقتها وزيراً للأمن)”. يضيف نصر الله إلى العناوين التي يقرأها للدلالة على حرب المحور الإسرائيلي على بشار الأسد بهدف إسقاطه؛ العناوين الآتية: “قرارات الجامعة العربية ضد الأسد شجاعة ومهمة”، (رئيس الاستخبارات الإسرائيلية عام 2016)- لا نريد هزيمة داعش في سوريا، إضعاف الأسد واقتلاعه من الحكم مصلحة إسرائيلية مباشرة (وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون عام 2013)”.

وبالعودة إلى هذه التصريحات يتبين أن عناوينها لا تمثل مضمونها بالضبط، وهي على نسق ما تفعله أية وسيلة إعلامية في الإضاءة على الجزء الذي تريده، كما أن العناوين الثلاثة التي أوردها نصر الله على أنها منسوبة لباراك؛ هي في الحقيقة مأخوذة من وسائل إعلام المحور الإيراني، ومنسوبة لمحللين صهاينة عام 2011، بل إن باراك قال عكسها تماما عام 2011 –كما سنبين بعد قليل-.

أما إشارة نصر الله لتصريح موشيه يعلون عام 2013، فقد ورد أثناء استقبال الأخير رئيس هيئة أركان الجيوش الإسرائيلية، حيث قال يعلون: “الحرب في الساحة السورية مدمية، ولا أحد يعلم كيف ومتى ستنتهي، بل إن سقوط الأسد لا يعني نهاية للحرب. توجد حسابات دامية بين العلويين والسنّة في سوريا، وأيضاً أقليات أخرى تشارك في الاقتتال، وعدم الاستقرار فيها سيطول، لكن في نفس الوقت يجب التأكيد على أنه من غير المسموح أن ينتصر في هذه المواجهة، محور الشر الممتد من طهران إلى دمشق فبيروت” (14/8/2018). وهو موقف لا يخرج عن سياق المقاربة الإسرائيلية للملف السوري لجهة عدم حلول إيران مكان النظام السوري على الحدود، وفي دائرة القرار. وبذلك يتبين أن وجبة المواقف الإسرائيلية التي قدمها مطبخ السيد نصر الله له -وتاليا لجمهوره- مغشوشة.

كما أن إشارة نصر الله المجتزأة إلى “الرغبة في عدم هزيمة داعش”؛ فهي مقتبسة مما ورد على لسان رئيس الاستخبارات الإسرائيلية اللواء هرتسي هليفي، خلال تطرقه إلى الوضع في سوريا في إطار الكلمة التي ألقاها في 16/5/2016 في مؤتمر هرتسيليا، ونصها: “إن إسرائيل لا تريد أن ينتهي الوضع في سوريا بهزيمة داعش، وخروج القوى العظمى من المنطقة، وأن نبقى مع حزب الله وإيران مع قدرات أفضل”، أي أن ليس من مصلحة “إسرائيل” رحيل داعش وبقاء إيران، أي رحيل عدو وبقاء عدو، لكن نصر الله اجتزأها على قاعدة: “لا إله” دون تتمة.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر؛ وطالما أن نصر الله قدّم لجمهوره عناوين مشتبهة، فإن من حق المتابع أن يتبين المواقف الإسرائيلية الواضحة من بشار الأسد، والتي غيّب وجودها السيد نصر الله كلياً، وهو ما سنورده على سبيل المثال لا الحصر:

في 2/4/2011 قال إفراييم سنيه، النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي: “إننا نفضل شيطاناً نعرفه (يقصد بشار الأسد) على شيطان لا نعرفه (يقصد الثوار)، وعليه؛ نقلت لوفيغرو الفرنسية في 28/7/2011 عن مصادر مطلعة أن “إسرائيل طلبت رسمياً من حلفائها وقف الحملة ضد سورية (النظام)”.

في 2/8/2011 أعلن إيهود باراك-بصراحة ووضوح وخلافا لما أورد نصر الله- أن: “الإطاحة ببشار ليس تطوراً إيجابياً لصالح إسرائيل”.

في 14/9/2011 أكد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يوءاف موردخاي “وجود قلق إسرائيلي من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد لأنه يقف على جبهة مغلقة منذ سنين طويلة”.

في 15/10/2011 أجرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية استفتاءً خلصت من خلاله إلى أن 85% من الإسرائيليين يعتبرون بقاء الأسد لمصلحة إسرائيل”.

في 16/11/2011 صدر الموقف الشهير لرئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد: “إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل نتيجة تشكّل إمبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط يقودها الإخوان المسلمون في مصر والأردن وسوريا”. وعليه؛ طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في آذار/مارس 2012- وبتصريح منشور-، الرئيس باراك أوباما بـ “تخفيف الضغوط على النظام السوري”!.

في 11/5/2013 أعلن إفريم هاليفى، الرئيس الأسبق للموساد لمجلة “فوراين أففيرز” أن: “بشار رجل إسرائيل في دمشق وإسرائيل تدرك أن عائلة الأسد وعلى مدار 40 عامًا استطاعوا تسكين الجبهات وتهدئة الأوضاع على طول الحدود، وكان هذا يخدم مصلحة تل أبيب”.

إقرأ أيضاً: فايد لـ«جنوبية»: نصرالله يحاول مصالحة الداخل والتحصن بالموقف الوطني

وبذلك يتبين؛ أن المواقف المبكرة لقادة الاحتلال في فلسطين كانت متخوفة من سقوط بشار الأسد لأنها لا تعرف من هو البديل، وعلى هذا المنوال رسمت سياستها، وأثرت على حلفائها، لكن الموقف تطور مع صعود نجم داعش ليصبح على الشكل الآتي: “بقاء الأسد ضعيفاً في السلطة أفضل خيارات إسرائيل”، وهذا ما توافقت عليه “إسرائيل” مع أميركا، وفقا للصحافة الإسرائيلية (17/12/2015)، وبنت عليه أميركا سياسة منع السلاح الفعال عن الثوار، وهو ما زال ساريا إلى اليوم. وتدليلاً على التغير في الموقف الأميركي؛ نبه وزير الدفاع الأمريكي، في 21/1/2016، تشك هيغل، إلى أنه “يجب تجاوز مسألة رحيل الأسد، فهو لم يكن في يوم من الأيام عدواً لنا ولا لحليفتنا إسرائيل”.

على أن العام 2016؛ شهد إشارة أكثر وضوحاً في رغبة “إسرائيل” ببقاء الأسد؛ حيث نشرت معاريف الحوار الحرفي بين رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في9/11/2016 مع “كبار المسؤولين في إسرائيل”، ونقلت حرفياً عن لسان ميدفيديف أنهم في “إسرائيل أبلغوه بصورة كاملة رغبتهم في بقائه (الأسد)، وأنه هو من يستطيع السيطرة على الوضع الميداني، وأنه أفضل من سيطرة الإرهابيين”، فقال ميدفيديف: “هو نفس الموقف الروسي”.

إقرأ أيضاً: توتر بين سليماني ونصرالله يترجمه «حزب الله» تجاهلا لتصريحات الجنرال!

وعليه؛ فقد استمر التنسيق الروسي- الإسرائيلي في الملف السوري، وقد وصل مؤخراً إلى تفاهم على أساسين: الحفاظ على بشار الأسد والتخلص من الوجود الإيراني، لا سيما على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما يفسر غض الطرف الروسي عن الهجمات الجوية الإسرائيلية على الإيرانيين و”حزب الله”، بمقابل مماشاة الروس بالحفاظ على بشار –دون الإيرانيين- والتأثير على الأمريكيين بهذا الاتجاه، وإعلان الإسرائيليين رغبتهم بوجود جيش بشار الأسد دون سواه على حدود فلسطين المحتلة، في إعادة اعتبار واضح؛ للوظيفة الأساسية لجيش النظام السوري السابقة، التي جعلت “إسرائيل” ترضى عنه وعن أبيه مهما فعل.

ما أراده نصر الله في خطاب يمكن القدس العالمي هو؛ إعادة تسويق بشار الأسد باعتباره بطلاً، وذلك من بوابة عداء “إسرائيل” له، لكن بعد بضع سنين من ثورة السوريين، لن تجد بضاعة نصر الله من يشتريها، اللهم إلا من يتبعه بلا تفكير.

السابق
الشيخ حسن مشيمش: عقلانية خامنئي مع اسرائيل!
التالي
لماذا يخوض باسيل معارك بالنيابة عن إيران والنظام السوري و«حزب الله»؟