قرار منع رفع الأعلام غير اللبنانية: فائض مفاجىء في الغيرة الوطنية!

مهلك علينا أيها المحافظ: عن أيّ حس وطني تتحدث؟!

تقول الحكاية، أنّ وحي الوطنية يأتي بلا حسبان، وكأنّ نيزكاً خفياً يسقط على الأرض مرة كلّ مئة عام، فتصيب إشعاعاته عدداً قليلاً من الناس مخلفة في قلوبهم رواسب “وطن”!
هذه الحكاية ليست حبكة خيالية، هي حدثت في لبنان، وتحديداً في الدائرة المحيطة جغرافياً بالمحافظ زياد شبيب!

أمس، استيقظ المحافظ مفعماً بالوطنية، صوت في داخله يعلو ويعلو ويقول له لبنان أولاً، شرب قهوته وأدار المذياع ليسمع فيروز تردد “بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك”، ثم ترّجل إلى مكتبه.
وهو في الطريق لم يشعر لا بازدحام الطرقات ولا بضجيج السيارات ولا بروائح النفايات النتنة ولا بالمكاتب الحزبية وأبواقها، ولا حتى بالنيام تحت الجسور من الفقراء والمشردين، ولا بالمتسولين وببائعي العلكة والمحارم على أبواب سيارته، وحدها أغنية أيقونة لبنان “بتتلج الدني بتشمس الدني ويا لبنان بحبك تا تخلص الدني”، كانت رفيقته في السيارة المكيفة، فيرى فيها انعكاسات الوديان الخضراء، والأرز الشامخ، والبحر الأزرق ..

إلا أنّ هذا المشهد السريالي لم يمتد طويلاً، ففيما المحافظ سارح في الأغنية وألحانها، التفت في غفلة إلى يمناه، فشاهد ما لم يكن بالحسبان. الصدمة التي تملكته مما رآه دفعته للصراخ في سائقه قائلاً “توقف، ما هذا الذي أرى، هل عدنا إلى عهد الانتداب؟ هل تسلل إلى لبنان الإنكليز والألمان وأبناء القارة السمراء؟ من تجرأ على انتهاك استقلالنا ونحن ما زلنا على قيد الحياة”؟!
السائق الذي لم يخترق محيطه الجغرافي اشعاع النيزك لم يفهم الحس الوطني الذي أبداه المحافظ تجاه ما أعلام الفرق الكروية، فعتثر في كلماته ليكتفي بالقول “هيدا الموندايل سيدنا”؟!

إجابة أوقعت المحافظ في حيرة، فأي لعبة كروية هذه ستجعلنا نضحي بلبنانيتنا وانتمائنا؟ وأي تسلية تلك التي تسمح لنا برفع رايات الدول الغربية فوق نوافذنا وشرفاتنا وفي الأماكن العامة؟ وأيّ تشجيع ذلك الذي يبنى على حساب الوطن!
الوقت هنا، بات ثقيلاً، استعجل المحافظ سائقه كي يصل إلى مكتبه، وما إن وصل حتى اعتكف في خلوة ذهنية علّها ترشده إلى الحل، هنا تبادر إلى ذاكرته الدستور؟ فالعلم اللبناني مقدس والدستور هو المؤتمن، في “غوغلة” سريعة وجد المادة المنشودة، كتب القرار عممه وفحواه “لا علم إلا العلم اللبناني”!
ثم تنهد الصعداء.. بيروت لبنانية، بيروت لبنانية!

إقرأ أيضاً: لأول مرّة في تاريخ المونديال «4 منتخبات عربية» في كأس العالم 2018!

ما أوردناه أعلاه ليس مشهداً ساخراً، بل هو منتجة (من مونتاج) مضحكة لواقع مبكٍ!
فالحس الوطني للمحافظ، لم تحركه الأعلام الحزبية التي قسمت لبنان وحولته إلى كانتونات طائفية، هذه الأعلام التي ارتفعت على حساب الوطن وعلمه!
المحافظ لم يشاهد كم مرة أضيئت الروشة بأعلام أوروبية؟ لم يسأل عن أسماء شوارع بيروت وأصلها.
بالنسبة للمحافظ طبيعي تسمية جادة باسم “ملك عربي”، فيما “كرة القدم” هي الفتنة!
المحافظ لم تستوقفه مشاهد بيروت الأخيرة، وما حصل في طريق الجديدة وعائشة بكّار، فالخلاف الوحيد الذي قد نقع تحت رحمته هو خلاف كروي، فماذا لو تشاجر مشجعو ألمانيا مع مشجعي البرازيل؟ فإنّ حرباً قد تقع، بين ألمانيا الشرقية وبرازيل الغربية، على الأرض اللبنانية؟

إقرأ أيضاً: مواعيد مباريات كأس العالم 2018 والقنوات المجانية التي ستنقل الحدث في جميع الدول

وبعيداً عمّا سبق، ومن باب “الظرافة”، وفي محاولة منّا لالتماس العذر للمحافظ، ارتأينا أن نصدق السبب الكوميدي الذي فسّر به أحد الناشطين القرار، وأن نفترض “على سبيل حسن النيّة” أن السيد زياد شبيب هو من مشجعي إيطاليا (التي لم تتأهل إلى كأس العالم)..

وبالتالي فإنّه عندما يغيب عن بيروت علم الطليان، من الطبيعي حينها إسقاط كل الأعلام، عشتم وعاش لبنان!

السابق
بشائر حملة نحمي ونبني التي أُطلقت قبل الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 8 حزيران 2018