القوات و الحزب و المواجهة الإقليمية

الانتخابات النيابية اللبنانية 2018
كثيراً ما يطلب من المحللين السياسين والكتاب الصحافين أن يلخصوا مساراً طويلاً من الأحداث في جملة واحدة. بالنسبة لهذا المسار الذي هو الإنتخابات النيابية اللبنانية هاكم الجملة التي تم إستخدامها من قبل كثيرين وفيها "لقد اتبع التاريخ السياسي في لبنان مسارات مختلفة تتطابق مع وجود شعب مختلف أصلا بســـبب الفروقات الواضحة بين بيئاته، وليس بسبب الفروقات البيولوجية التي بين هذا الشعب ذاته"

لقد قدم المتخصصون سريعاً جواباً مبسطاً عما نتج عن الإنتخابات الأخيرة لا يصلح تماماً لأن يكون قاعدة للفهم الكلي على الرغم من الحتمية المستخدمة في النص والتي تنبئ القارئ بأن لا مجال فيه للنقض. جواب أقرب لأن يكون توصيف فيه تفصيل وتمحيص وتحليل يروي قصة من ربح ومن خسر ومن تقلصت حصته ومن زادت ، تقابلها آخرى مناقضة لها تتحدث عن إنكارات تدعي أن ما قدم من دراسات يعاني من أخطاء ونقص..

الوقت الآن مناسب أكثر من اي وقت مضى لإلقاء نظرة جديدة على هذه الأسئلة المتعلقة بالإنتخابات والإجابة عنها بعقل بارد خصوصاً بعدما وردت وتراكمت معلومات جديدة علمية بعيدة عن السطحية تتصل و تستند إلى دراسات تعنى بجينات قادة الأحزاب والتيارات وجغرافيتها البيئية والبيولوجية و وظيفتها الفسيولوجية وعلم الوراثة واللغة المستخدمة وسبل التواصل والإتصال وفعل الترقي والتطور الملازم للأحياء كما للأموات عدا عن القدرة على المزج بين القبل والآن والغد واعتماد التدرج لتجنب الخلط والوصول بسلاسة إلى الفهم ومن ثم الى الكتابة الفصل..

القوات اللبنانية بعد الإنتخابات النيابية هي غير ما قبلها. وعدد نوابها الفائزين بالمقاعد النيابية لم يأتِ بالدعاء أو من فراغ ولا كانت النتيجة المحققة محض صدفة أتت بسحر ساحر ولا هي ترجمة لكلام تنبأ به علماء فلك منجمون. الدعم الظاهر و الإستثمار المستتر كان على أحسن صورة و أفضل ما يمكن له ان يكون، وما أنتزعته القوات من مقاعد لهو حق لا ينكره عليها أحد، لكنه اتى على حساب العلاقة مع الرئيس الحريري الذي خسر في وقت سابق دعماً إقليمياً أسهمت القوات كما يؤكد كثيرون في حصوله عبر عملية تضليل محنكة ضد حليفها، استنهضت لأجلها مهارات وإستراتيجيات وتكتيكات ما زالت تحتفظ بها وبشخصياتها، وتصلح بعد إدخال بعض التعديلات عليها للإستخدام في المرحلة المقبلة العامرة بالاحداث و تتوافق مع طموحات دول لها مصالحها المستقبلية وتأمل أي القوات أن تستفيد منها لأجل تحقيق طموحاتها (المشروعة) تلك التي رفض الإنخراط بها عن وعي الرئيس الحريري وآخرين. .

القوات تعتبر أن خطتها ستكون هذه المرة ذكية. إذ أن اي محاولة للمس فيها أو لمهاجمتها سيقابل بتهمة الإرهاب. ذلك أن المواجهة في لبنان بعد إتخاذ هذا القرار لن تندرج تحت مسمى الصراع السني– الشيعي المعتاد عليه و المعتمد في المنطقة منذ زمان..

إقرأ أيضاً: القانون النسبي يصادر ثلث كتلة المستقبل النيابية: تقصير أم تقاعس؟

خيار المواجهة المباشرة هذا لن تقبل به الدول الراعية للوجود المسيحي في الشرق، ويقيناً لن ترضى عنه المرجعية الدينية التي ترفض كما دوماً أي محاولة للإنخراط فيه أو الإنجراف معه والغرق في بحر دمه ولا يمكن أن تقبل به أو بحصوله لأنه ببساطة يهدد الوجود المسيحي و يتسبب بمواجهة أقل ما يقال عنها انها شبيهة بالتهجير الذي حصل خلال أعوام الحرب وامتد إلى ما بعدها. المواجهة التي نحن بصددها هنا لن تكون تحت سقف لا غالب ولا مغلوب بل ستقضي نظراً للمتقابلين فيها إلى ربح مكلف أو خسارة فادحة . هي مغامرة جديدة لن تنجح إلا في أن تكون ورقة ضغط تفيد صاحبها أثناء تشكيل الحكومة وتقربه بحسب إعتقاده من الوصول إلى سدة الرئاسة التي هي بمنطق السياسة حقه. خيار خطير أيقن من خاض غماره قبلاً أن من أدخله فيه جعله في دوامة لا يقوى على الخروج منها إلا بتسوية تجعل منه في احسن الأحوال طرف لا يمكنه التفلت من مصير سيكتب له عند التوصل إلى حل..

مفاجاة الحريري الإنتخابية وبقاؤه على قيد الحياة السياسية كانت واحدة من أفضل وسائل المواجهة. وتهنئة الدول المتقدمة لرئاسة الجمهورية والحكومة وتحريضها لهم لتحقيق المزيد من الإصلاحات والتماسك والتفاهم والتنازل عن الأنا لصالح ال نحن الوطنية كانت بمثابة الخيار الأصلح لقيام الدولة العادلة و القادرة والمستقلة. مفاجأة يعتبرها الرئيس الحريري مناسبة لإطلاق تحالف وطني عريض يمكن له ان يحقق إنجازات لعل أولها و أهمها دعوته لحماية الدولة و المؤسسات من التدخلات ومن الإرتدادات المتوقعة نتيجة الإصطفافات العامودية الحاصلة بين المحاور المتناحرة المتقاتلة الساعية إلى تسجيل نقاط وتحقيق إنتصارات والفوز باهداف لا تؤمنها لها إلى الفوضى ولا يساعدها على تحقيقها إلا الحرب التي يخشى ان يتورط فيها أكثر ويشارك أفرقاء محليين.

إقرأ أيضاً: استقالة نادر الحريري وحل المنسقيات: تيار المستقبل نحو «مستقبل» جديد!

تيار المستقبل كما في حملاته الإنتخابية أعلن أن لا أمل مرجو من التحالف مع من أجندته السياسية خارجية، وأن يده ستبقى ممدودة لمن يريد العمل على زيادة نمو وإستقرار وتطور البلد و هي أمور بالنسبة لسعد الحريري ولتياره السبيل الوحيد للتخلص من السيِء المفروض المرفوض لصالح الخير المختار والامن والأمان الكثير والإزدهار والرفاه المفيد لوطن الكرامة و الشعب العنيد.

هي ليست مجرد شعار من شعارات المواجهة مع الغير. هي وكما يعتبرها الرئيس الحريري تشكل مدخلا إلى تفاهم وطني يسعى ومن معه من الرئاسات إلى تحققه قبل فوات الأوان لكي لا يندم ويندم الشعب اللبناني على مواجهة إن حصلت لن تحقق للبنان واللبنانيين إلا المزيد من التقوقع والتأخر والإنحطاط والإحباط. .

قد تكون للإنتخاب النيابية إعتبارات أخرى غير تلك التي يجب أن تكون عند تشكيل الحكومة. إذ يجب أن لا تكون مهمة تشكيلها بالنسبة للحريري أصعب من الإنتخابات التي نجا منها بأعجوبة على الرغم من الضغوط التي مورست عليه لأن لبنان أولاً وقبل كل شيء ما عاد يحتمل التردد والإهمال ولأن ما يريده شعبه ويصبو إليه هو غير ما يريده بعض الساسة المتضخمة أحجامهم ويطمحون إليه..

السابق
روحاني حمامة سلام!
التالي
جنبلاط: كفى مزايدات وتحريض