حزب الله والانسحاب من سوريا: هل اقتربت الحرب الكبرى؟

بعد كل التلميحات والإشارات من الجانب الروسي ومن خلفه الأمريكي، على ضرورة انسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من سوريا، أكّد أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أنّ انسحابهم لا يكون إلا بطلب من الحكومة السورية!

كان اللافت في الكلمة التي ألقاها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يوم أمس الجمعة 8 حزيران في مناسبة يوم القدس العالمي قوله أنّه “ليس لحزب الله مشروع خاص في سوريا على الإطلاق، نحن في سوريا موجودون حيث يجب أن نكون موجودين، وبحجمنا ومساهمتنا في الانتصار السوري على الحرب الكونية نعتبر أنفسنا أنجزنا مهمتنا وحققنا الهدف”.
ليضيف “عندما نستعيد شبابنا ورجالنا إلى لبنان سنكون سعداء ونشعر بالنصر، ولذلك ليست لدينا معركة بقاء في سوريا، وما يبقينا هو الواجب والقيادة السورية، ولكن في الوقت ذاته نقول إنه لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سوريا فإنه لن يستطيع، فهذا الأمر يحصل في حالة وحيدة وهي أن يكون بطلب من الحكومة السورية”.

كلام أمين عام حزب الله يأتي في سياق الرد على ما يتم تداوله في الأوساط الإقليمية، عن انسحاب الحزب وعودته إلى لبنان، هذا الكلام يأتي منسجماً مع ما قاله دولة الرئيس نبيه برّي في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية. إذ أشار إلى انّ “إيران موجودة في سوريا بطلب من الدولة السورية، تماماً كما أنّ الوجود الروسي في سوريا قد جاء بطلب من الحكومة السورية”. وأنّ “حزب الله موجود في بلده، لأنّه لو لم يكن متواجداً هناك، لكان داعش قد أصبح هنا في لبنان”، ليؤكد أنّ “السبيل الوحيد لانسحاب الحزب هو تحرير الأراضي السورية”.

تقاطع الموقف الشيعي اللبناني “حزب الله – حركة أمل”، من الأزمة السورية ومشاركة الحزب ينسجم تماماً مع الموقف الإيراني الذي أعلنه “علي شمخاني” أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بعد تصريحات روسية دعت إلى خروج “جميع القوات الأجنبية” من سوريا، وجاء فيه أنّ بلاده لن تنسحب من سوريا رغم الضغوطات التي تتعرض لها، وأن تدخلها في سوريا جاء بطلب من نظام الأسد.

وكان الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحم قد أكّد في مقال له نشر على الموقع الإلكتروني “نيوز وان” أنّ “إيران لن تنسحب من سوريا وتستعد للمواجهة العسكرية القادمة مع بلاده، ولن تسمح طهران بإتمام صفقة إسرائيلية ــ روسية للخروج من الأراضي السورية”.
ولفت بن مناحم إلى أنّ “إسرائيل تحاول منع إقامة قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، وتزويد سوريا و”حزب الله” اللبناني بأية أسلحة متقدمة”.
هذا المقال يأتي بعد أيام قليلة من تصريح الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أنّ “هناك تفاهمات حقيقية حول ضرورة خروج القوات الإيرانية من سوريا ومعها قوات “حزب الله”، ولكن سوريا نفسها لم تقرر ذلك”.

هذا وقد شهدت المنطقة السورية في المرحلة الأخيرة تموضعات جديدة، منها انسحاب إيران وحزب الله من الجنوب السوري وانتشار الجيش السوري مكانهما، إضافة إلى ما تردد مؤخراً عن انتشار للقوات الروسية في منطقة القصير الواقعة في ريف حمص، واعتبار هذه الخطوة في سياق التمهيد لإعادة انتشار القوات السورية في المنطقة مجدداً بعد ان سيطر عليها حزب الله.

بعد كلّ هذه التداعيات يبقى السؤال، ما هو واقع حزب الله في سوريا؟ وكيف سيتعامل الروس مع المواقف الصادرة عن إيران وحزب الله والرافضة للانسحاب إلا بطلب من الحكومة السورية؟ وهل بتنا على أبواب حرب كبرى مسرحها الأراضي السورية؟

إقرأ أيضاً: دفاع برّي عن بقاء حزب الله في سوريا والتحديات الداخلية والخارجية

مدير مركز «أمم للأبحاث والتوثيق» الباحث والمحلل السياسي لقمان سليم أكّد في حديث لـ”جنوبية” أنّ “هناك موقف واحد لا موقفين، وهو الموقف الإيراني. أما موقف حزب الله فهو تابع ولو جاء على لسان أعلى أمنائه”.
وفيما أشار سليم إلى أنّ ما سمعناه أمس على لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله هو موقف إيران موجهاً إلى الجمهور اللبناني، أوضح بالتالي أنّ “أيّ نقاش عن حزب الله هو مضيعة للوقت، يجب البحث عن الموقف الإيراني، وهذا الموقف هو واضح ومفهوم، إذ كيف نريد من إيران التي استثمرت طوال العقود الماضية، من أيام حافظ الأسد وصولاً لأيام بشار الذي دافعت عنه بالدم، كيف نريد بعد كل هذا من الإيرانيين أن يغادروا سوريا، ومن الطبيعي أن تدافع إيران عن مصالحها”.

لقمان سليم

 

إلا أنّ بيت القصيد – بحسب سليم – ليس في هذه النقطة، فبقاء إيران في سوريا ليس مدهشاً أو غير مفهوماً، بيت القصيد هو “ماذا تحاول روسيا أن تثبت فعلاً؟ وهل هي معنية حقاً بخروج إيران من سوريا؟ أو بإعادة تموضع إيراني يطمئن اسرائيل؟ أو هي معنية من خلال الضغط على إيران بإثبات قدرتها كقوة كوكبية كونية على التدخل في نزاعات أخرى، وأن تقوم بدور الوسيط أو بدور المسهل لما يطلبه المجتمع الدولي”.

ولفت سليم إلى أنّه “اليوم روسيا عملياً تحاول أن تقوم بدور المساعدة المنزلية، وعلينا في السياق نفسه أن لا نبالغ عندما نتحدث عن خلاف روسي – إيراني، فروسيا لا تريد خروج إيران من كل سوريا، ولا تريد أن تعود سوريا الدولة التي يريدها السوريون، هي لديها التزام عنوانه هو حفظ أمن اسرائيل وهي لا تخفي كذلك، وهذا ما تريده”.

وبينما أوضح سليم أنّ هذا الأمر معقد، وأنّه لا يمكن الحديث عن أمن اسرائيل من الطرف السوري دون الحديث عن أمن اسرائيل من الطرف اللبناني، استبعد في السياق نفسه أن ينتهي الأمر بصراع أو اشتباك روسي – إيران. مرجحاً في الختام أن يكون هناك تبادل للرسائل الأمنية أو الرسائل ميدانية بين الطرفين، نسبة لما شاهدناه في السنوات الماضية وخاصة عندما أراد الروس أن يحسموا معركة حلب لصالحهم.

إقرأ أيضاً: عن أبعاد الانتشار الروسي وإبعاد حزب الله عن القصير

الصحافي والمحلل السياسي غسان جواد أكّد في حديث لـ”جنوبية” أنّ “الحديث حول صراع روسي – إيراني هو بمكان ما أمنيات أو رغبات ولا يرتقي إلى الواقع لكون علاقة روسيا وإيران غير مقتصرة على الملف السوري، بل هي واسعة وفيها الكثير من الملفات تبدأ من منظقة القوقاز وتصل إلى حدود تركيا والإقليم والشرق الأوسط. وبالتالي قد تظهر تباينات ولكن غير جوهرية في الملف السوري”.

جواد الذي شدد استناداً لمعلومات يملكها، أن الإيرانيين والسوريين متفاهمين بشكل واسع في سوريا، وأنّ إيران وحزب الله لن يقوما بأي حراك داخل سوريا لا تكون الدولة السورية موافقة عليه، لافتاً إلى أنّ هذا جزء من استراتيجية الدولة السورية.
أشار في السياق نفسه إلى أنّ “الكلام الروسي عن خروج القوات الأجنبية من سوريا، كان يقصد بالأساس القوات الأمريكية المتواجدة وأتبع ذلك بالقول عن خروج حزب الله وإيران، إلا أنّه وكما هو معروف فإنّ حزب الله وإيران دخلا إلى سوريا بطلب من الحكومة السورية، وبالتالي نعود إلى كلام سماحة السيد أنّ حزب الله يخرج من سوريا بطلب من الحكومة السورية، وأكثر من ذلك أنا بتقديري أنّ الروس وحتى انتهاء انتهاء المعركة وإعادة توحيد سوريا بشكل كامل هم بحاجة لوجود حزب الله والإيرانيين على المستوى الميداني والعسكري أولاً”.

وتابع جواد موضحاً أنّ روسيا دولة كبرى ولديها مروحة واسعة من المصالح، ومن هنا قد تظهر أحياناً مواقف روسية دبلوماسية تحاول العمل على خلق عناصر جديدة في الأزمة السورية، ولكنها ليست على خلاف مع إيران وحزب الله”.

أما فيما يتعلق بالمعلومات التي ترددت بعد انسحاب الإيرانيين وحزب الله من الجنوب السوري، والتي تقول بأنّ روسيا تهدف من ذلك إلى حفظ أمن اسرائيل في سوريا، وما يطرحه ذلك من تناقض مع خطابات محور المقاومة المهددة للعدو والمتوعدة بالقضاء عليه، قال جواد: “روسيا موجودة في سوريا لمساعدة الجيش السوري على مواجهة الإرهاب وهي لم تقل ولا للحظة بأنّها جزء من المعركة والصراع مع اسرائيل، ولكن حزب الله وإيران موقفهما المبدأي أنّ الجولان أرض سورية محتلة، وهما كما في الملف الفلسطيني على استعداد لتقديم الدعم والعون للفلسطينيين في مقاومتهم للاحتلال، هما بنفس الشكل على استعداد لتقديم الدعم لسوريا في اللحظة التي تقرر فيها تحرير الأراضي السورية المحتلة في الجولان”.

وفي الختام أكّد الصحافي غسان جواد أنّ “لا تناقض هنا بين الموقف المبدأي وبين الموقف الروسي الذي يحاول صياغة وضعية سياسة تؤدي في النهاية إلى دخول الجيش العربي السوري إلى الجنوب السوري واستعادة الدولة للمعابر الحدودية والانتهاء من ملف الارهاب في هذه المنطقة، وأما الكلام عن انسحاب فلست على علم بذلك”.

السابق
أحراج الريحان في مرمى الكسارات والمرامل… والبلدية تنفي مسؤوليتها
التالي
خليل: نطالب بتجنيس أبناء والدي خالد والقرى السبع وأبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب