هذه الانتخابات باطلة

عندما تكون الانتخابات في إشراف طرفٍ غير حياديّ، لا يُعقَل أن تكون حيادية وعادلة. إنها معادلةٌ منطقية غير قابلة للتشكيك. كأنْ تُحكّم السيّد بالمسود، كي لا أقول المسلّح بالأعزل، والقاتل بالقتيل.
الانتخابات الحيادية العادلة يقترن فيها النظري بالعملي، فلا يكون معمولاً بالمبدأ، لفظاً وشكلاً فحسب، بل يتعدّاه إلى التنفيذ. هكذا، يبطل الحياد والعدل في التنفيذ عندما يكون “المنفِّذ” جزءاً من العملية الانتخابية، وذا مصلحة مباشرة وفئوية فيها.
هكذا، تالياً، لا يستطيع الرئيس، وهو “أبو اللبنانيين”، وحامي الدستور، أن يكون حيادياً، إذا كان قد أراد لنفسه أن يكون طرفاً، بدعوته إلى التصويت لـ”العهد” وانتخاب مريديه.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» الإقليمي لم يحْسم خيارَه بعد من عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة أو… إقصائه

هكذا أيضاً، لا يستطيع رئيس الحكومة أن يكون حيادياً في الانتخابات، إذا كان قد أراد لنفسه أن يكون طرفاً، بترشّحه شخصياً إليها.
تتخذ المسألة بعداً “تنفيذياً” من شأنه إطاحة المعادلات، عندما يكون وزير العدل في الحكومة المشرفة على الانتخابات، طرفاً سياسياً فاعلاً وأساسياً فيها، وذا مصلحة مباشرة في إنجاح فريق، وعندما يكون وزير الداخلية طرفاً سياسياً فاعلاً وأساسياً في الحكومة، وذا مصلحة في إنجاح فريقه وحليفه. فكيف إذا كان مرشحاً؟!
هذا البعد “التنفيذي” يطيح المعادلات أيضاً، عندما يتولّى طرفٌ سياسيّ، هو وزير الخارجية، تنظيم اقتراع المغتربين، بالتكافل والتضامن مع وزارة الداخلية. فكيف إذا كان هذا الوزير مرشّحاً ورئيس تيّار؟!
في المجمل، يبطل الحياد والعدل بطلاناً جوهرياً عندما القوى الممثَّلة في الحكومة تمثّل أطرافاً منخرطين حتى العظم في العملية الانتخابية. فكيف إذا كان ثمّة في الحكومة فريقٌ سياسيّ، مذهبيّ، يملك سلاحاً، دون غيره من الأفرقاء، يمنحه ما ليس ممنوحاً لسواه، ولا حتى للدولة نفسها؟!
والحال هذه، كيف يزعم أيٌّ كان (وخصوصاً هيئة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي)، نزاهةً هي باطلة، حكماً وفي الأساس، وأن يمنح شرعيةً دستورية وقانونية وشعبية، لمنتخَبين مشكوكٍ في صحة انتخابهم وفي عدالة هذا الانتخاب؟!
لقد كنتُ من الداعين الشرسين واللجوجين إلى المشاركة في الانتخاب، على رغم ما يعتور القانون وتنفيذه من شوائب وانتهاكات وارتكابات. هذا، من شأنه أن يزيدني شراسة ولجاجة في فضح التدخل واللاعدل، وفي إشهار عدم الحياد، وتأكيد البطلان.
هل من حقّ أحدٍ، وزير الداخلية، ووزير العدل، أن ينطقا بكلامٍ يقول بنزاهة هذه الانتخابات انطلاقاً من المعطيات الآنفة، فيقع كلامهما في ما يتناقض مع الواقع؟
قد لا أستطيع شخصياً تقديم أيّ إثباتٍ عملاني، على رغم الانتهاكات العلنية المشهودة (7000 انتهاك وفق هيئة مراقبة الانتخابات!) التي اغتصبت نزاهة الانتخابات، وديموقراطيتها، وعدالتها، وحياديتها، وأكدت حصول التدخل والتزوير والتلاعب والرشوة وفائض المال والضغط والترهيب المادي والمعنوي فيها.
لكني أسأل، كيف يقبل قاضٍ في غرفة فرزٍ برئاسته، كان أقسم يميناً معظّمة بأن “يقضي” بالعدل، وأن يكون نزيهاً، بأن “يُطرَد” من “الغرفة”، كلّ المندوبين والمرشحين والمراقبين، فلا يبقى فيها إلاّ جحا وأهل بيته؟ ألا يكفي هذا لينهض دليلاً على عدم الحياد، والبطلان؟! فكيف إذا كان المسؤول قاضياً؟!
والحال هذه، أليست الانتخابات كلّها باطلة؟!

السابق
أين تقع «نكبة» 48؟
التالي
مأساة لبنان: هذا ما يعنيه الانفصال عن نظام المصالح العربي