حكومة الشعب لا حكومة الأحزاب

مقتدى الصدر

سيطرت الصدمة على المهتمين بالشأن العراقي والمراهنين على هيمنة الاحزاب والقوى الموالية لما هو خارجي، الصدمة كانت عنيفة جداً، فقد قال الشعب كلمته وأزاح اغلب الوجوه والقوى التي تكرر الخطاب ذاته والاساليب ذاتها في ادارة الدولة، وتصدرت “سائرون” المشهد السياسي، رغم كل المعوقات التي واجهتها ومحاولات قوى سياسية كبيرة لتجريم هذا التحالف، واعتباره تحالفاً (مدنساً)، مستغلة تعصب الشعب العراقي للدين، ولم تفلح تلك المحاولات اطلاقاً، فقد تغلب الوعي الشعبي على التزييف والخطاب الخرافي المفارق لمبادئ العقيدة والدين، بل والمستغل لقدسية الدين في تضخيم مدنساته وخطاياه وتحطيم اية خطوة لبناء الدولة الوطنية.

إقرا ايضا: مقتدى الصدر من ضفة إيران الى ضفة السعودية!

تبدو المشكلة في العراق معقدة للوهلة الاولى، لكنها ليست كذلك ان تمعنّا فيها، فقد كانت الحقبة الطائفية استدعاءً للجوار العربي والاسلامي في العراقي عندما ارتمى كل طرف باحضان داعمه ومموله، وبتجاوز العراق للحقبة الطائفية وطيّها وتداعياتها برز وعي جديد يعود بالمواطن الى وطنه وبالوطن الى حدوده، واسفرت انتخابات 2018 عن عبور الخنادق الاثنية وتحطم الهويات الثانوية، وهناك ملامح شاخصة للدولة الوطنية التي تحتضن كل الطوائف ولا تميز بينها ولا تعتبرها معياراً في الوطنية او الخلاص، وبطي هذه الصفحة لم يعد هناك ما يعيد الاستدعاء الخارجي خاصة بعد تحول المملكة العربية السعودية باتجاه القضاء على التطرف، والسير باتجاه فصل الدين عن الدولة واقرار الحريات الفردية، وهو اتجاه ربما يدخل ضمن حربها الناعمة التي تخوضها مع الجمهورية الاسلامية في ايران.

فرفاهية الداخل وارتفاع مستوى الدخل من شأنه ان يحدث بلبلةً في الداخل الايراني والتطلع للعيش أسوةً بالدول المجاورة ذات الثروة النفطية الهائلة والعائدات المالية الضخمة ومع هذا التحول فمن الصعب جداً ان تتدخل المملكة في الشأن العراقي بدواعٍ( اسلامية ) ذات طابع عنفي لكنها لن تتخلى عن حلفائها بلا شك مثلها مثل الجمهورية الاسلامية في ايران وغيرهما من دول اخرى وجدت الابواب مشرعةً امامها للتدخل في الشأن العراقي، وفرض ارادتها لعدة اسباب اهمها انفتاح الطبقة السياسية السابقة خارجياً وانكفائها داخلياً، واللهاث لما خلف الحدود للتحرك بحرية داخلها!

وتلك مفارقة كبرى طغت على المشهد السياسي في العراق قبل انتخابات 2018 التي صفعت تلك الوجوه وكسرت الارجل التي تعودت الركض خارج حدود الوطن.

لابد ان نعترف ان تفكير الفرد العراقي سياسياً تفكير سطحي قياساً الى تفكير جاره الايراني، في ايراني لا يطغى أي تفكير على مصلحة الوطن، ولا يمكن ان يفكر الفرد الايراني بالاستعانة بدول اخرى على وطنه وحكومته، كنت في مشهد المقدسة عام 2009 في زيارة للمشهد المقدس (مشهد الامام الرضا عليه السلام) بصحبة بعض زملائي من طلبة الحوزة العلمية الشريفة وكانت الانتخابات الايرانية على الابواب والصراع بين الاصلاحيين والمحافظين على اوجه، فسألت بعض الشباب الايرانيين الذين كانوا بقربنا عن ميولهم وموقفهم في الانتخابات فقالوا: نحن اصلاحيون طبعاً لكننا سننتخب المرشح المحافظ احمدي نجاد، لان قادة المحافظين في هذه المرحلة لا يمانعون من الاستعانة بأميركا لتحقيق ما يريدون ونحن لا نريد اصلاحات وحريات تأتينا من الخارج ولا نريد اسقاط نظام الحكم مستعينين بأميركا، نريد اصلاحات ننتزعها بأنفسنا دون المساس بسيادة الدولة او التآمر عليها.

من الصعب جدا ان يفكر العراقي بمثل هذا التفكير قبل 2018 وهو الذي يفتخر بصواريخ دول الجوار الباليستية، ويحط من شأن بلده! لكن وعياً جديداً ظهر في الافق سيقضي على الوعي الدونيّ والمستلب الذي ينظر لنفسه بدونية امام الاخر..

إقرأ ايضا: الإنتخابات العراقيّة ومفاجأة «طفرة» الصّدريين!

من هنا تبدو مشكلة السيد مقتدى الصدر انه رجل ليس صديقاً لاميركا، وليس عدواً لايران ولا موالياً لها، وهذه المشكلة أثبتت غباء السياسي الايراني، وعدم قدرته على تفهم الاستقلالية الوطنية في العراق، انه مثل السياسي الاميركي تماما، فأما ان تكون معي او ضدي ولا قيمة للقرار الوطني.

السابق
كامل قيادات حزب الله على لائحة العقوبات وسط صمت لبناني
التالي
احتجاجات في ساحة رياض الصلح