سيمون عبد المسيح: ميزانية المدرسة الرسمية لا تكفي فاتورة للمولد الكهربائي!

قدم الدكتور سيمون عبد المسيح في مقابلته لمجلة "شؤون جنوبية" مطالعة شاملة حول القطاع التربوي في لبنان والتغييرات التي طرأت عليه وادت الى تراجعه بفعل الاحداث والحروب التي عصفت في البلد، وراى ان غياب الدراسات التي تستند الى الارقام والاحصاءات التي تساهم في وضع الخطط التربوية، يؤثر سلباً في عملية النهوض بقطاع التربية والتعليم كمرفق اساسي لتطوير المجتمع اللبناني.

عبد المسيح قال” كنت اسعى في اخر مراحل التعليم الرسمي ان آخذ قضية التعليم الرسمي كقضية تستحق النضال من اجلها، كون هذا التعليم هو الملاذ الوحيد للطبقات الاجتماعية المتوسطة واالفقيرة كي تعلم اولادها فالتعليم الخاص بات يشكل عبئا اقتصاديا لارتفاع الاقساط المدرسية”.

أسبقية الخاص على الرسمي

واذ راى ان الكثير من الدراسات تناولت موضوع المدرسة الرسمية والخاصة ولكن بالاساس هناك اسبقية للتعليم الخاص على التعليم الرسمي، وأشار “انه بعد الحرب حصلت تطورات لصالح القطاع الخاص في التعليم، وأن ما نسبته 65% من التلاميذ اللبناني هم في القطاع الخاص و35% هم في القطاع الرسمي، وهذا نتج عن عاملين الاول هو دمار المدرسة الرسمية خلال الحرب، حيث تحولت في كثير من الاحيان الى ثكنات عسكرية وامكنة للصراع المسلح واحيانا اخرى الى مركز لايواء المهجرين او الذين تدمرت بيوتهم، وكذلك التسيب الاداري ومشكلات في البنية الادارية والاكاديمية التي كانت تزود التعليم الرسمي بالكادرات التعليمية”.

اقرأ أيضاً: حسن عزالدين: السلطة منحازة للتعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي

الخطة الاستراتيجية الوطنية

وأضاف عبد المسيح “كلية التربية هي الاكاديمية التي كانت تزود التعليم الرسمي بالكادرات التعليمية وفق النظام القديم اي نظام الخمس سنوات لاعداد الطالب-الاستاذ، حيث كان يتم اختيار افضل القدرات والكفاءات، ولغاية منتصف السبعينات شكل هؤلاء الخريجون ثورة في قطاع التعليم، وحققوا اسبقية للمدرسة الثانوية على القطاع الخاص”.

عبد المسيح اشار الى انه لا يملك تفاصيل حول مضمون الخطة الاستراتيجية الوطنية للتعليم ولكن ” خلال السنوات الاخيرة تطورت شبكة المدارس الخاصة في بعض المناطق في حين تضاءلت القوى التي تطالب بتطوير المدرسة الرسمية، وما نشهده اليوم من تراجع نلحظ معه ان القطاع الرسمي لا يتمتع بقوى اجتماعية وسياسية داعمة”.

اما فيما خص “عملية تجديد وتطوير المناهج التربوية التي انطلقت في العام 1997، وكان قد مر فترة طويلة على المناهج التي وضعت عام 1968و1971، وبالتالي تطورت المعرفة العلمية والبحث التربوي وتغيرت ذهنية الطالب، ولاول مرة تم وضع بنية جديدة للمناهج شملت مبادىء جديدة في التعليم ورؤية خاصة لتكوين الفرد والمواطن فوضعت مجموعة اهداف مرتبطة بشكل او بآخر بفلسفة النظام السياسي التي نتجت عن وثيقة الوفاق الوطنية، اما القضايا التي طرحت فهي تتعلق بالهوية والخيارات الكبرى للبنان وبتبنيه لحقوق الانسان، وهو عضو فاعل في الجامعة العربية ومؤسس فيها وعضو ايضا في الامم المتحدة وملتزم بالمواثيق الدولية، والاهم ان هذه المناهج سعت الى تحقيق التوازن بين الانتماء العربي والانفتاح على الثقافات، واحترام الاديان والقيم الدينية، وطبعا كل ذلك شكل جزءا من الاهداف العامة”، واضاف عبد المسيح “كذلك الحال بالنسبة للمواد فهناك هدف لكل مادة على مستوى المراحل وعلى مستوى االاهداف اليومية السلوكية، وبالتالي اصبح لدينا منهج يتجاوز ال800 صفحة تضاف اليه كل الحيثيات والتغييرات التي حصلت بين العام 1994 و1997”.

ولكن مشكلة بقيت عالقة هي مشكلة مادة التاريخ وهي مادة “مهمة ومركزية في تكوين المواطن وتربيته على المواطنية الديمقراطية، صدر موقف ولكنه اجهض نتيجة عدم الانسجام بين رئيس المركز انذاك ووزير التربية، ولكن التطور الاساسي كان في كيفية تحويل الاستاذ الى حامل للمعرفة ينقلها الى التلميذ، وهنا جرى العمل على التركيز لجعل الطالب غير سلبي بمعنى متلقي ومستمع فحسب بل هو يشارك في بناء معرفته، والكتب المدرسية ذهبت بهذا الاتجاه”.

ولكن عندما جرى تطبيق هذه المناهج تبين ان “المشكلة في طريقة اعداد المعلم، ايضا هناك وجهة نظر تقول ان المناهج الجديدة وكثافتها ووضعية التجهيزات وحشد المواد وضغط الامتحانات الرسمية، كل ذلك شكل عائقا امام تطبيق المناهج الجديدة، بالرغم ان هناك واحات طورت نفسها بشكل جيد”.

وأكد عبد المسيح انه “في كل جانب من القطاع التربوي نحتاج الى معطيات وارقام لبناء الاستنتاج والرأي، هناك درجات ووظائف محددة لكل مرحلة تعليمية، خلال الحرب الاهلية كليات الاداب والعلوم تحولت الى الاعداد الاكاديمي فكل حامل لاجازة طبعا بحسب حاجات وزارة التربية ان يتقدم بطلب تعاقد بالساعة، ومع مرور السنين تراكم عدد المتعاقدين ولتثبيتهم جرى اعتماد صيغة الامتحانات المحصورة، وهنا تحول التعاقد الى وسيلة بيد السياسيين فكل سياسي في منطقته قادر ان يتدخل وتصبح السياسة في صلب عملية تعيين الاستاذ وتثبيته، ضمن اطار تبادل الخدمات بين الزعيم ورعاياه”.

ولعل المشكلة الابرز في قطاع التعليم الرسمي هي “في التأسيس فالثانوية الرسمية لا تزال تحافظ على جزء من جودتها التي تعود الى ما قبل الحرب وانما المشكلة الاساسية في التعليم الرسمي والتي تدفع الاهل الى ارسال اولادهم الى المدرسة الخاصة هي على مستوى روضة الاطفال والحلقتين الاولى والثانية وحتى الحلقة الثالثة هي قضية اللغات، لذلك طالبنا وزارة التربية بتفعيل وتطوير اللغات الاجنبية”.

شؤون جنوبية

لا للتعاقد

واذا كانت الادارة لديها نية حقيقية بتطوير القطاع التربوي الرسمي يجب التوقف عن التعاقد “الكيفي والعشوائي خاصة في المدرسة الابتدائية، لان خريجي كلية التربية يستفيد منهم القطاع الخاص، فنحن نخرج مجموعة اساتذة في اللغات العربية والاجنبية والعلوم والرياضيات والاجتماعيات والروضة، وايضا طلاب فنون ورياضة والدولة غير ملزمة بتوظيفهم ولكن اذا فتح المجال لهم تدريجيا امام التعليم الرسمي سيحسن وضع التعليم الاساسي الرسمي ونحن نطالب بذلك في كل مناسبة وبحضور وزير التربية، لان ذلك سيساهم بشكل كبير في اصلاح القطاع الرسمي على مستوى التعليم الأساسي”.

أهمية الإحصاءات

ولفت عبد المسيح الى ضرورة وضع الاحصاءات والارقام التي تصدر من قبل المركز التربوي حول اعداد التلامذة والاساتذة والحاجات، كما ودراسة التطور السكاني لانها تساهم بشكل كبير في استشراف الحاجات ووضع الخطط التربوية، فانطلاقا من هذه الدراسات يتحدد كيفية تطوير القطاع التربوي وسد حاجاته، وارى انه اليوم لا يمكن لاي مجتمع ان يكون غير منظم بشكل عقلاني، وللاسف نحن لا نملك اي احصاءات حول عملية النمو السكاني وتطور حركة التعليم، في فترة من الفترات صدر قرار بعدم احقية اي استاذ في التعليم ما لم يكن يملك اجازة جامعية، بالرغم من ان المفهوم السائد ان معلمي الروضات والابتدائي لا يستدعي حيازتهم اجازة وارى ان هؤلاء يحتاجون الى كفاءة متساوية وهم يبذلون جهدا اكبر، واعتقد ان هذا المستوى من التنظيم سيشكل عائقا امام الزبائنية السياسية ولن يعود هناك امكانية ان تتدخل المحسوبيات”.

عبد المسيح تحدث عن مشاكل كثيرة تعاني منها المدرسة الرسمية ففي “ظل المديونية العامة، وفي ظل تخصيص موازنة 15% تسيير والباقي رواتب موظفين واساتذة، هذه الموازنة لا تكفي لتصليح مولدا كهربائيا في المدرسة، فمشاكل التجهيز والابنية لا يمكن التغاضي عنها وصولا الى المختبر”.

اقرأ أيضاً: نزيه الجباوي: لتعويض المتقاعدين بأساتذة جدد من كلية التربية

الجودة تسكن في مؤسسة

عبد المسيح اشار ايضا الى “تراجع مفهوم ان تقوم الدولة بكل شيء للمدرسة الرسمية بعد ان كان عرفا سائداً في العالم وبالتالي اعطي للمجتمع المحلي دورا كبيرا، فإذا تأمنت ادارة ومدير جيد يتحقق ما يسمى النوعية في التعليم، لذلك اقول ان الجودة تسكن في مؤسسة، فهذا المجتمع المحلي والمؤسسات التي نتجت عنه من بلدية واندية ومؤسسات مجتمع مدني وهل هي تنتسب سوسيولوجيا الى طبقة اجتماعية تريد او من مصلحتها الابقاء على المدرسة الرسمية كمكان لتربية منفتحة ووطنية؟ ولا تملك المنهج الخفي الذي بظاهره يبدو رسميا ولكن ضمنيا يتم تشريب قيم وصور نمطية عن الاخر المغاير او المختلف حتى انه يحكى عن مؤسسات تربوية رسمية مغلقة امام فئات اجتماعية اخرى من ضمن النسيج الاجتماعي ذاته”.

النزوح السوري والتعليم

وحول مشكلة النازحين السوريين وتعليمهم ضمن المدرسة الرسمية هناك “تقارير دولية تصدر حول هذا الموضوع، والنظام التربوي اللبناني امام خيارات محددة لان عدم تعليم هؤلاء الطلاب سينتج عنه بيئة خطيرة لابقاء الالاف منهم خارج المدرسة، ولكن كيف يتم ذلك وما هي الالية المتبعة ؟ راى عبد المسيح ان “الموضوع يتعلق ايضا بلبنان وموقعه ونظرة المجتمع الدولي اليه وعدم اتهامه بالعنصرية والتمييزضمن المقاربات التي تضعها المنظمات الدولية والدول الداعمة لهؤلاء اللاجئين، ولا يخفى ان هم هذه الدول ابقاؤهم في لبنان، لضمان عدم ذهابهم الى اماكن محددة وما يولده انتشارهم من مشكلات وازمات اجتماعية واقتصادية، ومن الممكن ايضا انه جرى تسيير جزء من النظام التربوي اللبناني والاستفادة من التقديمات المخصصة لهؤلاء النازحين في دعم المدرسة الرسمية في جوانب معينة والاهم تشغيل مئات الاساتذة”.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 167 ربيع 2018)

السابق
برج خليفة يدخل موسوعة غينيس بأضخم عرض ليزر
التالي
من سينوب عن برّي برئاسة المجلس: عوني أم قواتي أم فرزلي؟