الليطاني «مجرى الموت» (1): الأهالي يغتالهم السرطان بصمت!

نهر الليطاني
صمت إعلامي، وهدوء سياسي على ضفاف الليطاني.. صوت أنين مرضى السرطان وحده هو الذي يرتفع فيما الحلول ما زالت "عالوعد يا كمون"!

“خلّوا التفتيش التربوي هو الي يستلم الدولة”، بهذه العبارة الساخرة يعلّق أحد مواطني بلدة بر الياس البقاعية، على التقرير الصادر عن إدارة التفتيش التربوي، والذي أُلزمت وزارة التربية والتعليم بموجبه، على إلغاء مركزين للامتحانات على مقربة من نهر الليطاني وتوزيع الطلاب على مراكز أخرى آمنة صحياً!

اقرأ أيضاً: استمرار تلوث الليطاني يحوّل برالياس الى بلدة منكوبة

قرار إدارة التفتيش هذا ليس هو الحدث، فالمشكلة الحقيقية هي في غياب الدولة، وتقاعس كل من الوزارات والجهات المعنية عن “سرطان الليطاني”. فمع مئات الإصابات بالأمراض السرطانية في الآونة الأخيرة، إلا انّ التحرك الرسمي لمعالجتها كان خجولاً، إذ انتهت صلاحيته سريعاً مع انتهاء موجة الضجيج الإعلامي وما رافقها من احتجاجات من قبل المواطنين.

مجلة “شؤون جنوبية” التي سبق لها وأن واكبت أزمة الليطاني في ملف خاص عنونته بـ”كارثة وطن”، أشارت إلى أنّ أعلى نسبة فضلات عضوية يحتويها الليطاني مصدرها مدينة زحلة والجوار، وتتوزع على الشكل التالي:
13 مؤسسة صناعية و52 معمل ألبان وكونسروة (مخلفات ونفايات صناعية)، 8 مستشفيات (نفايات طبية)، 6 مسالخ و4 مطاعم (نفايات وبقايا لحوم).

واقع التسمم الذي يتكبده الليطاني ممّا ترميه مصانع ومؤسسات ومستشفيات زحلة في مصبه بالدرجة الأولى، دفع أبناء بر الياس في شهر حزيران من العام 2017 إلى إطلاق حراك “ما بدي الليطاني يقتلني”، ليعمدوا بالتالي إلى ردم النهر عند محطة تكرير المياه المبتذلة لمدينة زحلة وذلك بعدما سقطت كل المواعيد التي ضربت سابقاً بتشغيل المحطة.
هذا التحرك التصعيدي من قبل المتضررين تمّ تعليقه بعدما وعد الرئيس سعد الحريري الأهالي بتشغيل محطة التكرير وإجبار المعامل على تشغيل “الفيلتر”، غير أنّه وبعد ما يقارب العام ما زالت منطقة بر الياس بانتظار أن تتحول الأقوال إلى أفعال و”عالوعد يا كمون”!

وكان النائب السابق اسماعيل سكرية وهو طبيب متخصص في امراض الجهاز الهضمي، قد أكّد في حديث سابق لموقع “جنوبية” أنّ نسبة الإصابة بمرض السرطان قد ارتفعت إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف على امتداد البلدات الواقعة على ضفتي النهر. ليوضح بالتالي أنّ “الإصابات هي بالدرجة الأولى بسرطان المعدة ومن ثم يأتي بعدها سرطان القولون والمثانة”.
سكرية الذي أجرى مؤخراً دراسة بالاتفاق مع الجامعة الاميركية والجامعة اللبنانية والهيئة الوطنية الصحية حول علاقة تلوث نهر الليطاني بحالات السرطان المتزايدة، أشار لموقعنا إلى أنّ “المواد الكيمائية التي تُرمى في النهر، سواء أكانت نفايات المستشفيات والمصانع (مصانع المخللات والمواد البلاستيكية)، أو مادة “النترات” التي تستعمل كمبيد زراعي، هي المسبب الاول لأمراض السرطان”.


وبالعودة إلى قرار التفتيش التربوي، والذي هو “ناقوس خطر”، فما محاولة “التفتيش” حماية الطلاب إلا دلالة جدية على الخطر الصحي الذي يغتال يومياً العائلات المتواجدة في محيط نهر الليطاني.
على الصعيد التربوي، يوجد 8 مدارس رسمية وخاصة على طرف نهر الليطاني، ويبلغ العدد التقريبي للطلاب في هذه المدارس التي يُعلّم بضعها بدوامين “قبل الظهر وبعد الظهر” أكثر من 4000، وكان قد سجلّ في صيف العام 2017 وفاة إحدى الطالبات بالسرطان بحسب ما أكّدت مصادر لـ”جنوبية”.
المصادر نفسها تتوقف عند قرار التفتيش المركزي متساءلة “التفتيش كلّ ما أراده هو حماية الطلاب لأربعة أيام، ولكن ماذا عن الطلاب الذين يتعلمون طيلة 9 شهور في هذه المدارس؟ فيما الروائح الكريهة المنبعثة من الليطاني تختنق بها الصفوف والملاعب”.

تتابع المصادر “المسألة ليست فقط مياه المجارير، وإنّما هي في الدرجة الأولى مياه المصانع ومياه الصرف الصحي التي تبدأ من منبع الليطاني وتستمر حتى المصب”.

اقرأ أيضاً: المجارير عادت تصبّ في مجرى الليطاني.. والخضار في مرمى الخطر

تلفت المصادر إلى أنّ بلدتي بر الياس والمرج هما الأكثر تضرراً من هذا الواقع لكونهما الأدنى مستوى عن سطح البحر، وفيما يتعلق بالتحركات التي قاموا بها تقول:”قمنا بالعديد من التحركات في العام الماضي، منها صرخة طفل، إضافة إلى التظاهرات الدائمة، غير أنّ الدولة لا تبالي، ولا تعمل على متابعة الملفات الأساسية المتعلقة بأزمة الليطاني مع الوزارات المختصة”.

وتشير المصادر نفسها إلى أنّ “الرئيس سعد الحريري كان قد وعد بمواكبة هذا الملف شخصياً، غير أنّ محطة التكرير والفيلترات ما زالت لا تعمل بالنسبة المطلوبة، لاسيما وأنّ أصحاب المعامل التي تسبب بهذا الكم من التلوث هم من النافذين مما يؤدي إلى عدم امتثالهم لقرارات الدولة”.

لتختم المصادر بالقول “اليوم لا نرفع صوتنا اعتراضاً على قرار التفتيش المركزي، على العكس إننا نرفع الصوت لأننا نريد من هذا القرار أن يكون بادرة لحل أزمة الليطاني حتى لا يظلّ السرطان يفتك بنا”.

السابق
بعد التخلي الروسي: إيران تجابه أميركا وحيدة في سوريا
التالي
جنبلاط ينعى المسعفة رزان نجار: ستبقى فلسطين!