مؤتمر الفلسطينيين والسوريين في لبنان.. والتوطين المستحيل

رفض عدد من الحاضرين العودة الى فلسطين، وطالب عدد آخر بالجنسية اللبنانية، المطلب الاول مستغرب والمطلب الثاني محق بعد سبعة عقود من التهجير. هذا على صعيد الفلسطينيين، اما ان يطالب الجار السوري النازح بحقوقه السياسية فهو الامر الاكثر غرابة.

للمرة الأولى في حياتي أسمع ان فلسطينيا لا يريد ولا يطمح ولا يرغب بالعودة الى فلسطين عند تحررها من أيدي العدو الصهيوني. كان هذا الموقف صادما بالنسبة لي، نتيجة معرفتي الشديدة بعدد من الفلسطينيين الذين يحلمون دوما بالعودة، والذين سقط ويسقط منهم يوميا عشرات الشهداء.

إقرأ أيضا: البطريرك والملك: اللاجئون والحوار والإسلاموفوبيا بينهما

واللافت ان هذا الكلام، جاء خلال مؤتمر عقدته مؤخرا “أمم للتوثيق” في بيروت، تحت عنوان “على الرحب والسعة: لبنان في لاجئيه وما يعادلهم” بمشاركة لبنانية قليلة نسبيا مقارنة بعدد المشاركين السوريين والفلسطينيين.

هذا الكلام الصادر عن بعض المشاركين الفلسطينيين ذكرني بتحقيق كلفتُ به من لصالح جريدة “النهار” حول حقيقة الرغبة الدفينة لدى الفلسطينيين بالتجنيس. وكان جواب كل من قابلتهم من سكان مخيم برج البراجنة هو الرفض التام للتوطين والتأييد التام للعودة. ولكن ثمة من اعتبر في الجريدة ان ثمة تكاذب شعبي في هذا الإطار، خاصة على صعيد النتائج التي وصل إليها التحقيق.

وقد توصلت حينها الى قناعة تقول ان نيلهم الجنسية اللبنانية لا يمنعهم من العودة عند تحرير الارض، وان كان لا بد، فلتكن من خلال نيلهم حقوقهم المدنية من اجل حل انساني مؤقت لأزمة شعب يسعى للعيش بكرامة.

والمفاجأة الاكبر في المؤتمر، هي في مطالبة السوريين النازحين الى لبنان، بما اسموه “المشاركة السياسية” في لبنان، واعتراضهم على القراراللبناني بعدم السماح لهم كنازحين بأي عمل سياسي او حزبي.

وكأن لبنان بحاجة الى مزيد من الانقسامات الداخلية، ليُصار الى السماح للنازحين السوريين بممارسة العمل السياسي. فهل ان الدول الاوروبية او العربية او الاسلامية التي تقبل اللاجئين السوريين او الفلسطينيين على ارضها تسمح لهم بممارسة العمل السياسي.

وما لفتني هو الكم الكبير من المطالب من حكومة لبنان، وأولها ادانة العنصرية اللبنانية اتجاه النازحين.

لكن ما صوّب النقاش كلام لمديرعام “أمم”، لقمان سليم، من ان الارمن حين دخولهم الى لبنان مع بدايات القرن الماضي، واجههم المسيحيون اللبنانيون اولا، وبشكل كبير حتى لا يأخذوا حصصهم في السلطة منهم. مما أوجب ايجاد مناصب ومواقع ومقاعد رسمية باسم الارمن الارثوذكس والارمن الكاثوليك.

ففما يعرف يـ”العنصرية اللبنانية” ليست ناتجة عن رفض للسوري بقدر ما انها ناتجة عن خوف من تقاسم الحصص التي هي قوة لكل طائفة.

لقمان سليم

وما يعانيه اللاجئ الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود، يدفع الى المطالبة له بحقوق وبدعمه لتأمين حقوقه المدنية التي حرم منها كالعمل والسفر والعودة والتنقل والغاء المخيمات وتحويلها الى اماكن سكن مختلطة، غير محاصرة بالباطون.

ان يطالب الفلسطيني الذي هُجّر من أرضه، منذ 70 عاما، وبات تحت رحمة مفوضية شؤون اللاجئين، والاونروا، أمر يقبله العقل، لكن ان يطالب السوري الذي يعاني من سنوات سبع من ازمة طالت لبنان قبله، ولعقدين من الزمن، يُعد امرا مستغربا.

واللافت، ان اللبنانيين أنفسهم يعيشون معاناتهم الكبرى جراء البطالة والفساد السياسي والاداري والمشاحنات السياسية بين الاحزاب، اضافة الى صغر مساحة لبنان، وضعف موارده، والاعتماد على المحيط الخليجي وعلى المغتربين، من اجل تحريك عجلة الاقتصاد، فيأتي الاخوة العرب ليطالبوا بحقوق لم ينلها اللبناني حتى اليوم في بلده، بل ان معظم اللبنانيين يحلمون بجنسية تحميهم من كل هذه الافات، وباتوا منتشرين ومغتربين في اصقاع الارض.

وقد وكان لافتا بعض التوصيات التي صدرت عن المؤتمر، والتي جاء بعضها ليقول: “السعي الى القيام بعمليات مناصرة والدفاع للاعتراف للسوريين والسوريات بالمشاركة االسياسية طلبا للأمن والأمان في لبنان”.

إقرأ ايضا: أزمة «الأونروا».. لفرض توطين الفلسطينيين كأمر واقع

وختاما، لم يركز الحاضرون على الهموم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعانيها المواطنون اللبنانيون، بل كانت كل المطالبات تتركز على اللاجئ السوري وحقوقه السياسية والمدنية، ومطالبة الفلسطينيين المشاركين بالجنسية اللبنانية، ورفض فرض حق العودة، بل جعل الامر اختياريا، لدرجة ان البعض يرفضها كليّا، مع عدم تأييد استمرار الدفاع لاستعادة الارض.

فيا ايها النابذون لحق العودة الى فلسطين اجتمع اليهود من اصقاع الارض عليكم، ويا ايها السوريون اجتمعت جيوش الارض لخراب بلدكم، فانتبهوا. ونحن اللبنانيين كنا قد سبقناكم الى هذه المأساة.

السابق
موكب غريب جداً لسيارات «جيب ويلز» في كولومبيا
التالي
مشكلة لبنان سعد الحريري