الليطاني «مجرى الموت» (2): دول عربية تمتنع عن استيراد المزروعات اللبنانية

سرطان الليطاني يمتد إلى التربة والمزروعات، فالسم الذي يفتك بالأهالي بات يحاصرهم إن بالهواء الذي يدخل أجسادهم، أو بالمياه، أو بالغذاء!

في الحلقة الأولى من هذا التقرير، كنا قد أضأنا على قرار إدارة التفتيش المركزي التربوي إلغاء مركزي من مراكز الامتحانات الرسمية في بر الياس، لاسيما وأنّ السبب وراء هذا القرار هو تلوث الليطاني والسموم الصادرة منه.
قرار التفتيش الذي نصّ على توزيع الطلاب على مدارس مناخها العام أكثر أمناً من المركزين، فتح التساؤلات، عن مصير مئات الطلاب في هذه المنطقة؟ وعن مصير العديد من العائلات التي تحيا على ضفاف النهر وتتعرض لكلّ المخاطر الناجمة عن تلوثه؟

إلا أنّ أزمة الليطاني، ليست فقط أزمة صحية إضافة إلى أنّ هناك جهات أخرى مسؤولة عن التلوث لم يتم تسليط الضوء عليها أو تحميلها المسؤولية حتى هذه اللحظة، وهذا ما سنتوقف عنده في هذه الحلقة (2) من التقرير.

اقرأ أيضاً: الليطاني «مجرى الموت» (1): الأهالي يغتالهم السرطان بصمت!

تؤكد بعض العائلات في منطقة بر الياس لـ”جنوبية” أنّ الواقع المعيشي في البلدة، بات في خطورته كما الواقع الصحي، فيقول أحد المتضررين لموقعنا أنّ بعض الدول العربية قد توقفت عن استيراد “البطاطا” البقاعية، وأنّ هناك امتناعا خليجيا عن استيراد المنتوجات اللبنانية التي يتم ريّها من هذا النهر الذي تحوّل إلى مجرى “ملوث”.

وفي متابعة لكل هذه التطورات، أجرى موقع “جنوبية” اتصالاً مع مدير مدرسة برالياس الابتدائية الأستاذ إحسان عراجي، عراجي الذي أكّد لنا أنّ بلدة برالياس متضررة سواء على مستوى الطلاب أو على مستوى الأهالي والمعيشة، تابع مضيفاً “هذا النهر يسبب ضرراً لجميع القرى الواقعة على ضفافه وليس فقط بر الياس والمرج، فكل ما هو واقع منذ المنبع وحتى المصب يصيبه الضرر من الليطاني، فالأبحاث العلمية أثبتت جميعها أن هذا النهر موبوء والمواد التي تجري في مياهه هي مواد سامة”.

وأوضح عراجي أنّ وزارة التربية واستجابة لتقرير إدارة التفتيش قد عمدت إلى إلغاء مركزين للامتحانات واستبدالهما بمراكز أخرى أكثر ملائمة من حيث المناخ للطلبة، ليشير بالتالي “الضرر لم يقع على هذه المدارس اليوم، وإنّما هو واقع منذ 20 عاماً، ومشكلتنا الأساسية هي المعامل التي تصب وبشكل مباشر مواد الفرز جميعها داخل الليطاني، دون تشغيل محطات التكرير”.

وفيما يتعلق بمبادرة الرئيس سعد الحريري في العام الماضي، لفت عراجي إلى أنّهم قد توصلوا والرئيس الحريري منذ عام ونصف إلى فتح محطة للتكرير وذلك بعد التحركات التي قاموا بها، إلا أنّ المحطة وحدها – بحسب عراجي- لا تكفي لكونها محصورة فقط بالصرف الصحي لمدينة زحلة والقرى المجاورة، فيما المعامل ما زالت تصب في النهر.

ليكشف في السياق نفسه “الرئيس الحريري اجتمع في حينها مع أصحاب المعامل التي يقارب عددها المئة معمل، ومنحهم مهلة 15 يوماً لتشغيل محطات التكرير تحت طائلة اتخاذ إجراءات بحقهم أو بالإغلاق أو بالتغريم، إلا أنّ المهلة قد انتهت ولم يتم بعدها المتابعة، فما زلنا نعاني حتى اليوم من المعامل الصناعية التي تسبب بقاياها التلوث للنهر”.

اقرأ أيضاً: بالتفاصيل: هذه هي الجهات المسؤولة عن تلوث نهر الليطاني

وبينما يشير عراجي إلى أنّ “كل الخطط التي وضعتها الدولة ووضعها النواب لإنشاء محطات التكرير، لم ينفذ منها سوى محطتين أو ثلاثة، فيما بقي ما يقارب الـ22 محطة في حدود الحبر الورقي وما من أفق واضح لتمويل هذه المحطات”. لا ينفي بالتالي مسؤولية البلديات إذ يقول “من أسباب التلوث أيضاً الصرف الصحي للبلديات والذي يصب جميعه في نهر الليطاني، وبلدية برالياس من جهتها تشارك في تسميم هذا النهر”.

هذا ويشدد عراجي أنّه لم يتم معالجة أيّ من الأسباب المذكورة والتي تسبب جميعها تسمم مياه الليطاني، متوقفاً عند ارتفاع نسب الإصابة في السرطان لاسيما عند الطريق المحاذية للنهر فقد سجلّ مؤخراً أكثر من 15 إصابة بينها إصابتين في بيت واحد.
وفيما يُحيل الأستاذ المدرسي الأمراض السرطانية للمياه المسرطنة وللمزروعات التي يتم ريّها بهذه المياه أيضاً، يلفت بالتالي إلى أنّ الأردن لم تستورد منهم البطاطا هذا العام بعدما وصلتها الأنباء عن أزمة الليطاني، مما أدّى إلى إلحاق الضرر بالعديد من تجار بر الياس.

وفي الختام يحمل الأستاذ احسان عراجي المسؤولية للوزارات كافة، الزراعة والاقتصاد والبيئة والصحة، إضافة إلى وزارة المالية، إذ أوضح أنّ “المعامل لا تشغل محطات التكرير بسبب ارتفاع الكلفة، وارتفاع الضرائب مما يحملها أعباء تفرض عليها أو الاقفال أو التهرب من الالتزام، ولو عملت الوزارة على تخفيض الضرائب مقابل تشغيل المحطات لكانت المعامل جميعها التزمت”.

السابق
بطرس حرب: لماذا لا ينشر مرسوم التجنيس في الجريدة الرسمية
التالي
محاولات لـ «تأهيل الأسد» مقابل انسحاب إيران