مشكلة لبنان سعد الحريري

انتهتْ مشاكل لبنان كلّها وباتتْ محصورةً في حيّزٍ ضيّقٍ اسمُه سعد الحريري. فالرجل يبدو عقبةً أكثر من أيّ وقت مضى ولذلك وجب التصويب عليه في كل ما يفعل ويقول.

واعترافاً بالتوجهات الزاحِفة على المؤسسات من باب التوصيف، وهي في غالبها استحضارية لمشهدية ما قبل اغتيال الشهيد الرفيق، فإن السلوك الذي يقوم به الشيخ سعد، بما في ذلك الإنساني العفوي، مطلوبٌ أن يوضع تحت المجهر ويُكبَّر إعلامياً وسياسياً كي يَظْهَرَ نافراً مُتعارِضاً مع السياق العام الذي تمّ فرْضه سابقاً بالسلاح والترهيب والتخوين والإلغاء … وهو السياقُ العائدُ بقوّة.

لا مشكلة سلاحٍ فالِت في لبنان اليوم بل مشكلة “سيلفي” بين سعد الحريري ومحبّيه.

لا زعران في لبنان يَغْزون الشوارع بالأعلام والأسلحة مُشْعِلين أَقْذَرَ جوٍّ انقسامي طائفي، بل مشكلة رجلٍ وقف بعد الانتخابات راضياً بقسمة نتائجها مكرراً خطابه عن التسوية والتوافق والوحدة والتلاقي لإدارة البلد.

لا مشكلة في حمْل الأحياء والأموات من صناديق “التكليف” الى صناديق الاقتراع ومن ثم حراستها بالقذائف الصاروخية وحمايتها باعتداء “الأهالي” على المرشّحين المعارضين … بل مشكلة رئيس تيارٍ توقّف عند تجربةٍ سياسية، ووقَف على مكامن الخطأ، وحاول تصحيحه بإجراءاتٍ مثل النقل والندب وتغيير وجوه وإعطاء فرصة لطاقاتٍ جديدة.

لا مشكلة خطاب عصبيات وتهديدات في لبنان. لا مشكلة في عودة الودائع السورية الى المؤسسة التشريعية عبر واجهاتٍ تَعرف هي قبل غيرها أن أقصى طموحها ان يستقبلها رئيس الاستخبارت السورية علي المملوك أو نائبه. لا مشكلة في عودة لغة “الصرامي” في التعامل مع مُخالِفي الرأي استناداً الى نصيحة غالية وتاريخية وجّهها حافظ الأسد قبل ان يموت لفريق إميل لحود. لا مشكلة في عودة فِرَق التطرّف السني الى البرلمان محمولةً على ظهْر التطرّف الشيعي كي تُستخدم “وقت الحشْرة” كما حصل في اشتباكات بيروت بين “الأحباش” و”حزب الله” قبل أعوام … المشكلة في مَن يصافح الناس كواحدٍ منهم ويصفّق مع تصفيقهم ويعتلي الكراسي مغنياً مع أغانيهم. المشكلة في مَن يصرّ على عبور الطوائف سياسياً واجتماعياً أملاً في جيلٍ سياسي جديد. في مّن يردّ على الحملات بلغةٍ تُشْبِهُه لا بلغةٍ تُشْبِهُ ما رآه جميع اللبنانيين قبل الانتخابات وبعدها. المشكلة في مَن يرفع يده للسلام لا للتهديد، وفي مَن يرْفع إصبعه محذّراً من الخطر على البلد، كل البلد، لا في مَن يرْفع إصبعه ليستقوي على البلد.

إقرأ أيضاً: استقالة نادر الحريري وحل المنسقيات: تيار المستقبل نحو «مستقبل» جديد!

لا مشكلة ربْطٍ للبنان بخطّ إقليمي حَبْلُهُ العلني في طهران وقدَماه تموجان في بحر غزة ويداه تمتدّان فوق سماء الخليج. لا مشكلة في هدْم علاقات لبنان بأشقائه. في الانحياز الى المحور الإيراني. في تهجير اللبنانيين من أماكن رزقهم. في إدخال السلاح الى الكويت والبحرين واليمن وجنوب المغرب. في مشاركة بشار الأسد جريمة إبادة السوريين … بل مشكلة رئيس حكومة يجوب العالم بحثاً عن دعْم مالي لبلده مربوطاً بإصلاحات حقيقية في ملفات الإدارة والمشاريع والتنمية. مشكلة رجل دولةٍ يزور الدولَ التي كانت على قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ إجراءاتٍ ضدّ اللبنانيين لإقناعها بوقْف القرار وفصْل المسارات بين مَن تَجاوَز حدودَه كطرفٍ سياسي وبين عموم اللبنانيين العاملين

تحت سقف القانون، ومشكلة مسؤول يُدْرِك أن علاقات لبنان بدول الخليج هي جزء من الأمن القومي للبلد لا جزء من أوراق التصادُم أو التصالُح مع إيران.

مشكلة لبنان فعلياً هي سعد الحريري. كيف خسر مقعداً هنا وربح مقعداً هناك؟ لماذا لم يغيّر من قناعاته بأسلوب إدارة البلد رغم كل الضغط الإقليمي والخارجي عليه؟ لماذا غيّر السكسوكة الى اللحية الخفيفة أو زادتْ لكْنتُه الصيداوية في بعض الخطابات؟ كيف لم يعرف أن سعر ربطة الخبز 1500 ليرة؟ لماذا قال بعد نتائج الانتخابات إنه لا يَنْكسر؟ … والأهمّ طبعاً أمّ المشاكل أو قصة المراجعات التي أجراها في تياره وتختلف عما هو سائد في الأحزاب الشمولية.

إقرا أيضاً: ما من «تكليف شرعي» في المستقبل: الجمهور يطالب بالمحاسبة.. والحريري يستجيب!

باختصار، مشكلة لبنان معروفة، سببُها هيمنةُ “وكيلِ” الممانعة مع “ودائعه” على غالبية المقدّرات السياسية، ومشكلة هذا الوكيل أن الناس تحب سعد الحريري بعفويّته وتلقائيّته وعاطفته وأخطائه وخسارته وربْحه. .. والأهم لمقاومته الدائمة إسقاط البلد نهائياً في يد المرشد.

السابق
مؤتمر الفلسطينيين والسوريين في لبنان.. والتوطين المستحيل
التالي
«موجودين» لم تلتزم الصمت الانتخابي