قمة سنغافورة… وبداية تشكّل النظام العالمي الجديد

بعد قمة سنغافورة التي جمعت بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، هل بدأت ملامح نظام عالمي جديد بالتشكّل؟ كيف يُحلل كل من الخبير في العلاقات الدولية البروفسور وليد عربيد، والمحلل السياسي جورج علم ارتدادات هذه القمة؟

العداء بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يعود لتاريخ منتصف القرن الماضي عام ١٩٥٠ وهو تاريخ اندلاع ما يسمى بالحرب الكورية التي اسفرت عن مقتل ١.٢ مليون انسان بينهم ٣٥ ألف جندي أميركي، واسفرت الحرب بالنهاية عن تقسيم كوريا الى قسمين، شمالي رازح تحت الحكم الشيوعي، وجنوبي تابع للحماية الدولية كدولة حليفة للولايات المتحدة.

إقرأ ايضا: تحديد موعد لقاء سنغافورة بين ترامب وكيم

د. وليد عربيد
اليوم، وبعد التحسن المفاجىء في العلاقات الاميركية- الكورية الشمالية، تم اللقاء الموعود في سنغافورة بين رئيسي الدولتين، يقول البروفسور وليد عربيد لـ”جنوبية”: “ان واشنطن تسعى من جديد لإفهام الرأي العام العالمي بأنها لا زالت “القوة العظمى”، فبعد نهاية الحرب الباردة عام 1990 تسلمت الولايات المتحدة الاميركية قيادة النظام العالمي الجديد تحت عنوان سياسي نظام الآحادي القطبية، وتربعت على عرش هذا النظام بدءا من جورج بوش الأب الى نهاية عهد جورج بوش الابن. فالنظام الآحادي القطبية اعطى الولايات المتحدة القوة على الساحة الدولية، فكانت حرب تحرير الكويت، وتفتيت يوغسلافيا الى دول صغيرة بنظام عالمي مهيمن على المؤسسات والمنظمات الدولية (الامم المتحدة، الناتو وغيرهم)، من الناحية الاقتصادية برزت العولمة المتوحشة التي اعطت واشنطن دورا مهما بأن تكون مع صناعة الثقافة في هوليوود بأن تؤكد بأنها الامبراطورية التي تدير شؤون الكرة الارضية، وهذا الدور هو بنظري يعود لإنهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته. لذلك، ان المؤرخ ينظر الى أن محاولة واشنطن في تكوين الامبراطورية اصبح فعالا لاسيما بعد الحرب في افغانستان والحرب على العراق، وهذا يعني انها استطاعت ان تنظم الارث الذي ورثته من الحرب الباردة”.

ويضيف عربيد، فيقول “ان الولايات المتحدة توجت نفسها زعيمة العالم (1990-2003)، لكن بعد التغييرات التي حصلت من عودة روسيا الى الساحة الدولية بقيادة فلاديمير بوتين وصعود الصين اقتصاديا وبروز دول اقليمية كإيران وتركيا في الشرق الاوسط وجنوب افريقيا والبرازيل والهند، بدأت مقولة ان العالم ذاهب الى عالم جديد ومتجدد، هذا العالم في القانون الدولي يتطلب علاقات دولية جديدة في عالم متعدد الاقطاب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستبقى الولايات المتحدة هي القوة العظمى؟ هناك تفسيران لمعنى القوى العظمى والقوى الكبرى. والسؤال هل ان الصين هي قوة كبرى ام عظمى؟ فالصين عملاق اقتصادي، لكن من الناحية العسكرية والثقافية بحاجة الى عقود من الوقت لتجاري واشنطن، اما روسيا فهي دولة كبرى نظرا لتطورها العسكري، لكن  الى حد الان لم تستطيع الدولتان الوصول الى مجارات  الولايات المتحدة”.

فـ”مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض تغيّرت مزاجية صناع القرار في واشنطن لمتابعة قرارات الرئيس، وكان الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل. وهذا يدفعنا الى القول ان الرئيس ترامب يحاول عرض قوة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط في آسيا مع كوريا الشمالية وخلافه مع الحليف الاوروبي. كما ان السوال الاكثر سياسيا هو هل ياستطاعتها ان تبقى القوة العطمى في العالم الجديد المتعدد الأقطاب”.

ويرى، انه “بالعودة الى التاريخ حين  طرحت كوندوليسا رايس نظريتها في اقامة الشرق الاوسط الكبير، أي “سايكس بيكو” أميركي، وليس أوروبي، في الواقع، فشلت وزيرة الخارجية في تحقيق الحلم الاميركي نتيجة الحرب التي شنتها اسرائيل عام 2006 ، وفي معارضة الحرب على العراق، وصعود بعض القوى العسكرية السياسية، اضافة الى التطرف الديني، فأكدت من خلالها ان هذا النظام سيكون متعدد الاطراف. وهناك سيناريوهات، واليوم خطونا خطوة كبيرة في بناء هذا النظام العالمي الجديد بين المحاور المتعددة”.


من جهة ثانية، يرى المحلل والكاتب السياسي جورج علم، ان “القراءة الغربيّة، خصوصا من قبل الخبراء الاوروبيين، تقول ان دونالد ترامب الذي رفع شعار “أميركا اولا” يريد ان يكرّس أحادية الولايات المتحدة الاميركية، ويسعى الى ضبط كل المؤسسات الاميركية الاقتصادية لصالح اميركا”.

ويضيف “لذا، هنالك اكثر من مبرر لمثل هذا التحليل، انه عندما تحدّث عن حلف شمال الاطلسي، وطالب ألمانيا وفرنسا ان ترفعا مساهماتهما في حلف الاطلسي، لاستمرار الحلف ومن ثم خروجه من اتفاقية باريس للمناخ، ألخ.. مما شكّل صدمة للشركاء الاوروبيين، اضافة الى اللقاء على ضفتي الأطلسي، في آخر المطاف رفع الضريبة على الصلب مما شكّل ضربة قاسية لشركات المعادن، وهو نوع من انهيار اقتصادي. هذه الامور ازدادت مع اجتماع كندا مع قادة الدول السبع”.

ويفنّد علم بالقول “وهذا الرجل، أي دونالد ترامب، يفاجئ العالم بقراراته، وهو يريد ان يقول ان ما وعد به من ان “اميركا أولا”، شاء من شاء وأبى من أبى. لذا لسنا امام عالم جديد وتكافؤ فرص. وفيما يخص قمة سنغافورة، فالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، قد فرض نفسه من خلال إلغاء العقوبات على بلاده، وهذا دفع بالاميركيين الى القلق، بوجه الاجراءات العقابية حيث يمكنه تطوير آلته العسكرية، لكني اشكك ان تكون كوريا الشمالية تهدد العالم”.
ويلفت “كوريا الشمالية، حصلت على مكافآت مالية، لكي لا تحول تطور صناعاتها الى تهديدات.  وهذا الامر لا يزال قيد الاختبار حيث من المتوقع ان يكون هناك نوع من المعلومات حول القمة لنعرف الخطوات اللاحقة، حيث قالت واشنطن ان المفاوضات مستمرة”.

إقرأ ايضا: قمّة سنغافورة من جونغ إلى خامنئي!

وختم، جورج علم، بالقول “لكن من الصعب القول انها ستُحدث تغييرا في العالم، حتى يحصل لقاء مع القوى الكبرى، أي الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وكل الاسئلة  هنا مشروعة حول حقيقة ما تم الاتفاق عليه بين الزعيمين الاميركي والكوري الشمالي”.

فكيف ستكون صورة العالم الجديد بعد قمة سنغافورة؟

السابق
باسيل رداً على سليماني: لسنا تابعين لأحد!
التالي
جميل السيد: الكاميرا لا تكذب!