محمد مروة: للعودة الى دور المعلمين للنهوض بالتعليم

أمضى الدكتور محمد مروة حياته أستاذاً في ثانوية النبطية الرسمية للبنان وفي جامعات خاصة ولم يستطع العمل في الجامعة اللبنانية لأنه لا يملك واسطة تؤهله لذلك. يحمل مروة شهادة دكتوراه في الأدب العربي ومن واقع الخبرة المديدة في التعليم، كان لشؤون جنوبية هذا اللقاء معه.

بداية يرى مروة أن السلطة اللبنانية ومنذ نشأتها تعاملت بصدق مع التعليم الخاص، “وبرفع عتب مع التعليم الرسمي، لذلك هناك خلل في السياسة التربوية في لبنان، لأننا لو سألنا السياسيين الممسكين بالسلطة، ماذا تريدون من التربية والتعليم لأجابوا: التعليم استثمار غير منتج”.

ويضيف د. مروة: خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ومن خلال إعداد المعلمين بطريقة جيدة في دور المعلمين وكلية التربية، بدأت المدارس تعطي نتائج مهمة، ومنها تخرجت نخب من المواطنين، لكن تطور الوضع السياسي، والحروب الأهلية وتخوف أصحاب المدارس الخاصة، كل ذلك أدى إلى إقفال دور المعلمين، وزاد إهمال التعليم الرسمي في حين شجع قطاع التعليم الخاص. فرأينا كيف أن الطوائف وزعاماتها بنت وعززت مؤسساتها التربوية والتعليمية على حساب التعليم الرسمي”.

اقرأ أيضاً: قاسم: حذار من الخصخصة في القطاع العام لضرب التعليم

ويزيد: الآن لا وجود لسياسة أو مؤسسة لإعداد المعلم الكفوء، المعلمون يتعيّنون بالواسطة، والتعليم سوق مفتوح لتوظيف الأزلام – مثلاً في مهنية النبطية 604 متعاقدين والسؤال كم يبلغ عدد الطلاب؟

الاستثمار في التعليم

وعن أهمية الاستثمار في الإنسان وتعليمه، يروي مروة تجربة سنغافورة التي تحولت خلال عقد من الزمن إلى دولة تنافس الدول الغنية، ويضيف: الاستثمار في العلم والإنسان أهم من الاستثمار للموجود تحت الأرض، مثلاً نيجيريا دولة تملك مواد بترولية كبيرة جداً، لكن السلطة فاسدة والشعب متخلف وهذا يجعلها فريسة للحروب والفتن والفقر. في البلدان المتخلفة ينظرون إلى ما تحت الأرض وهذا ما نشهده في منطقتنا (نفط وغاز) في الوقت الذي تحول تعليم الإنسان إلى الاستثمار الأساس ولدينا مثل بيل غيتس صاحب مايكروسوفت التي تفوق أرباحها أرباح دول الخليج من النفط والسبب أنه استثمر في العلوم وفي الإنسان.

سياسة التعاقد

وعن سياسة التعاقد مع المعلمين يشير مروة إلى أن هذه السياسة، “هي إرضاء للأزلام والتابعين وتزيد من حالة التخلف التي نعيشها وتؤيد تخلف المجتمع”.

السياسة التعليمية البديلة

وعن السياسة التعليمية البديلة يوضح مروة: نحن بحاجة إلى سياسة واضحة وأن لا ننخدع بشعارات المركز التربوي التي تبدأ “بالتربية نبني”. نحن بحاجة إلى إعادة فتح دور المعلمين لتأهيلهم مجدداً، كي لا يبقى تعيين المعلم مرتبط بهاتف من زعيم.

كذلك ضرورة توحيد كتابين، التاريخ والتربية من أجل بناء شعب وليس رعايا طوائف. وأن يبقى التعليم الديني خارج المدارس الرسمية. وأن يتم توزيع المعلمين بشكل عادل وحسب الحاجة، إذ نجد مدارس فيها 40 معلماً و15 تلميذاً. وهناك مدارس تقفل في البلدات المحيطة بالنبطية مثل مدرسة يحمر الشقيف. وهذه المدارس التي تقفل تكون لمصلحة المدارس المذهبية، وحتى في مدينة النبطية، ولولا التلاميذ السوريين لأقفلت مدارس رسمية عدة.

مناهج 1997

وعن المناهج التي أقرتها وزارة التربية عام 1997، يوضح مروة: مدة هذه المناهج خمس سنوات، ولكن للأسف وبعد مرور عشرين عاماً عليها لم يجر أي تقويم فعلي. حتى الكتب التي توزع على التلاميذ لم يجر تقويم الموضوعات التي تحويها الكتب وأعطي مثلاً هنا، كتب الأدب العربي، فارغة لا تمت للأدب بصلة، والشاعر الكبير المتنبي يحتل أربع صفحات فقط في كتاب الأدب الصادر عن المركز التربوي وفي كتب أخرى نجد كتابات بسيطة سردية، لا تحليل فعلي لها.

التربية والتعليم في الموازنة

ويشير مروة إلى تدني حصة وزارة التربية من الموازنة العامة. ويوضح: هناك من يسعى إلى إنهاء التعليم الرسمي، من خلال إفراغ المدارس من تلاميذتها ويبقى الأزلام موظفين من دون عمل، واليوم هناك من يطالب الدولة بمساعدة المدارس الخاصة لدفع رواتب موظفيها بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وأعتقد أنه بعد سنوات لن يجد أبناء الفقراء مكاناً لهم للتعلم، ويبقى التعليم حكراً على أصحاب النفوذ والمال.

شؤون جنوبية

إصلاح سياسي أم تعليمي

ويجزم مروة بأولوية الإصلاح السياسي عند كل الشعوب ويقول: عند كل الأمم والدول يبدأ الإصلاح على الصعيد السياسي ثم ينعكس ذلك على كل القطاعات. لكن لبنان يشكل حالة فريدة، فالفساد هو نظام بدأ من القمة ووصل إلى القاعدة، والإصلاح مستحيل برأيي لأن الفساد القاعدي محمي من فساد أقوى منه من فوق. وهنا لا أرى أي دور للبلديات، السلطة فاسدة وبلدياتنا من إنتاج هذه السلطة الفاسدة وما ينتج عنها فاسد.

ويشير إلى المطالب المزمنة لروابط المعلمين قائلاً: خططهم طموحة تحاول إنقاذ لبنان من الانقسام الطائفي، لكن هذه الخطط اندثرت لأن عقلية “الوالي” والمسؤول عقلية متخلفة لا تهتم بالبشر ولا بالحجر.

التعليم الرسمي بعد الطائف

ويتذكر مروة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ويقول: كانت المدارس معمل ومصنع لإنتاج شعب وطني وحقيقي، لأنها كانت مساحة مشتركة لأبناء كل طوائف والأدباء والطبقات، كانوا يتلقون معلومة تجمع ولا تفرق، كانوا يقرأون في كتاب الوطن. أما اليوم ضاع كل حلم يوحد الشباب، لأن السياسة المتخلفة قضت على أحلام الناشئة.

اقرأ أيضاً: التعليم الرسمي في عهد النازحين السوريين يزداد تسيُّبا

أثر اللجوء السوري

وعن أثر اللجوء السوري على المدارس والتعليم الرسمي، يقول مروة: على الرغم من كل الخطاب التعصبي ضد السوريين فقد استفاد من هذا اللجوء، وخصوصاً في قطاع التعليم، مجموعة من العاملين في الجمعيات والنوادي وبعض من في السلطة. التحق التلاميذ السوريين بعدد من المدارس حيث يتلقون تعليماً سيئاً، لكن وجودهم منفعة للمناصرين والأزلام الذين لا هم لهم سوى الكسب المادي وحتماً لا يهتمون بعقول هؤلاء الأطفال.

وختم مروة حديثه قائلاً: هناك خوف فعلي من إقفال عدد من مدارس في المنطقة، هذا العام أقفلت مدرسة يحمر وهناك مشكلات في مدرسة كفرتبنيت، ويبدو أن هناك اتجاهاً لإقفال مدرسة زوطر الشرقية، أما في النبطية نفسها فأعتقد أن الوضع منهار وإذا كانت ثانوية الصباح صامدة فبسبب جهازها التعليمي فحسب.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 167 ربيع 2018)

السابق
لماذا الانسحاب الأميركي ليس كافيا
التالي
كيدية ما بعد الانتخابات تسيء لجامعة عبد الرحيم مراد