ثانوية نبيل أديب سليمان الرسمية تتميز رغماً عن الحرمان

في ظل المنافسة القوية بين المدارس الخاصة والمدارس الرسمية يُضْرَبُ التعليم الرسمي بشقيه الثانوي والتكميلي في منطقة بعلبك الهرمل. ويغلق بعض المدارس أبوابه ليتكبد الاهالي أعباء رسوم التسجيل الباهظة للمدارس الخاصة التي تعود، نظرا لطبيعة النظام الطائفي اللبناني، للأحزاب الدينية والسياسية. الا انه دائما هناك استثناء في بعض الكوادر التربوية اختار أن يتحدى هذا الواقع المفروض بالقوة.

بلغة المواطنة وخطاب الادارة المدرسية الفعالة وبعيدا من أي تدخل سياسي يحول دون انجاز المسيرة التعليمية وعلى مدى تجارب وخبرات ومواقف ضمنية خاضها القيمون على الادارة في ثانوية نبيل أديب سليمان الرسمية نجح المدير جمال سليمان في إيجاد حالة تربوية استثنائية في بلدة بدنايل البقاعية.
وعلى مقلب مناقض، تدخل الى متوسطة قصرنبا الرسمية فتجد نفسك كأنك داخل الى منزل الاشباح المبعثرة مقتناياته، ولا تجد الا الكلاب الشاردة والكراسات والسجلات اليومية مرمية على أرض المدرسة الرسمية المنكوبة بعد أن كانت تضمّ ستمئة طالب تكميلي ومتوسط. وكل ذلك بسبب الاهمال الذي طال المدرسة من قبل المدراء السابقين وبسبب عدم تحرك البلدية السابقة لاعادة فتح المدرسة بعدما اغلقت عام 2010 اضافة الى السبب المحوري هو عدم وجود قرار سياسي يقضي بإعادة ترميمها وفتح أبوابها من جديد.

اقرأ أيضاً: غسان صليبي: الدولة منحازة إلى المدارس الخاصة ذات المرجعيات الطائفية

بلدية قصرنبا
يقول رئيس بلدية قصرنبا المهندس المعماري رضا الديراني أن السبب غير المباشر للاستمرار في اغلاق المدرسة هو مبناها القديم الذي يحتاج إلى إعادة ترميم. “نحن كمجلس بلدي حالي، من اول لحظات استلامنا البلدية قمنا بالكشف عن المدرسة. وجدنا انها بحاجة الى ترميم كي تقدر ان تستقبل تلاميذ وهذه المدرسة معمرة وفق نموذج مبدئي يعود الى الخمسينيات من القرن الماضي وهذا الأمر لا يسمح لنا ان نزيد عليها طوابق. الافضل ان تجرف ويعاد بنائها من جديد”.

رضا الديراني
ولذلك عمل رئيس بلدية قصرنبا على التواصل مع المعنين ووزارة التربية “ارسلت كتاب الى معالي وزير التربية طلبت فيه السعي الى بناء مبنى جديد للمدرسة الرسمية في قصرنبا وكانت النتيجة الرفض من دون أي تبرير أو سبب يذكر. لكني عدت وعللت الكتاب وبررته، واكدت له ان اهالي ضيعتنا غير الميسورين وغير القادرين على وضع اولادهم في مدرسة خاصة يعانون في ارسال اولادهم الى مدارس رسمية في القرى المجاورة وهذا الامر يرتب عليهم اعباء النقل وخطر الحوادث، كذلك أتى الرد بالرفض. ولذلك يبدو أن هذا الامر بحاجة الى قرار سياسي للمساعدة والدعم”.

ثانوية بدنايل
وعلى الجهة الاخرى وبنفس السنة، استطاع مدير ثانوية بدنايل أن يحدث نقلة نوعية في هيكلية المدرسة وسط الحرمان الذي تعيشه منطقة بعلبك الهرمل وذلك عبر اتفاق ضمني بينه وبين الكادر التعليمي “لا أحد يخرج هذه المنطقة من حرمانها الا التعليم، ومنطقتنا بحالة حرمان ونحن نشعر بهذا الامر كوننا أكثر فئة تحتك بالناس. عام 2010 عندما تم تكليفي لتولي منصب الادارة، كان لدي رؤية واضحة بالتعاون مع زملائي وهي كيفية تخفيف اعباء عن هؤلاء المواطنين، لذلك قررنا وضع شروط نجاح حتى نكسب ثقة ولي الامر خصوصا أن الاهالي اليوم على استعداد أن تبيع كل ممتلكاتها كي تعلم اولادها”.

شؤون جنوبية

خلاف شخصي؟
وبعد إغلاق متوسطة قصرنبا مدة أربع سنوات، حاول الاهالي أعادة فتح موضوع المدرسة عن طريق التواصل مع البلدية التي تحمل صفة الوصاية على المدرسة، فتولت الناشطة الحقوقية مي الديراني هذه المهمة بطلب من أولياء الامور لكن البلدية صدتهم واتهمتهم بالتخريب. وأن اهالي البلدة فلاحون لا يمكن الحوار معهم، تقول مي الديراني” وجهت إلينا البلدية السابقة تهم باطلة مثل التحريض على البلدية”. والبلدية التي كانت معروفة بإنتمائها السياسي لحزب سياسي طاغ في المنطقة رأت أن مي مدفوعة من قبل الشيوعيين، تضيف الديراني: “تحول النقاش إلى خلاف شخصي وسياسي ووصلني حينها حديث (أنه بدن يكسرولي اجريي اذا بفوت على البلدية) ومن ذلك الحين لم يفتح الموضوع من قبل الاهالي او سكان البلدة.

نفضة داخلية
وفي بدنايل البلدة المجاورة لقصرنبا، يرى مدير المدرسة أننا مسؤولون تجاه الأهالي وتجاه الأعباء التي يتكبدونها لتعليم أولادهم، يقول سليمان:” نحن لدينا مسؤولية تجاه هذا الأمر وبالتالي عدم السماح للاهالي ببيع أراضيهم والتخفيف عنهم عبر تأمين ثانوية رسمية يوجد فيها كل المؤهلات التي يحاول أولياء الأمر أن يطلبوها”.
ولذلك اعتمد سليمان العمل على تسويق المدرسة ورفع امكانياتها “عمليا يعود تاريخ ثانوية نبيل اديب سليمان الى السبعينات، 1978، لكن بعد عام 2010 حاولت عند تعييني، غرس نهج وفكرة متجددة في الادارة الرسمية. وبالتعاون مع الكادر التعليمي والهيئة الادارية شكلنا وحدة متكاملة لاجراء “نفضة” داخلية واجراء نقلات وتشكيلات على صعيد الاساتذة والمعلمات وكل واحد حسب اختصاصه، وهنا ما خلق جو من التحدي بين الاساتذة لاعطاء الافضل، ولذلك كان التحدي الاول الذي خضناه هو تحدي انفسنا في اعطاء افضل ما لدينا من قدرات تعليمية”.

جمال سليمان
وبكل ثقة يخبرنا مدير مدرسة بدنايل “نحن على مستوى البقاع الثانوية الاولى من حيث اعداد الطلاب اذ يبلغ عدد الطلاب نحو 600 طالب ثانوي. 190 منهم في صفوف الشهادة الرسمية. ولدينا 42 طالباً في فرع العلوم العامة، وهذا الرقم هو الأعلى بين الفروع، ويعتبر رقم غير سهل، علما أن هذه الثانوية تابعة لضيعة. لدينا شعبتين اداب عامة وإنسانيات، وهذا تحدي بالنسبة لمدرستنا لأن قلَّ ما تجد مدرسة تتجرأ على فتح شعبتين آداب عامة، وهذا الفرع تهرب منه كل المدارس الخاصة والرسمية. وقد خصصنا لهذا الصف اهتمام يشبه اهتمام شعبة العلوم العامة.
وتحت شعار “صنيعة الاجيال والحماية من الشوارع ” يعتبر المدير أن المهارة هي بناء الطالب العادي صاحب القدرات العادية واعتبار حقه ان يحظى بحياة جامعية من دون رميه بالشارع، على عكس ما يقوم به بعض المدارس الخاصة والرسمية التي ترتعب من شعار “النجاح 100%”. يقول سليمان “شعار النجاح 100% شعار خشبي ومتصدأ، يحد المدير ويدفعه للخوف والجبن من التحدي ونحن طرحنا شعارات كثيرة للتنافس والشاطر يلحقنا فيها”.
والرؤية الادارية الناجحة التي وضعتها ادارة الثانوية منذ بداية العام 2010 اوصلت المدرسة الى فتح ثماني شعب في نهاية المرحلة الثانوية مقسمة إلى أربعة فروع ” نترك المجال للطالب أن يسجل الاختصاص الذي يناسبه وحسب قدراته”. ونتيجة لشروط النجاح التي تبنتها المدرسة استطاعت السنة الماضية أن تتفوق وتحصل على سادس مرتبة في لبنان في العلوم العامة واليوم تنافس هذه المدرسة على الاولية في فرع العلوم العامة.

متابعة بعد التخرج
ولا يترك جمال سليمان تلاميذه بعد التخرج بل يتابعهم حتى يتخرجوا من الجامعات، حيث فتح آفاق المدرسةعلى الجامعات وشبك معها فكان سباقاً في هذا المجال ” لدينا علاقات مع الجامعات الخاصة ابتداءاً من اهم الجامعات في لبنان مثل الجامعة الاميركية في بيروت والجامعة الانطونية التي نحصل من خلالها على منح تعليمية لطلابنا وذلك بموجب كتاب موقع”. بداية هذه الخطوة رآها الأهالي مجرّد ترويج ودعاية للمدرسة لكن بعد مرور سنوات لاحظوا أن هناك طلاباً أخذوا منحاً وتخرجوا من تلك الجامعات “”اصبحنا معروفين بكل مجتمع البقاع اننا رقم واحد في الضخ في اعداد الخريجين الذين يحصلون على منح جامعية”
وبالرغم من كل النجاحات التي حققتها هذه الادارة لم تستطع المدرسة أن تحظى بمبنى جديد خاص بها، والمبنى الذي يدرس فيه حاليا مبنى مستأجر، علماً أن العمل على تشييد مبنى للمدرسة كان قائماً لكنه اليوم قيد التوقيف لاسباب غير معروفة.

السياسة ممنوعة
عندما سألنا جمال سليمان عن دور السياسين والاطراف الحزبية الداعمة لمسيرة المدرسة اجابنا بكل حزم ” السياسة بالمدرسة ممنوعة، نحن في هذا الصرح مواطنون بالدرجة الاولى، نسمع النشيد الوطني كل صباح وكل استاذ ومعلمة تنطلق الى صفها”. بينما يغضب مختار بلدة قصرنبا ضاهر الديراني ويتمنى لو يصل الصوت الى المعنيين: ” هناك احزاب طائفية لا تريد التعليم الرسمي شبه المجاني وذلك لصالح مدارسهم الخاصة ومدرسة الضيعة أقفلت عام 2010 بسبب إهمال القيمين من بلدية ولجان تربوية وذلك بدعم سياسي تتبع له المدرسة الخاصة الموجود في البلدة وبإتفاق ضمني بين البلدية السابقة والمدرسة الخاصة”.

اقرأ أيضاً: وليد حشيشو: وزارة التربية عاجزة بسبب التدخلات السياسية

وفي ظل الملاك للاستاذ الثانوي الناتج عن المباراة في مجلس الخدمة المدنية عزز التعليم الثانوي انما بنوع من التمايز بين ثانوية واخرى يضيف رئيس مجلس الاهل في ثانوية بدنايل رفيق الجباوي “إن مشكلة تدخل الدولة بتعيين مدراء تابعة لجهات سياسية، الذين يعتقدون أن الغطاء السياسي كاف لاستمرارية عملهم، لم تنتج رؤية تربوية واضحة أو امكانية تخولهم من تولي منصب اداري بينما هناك ثانويات اخرى اختارت ان يكون لديها رؤية واضحة وثاقبة تبعد كل المؤثرات السياسية التي من الممكن ان تضعف فعالية المدرسة مثل ثانوية نبيل اديب سليمان الرسمية التي سجلت الاولية على مستوى البقاع وعلى صعيد التعليم الثانوي والرسمي من حيث النتائج وعدد الطلاب وكل ذلك بسبب ادارة المدرسة بعيدا عن السياسة وتنظيمها بطريقة مؤسساتية”.
وختاما لمقابلتنا مع رئيس بلدية قصرنبا أحبَّ الاخير أن يوجه نداء الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ” أوجه إليك كلمة يا دولة الرئيس، علماً مني أنك تعتبر موضوع التعليم والمدارس من الخطوط الحمراء والمهمة، وايمانا ويقينا مني أنك لا ترد طلب أحد وتجاوبك دائما سريع، أطلب منك أن تساعد هذه البلدة والبلدية على اعادة فتح متوسطة قصرنبا الرسمية”.
ومن جهتنا نسأل وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة: لماذا ترفضون دعم وإعادة فتح أبواب مدرسة من شأنها أن تنمي وتطور منطقة بعلبك – الهرمل؟ ما هو دوركم اذا لم تعززوا هذا البناء وهذه المسيرة؟ أنتم مطالبون اليوم بتبرير الاسباب التي لا زالت تقف أمام إعادة فتح متوسطة رسمية وسط بلدة فقيرة.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 167 ربيع 2018)

السابق
عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بإيران
التالي
صفقة مرسوم تجنيس «المحظيين العرب والسوريين» تفاجىء اللبنانيين