«غرب كنيس دمشق»: محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري (1914 – 1954)

"لا يوجد في حارة اليهود، (في دمشق القديمة) إلاّ كنيس واحد فقط". وهذا الكنيسُ الذي يقع في الحيّ اليهوديّ الدمشقي، هو "كنيس الإفرنج القديم، الذي أسَّستْهُ الجالية اليهودية التي فرَّتْ من الاضطهاد الإسبانيّ بعد سقوط الأندلس، في أواخر القرن الخامس عشر".

وهو الكنيس الذي شكَّل اسمه معظم العنوان الرئيس للبحث الجديد للكاتب والباحث والمؤرِّخ السوري الدكتور سامي مروان مبيض، الذي وُسِمَ كتابه هذا بـ”غَرْبُ كنيس دمشق/ محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري 1914 – 1954″. (من منشورات “دار رياض الريس في بيروت، في طبعة أولى 2018).

اقرأ أيضاً: حسن داوود يرسل روايته «في أثر غيمة»… كأنها المنام!

ويكشف هذا الكتاب عن ماهية المحاولات المذكورة، جملة وتفصيلاً في مقدّمة، وخاتمة، تؤطّران متنه المؤلَّف من المحاور التالية: والبالغة اثنين وعشرين محوراً: “دمشق لا تُحبُّ الغُرباء”؛ “حقّي العظم والمؤتمر العربيُّ عام 1913″؛ “لقاء فندق فيكتوريا في دمشق”؛ “الرَّكابي باشا مستقبلاً الوفد الصهيوني”؛ “تطوير حي اليهود والفصل بين يهود الشام ويهود الخارج”؛ “جريدة الحياة الدمشقية وإلياهو ساسون”؛ “يهود الشام ولجنة كينغ كراين”؛ “فيصل الأول وحاييم وايزمان”؛ “فيزا لدخول دولة دمشق”؛ “رياض الصّلح وموشي شاريت”؛ “خديوي مصر يدخل على خطّ التفاوض”؛ “اجتماع بن غوريون بزعيم حلب وأمير البيان”؛ “وايزمان في دمشق”؛ “مفاوضات بلودان: دمشق أقرب إلى أرض الميعاد”؛ “زغلول سورية”؛ “النازيّة في دمشق، ردّاً على الصهيونية”؛ “كارثة فلسطين”؛ “أميركا والصهيونية تُطيحان بحكم الرئيس القوتلي”؛ “البلاغ الرقم واحد”؛ “حسني الزعيم وإسرائيل”؛ “العودة إلى المواجهةفي عهد الرئيس هاشم الأتاسي”؛ و”أديب الشّيشكلي وموردخاي ماكليف”.

غرب كنيس دمشق كتاب

ويوضح الكاتب في المقدِّمة: “حاولت إسرائيل جاهدة، وكذلك فعلت الوكالة اليهودية قبلها، والحركة الصهيونية مجتمعة، أن تخترق المجتمع السوري، إمّا لتدميره من الداخل وبثّ الفوضى والخراب بين أركانه، وإمّا للتوصل إلى اتفاق مع زعمائه يحقق دعماً عربياً لقيام الدولة العبرية على أرض فلسطين. وكانت جميع هذه المحاولات تتم إمّا بالإكراه عبر الترهيب والإرهاب، وإما بالتفاوض مع وجهاء سورية المسلمين والمسيحيين واليهود. وأُولى تلك المحاولات كانت في مصر عام 1913 مع الوجيه الدمشقي حقي العظم، وآخرها في هذا البحث مع أعضاء لجنة الهدنة التي شُكلت في عهد حسني الزعيم، واستمرت طوال فترة حكم الرئيس أديب الشيشكلي. لم تحصل الصهيونية في جميع تلك المحاولات، على أي تنازل مُرض من السوريين، بل وقفوا ببسالة في وجه مشروعها وتصدوا له، باستثناء الملك فيصل الأول الذي أبدى استعداداً لتقبل المشروع الصهيوني عام 1919، وحسني الزعيم الذي دخل في مفاوضات سلام شاملة مع إسرائيل عام 1949. أجرت الوكالة اليهودية، بين الأعوام 1919 و1949، عدة لقاءات مع شخصيات وطنية، مثل صاحب جريدة “القبس” محمد كرد علي والزعيمين فخري البارودي وعبد الرحمن الشهبندر، وكل من الرؤساء رضا الركابي ولطفي الحفار وشكري القوتلي. كذلك، حاورت أبناء الجيل المؤسس من الضباط السوريين، أمثال حسني الزعيم، فوزي سلو، أديب الشيشكلي، محمد ناصر، عفيف البزرة، أكرم الديري، غسان جديد، وجميعهم من نجوم عهد الانقلابات وفرسانه، وتوزعت أمكنة اللقاءات بين القاهرة ولندن وجنيف وصفد، وصولاً إلى فندق بلودان الكبير، وإلى مدينة دمشق نفسها التي زارها كل من موشي شاريت وحاييم وايزمان، وهما أشهر الآباء المؤسسين للدولة العبرية.

اقرأ أيضاً: «الإرهاب كما نشرحه لأولادنا» كتاب للطاهر بن جلّون

حاولت الوكالة اليهودية تمزيق الحركة الوطنية السورية من الداخل واللعب على التناقضات بين زعمائها. ونجحت في إسقاط الحكم الوطني مرتين، باستقالة الرئيس هاشم الأتاسي عام 1939، ثم خلع الرئيس شكري القوتلي عن الحكم عام 1949. وسعت أيضاً إلى تفريغ مدينة دمشق من مكونها اليهودي، ونجحت في إخراج آلاف اليهود السوريين من بيوتهم، باستثناء سبعين شخصاً فقط ما زالوا يعيشون في حارات دمشق القديمة حتى يومنا هذا في شتاء عام 2017، بالرغم من كل صعوبات الحرب وسهولة إيجاد وطن بديل وفوري لهم في أي دولة في العالم.

ويضيف الكاتب في الخاتمة: … هم سبعون مواطناً يهوديّاً فقط، معظمهم من العجائز والنساء، يديرون أمور طائفتهم الصغيرة ويرعون شؤون كنيسها الأثري، رافضين مغادرة الحيّ العتيق الذي وُلدوا وعاشوا فيه طوال حياتهم، بالرغم من قسوة ظروف الحرب وانقطاع الكهرباء والماء وفقدان مادة الفيول وغلاء المعيشة وتساقط قذائق الهاون عليهم وعلى مدينتهم الهَرِمَة. كان في وسعهم أن يهربوا منذ سنوات طويلة، عندما كانت أبواب العالم (وما زالت) مفتوحة أمامهم، لكن بمجرد بقاء هؤلاء السبعين، أثبتت مدينة دمشق أنها، بالرغم من كل ما مرّ بها من مصائب وكوارث ومحن خلال القرن الماضي، وتشويه ودمار في السنوات القليلة الماضية، ما زالت موطناً حقيقياً لهم لم يتركوها لأجل “أرض الميعاد”، وفضّلوا الحياة أو الموت في أزقتها القديمة، ولم يستجيبوا لكل محاولات اختراقها ونسفها من الداخل، عن طريق الحركة الصهيونية وأفرعها الدولية والمحلية.

السابق
الأحدب: سأطعن بالإنتخابات برمتها وما جرى ليس عملية ديموقراطية بل اغتصاب للسلطة
التالي
انتخابات بعلبك – الهرمل: ترهيب وسطوة سلاح وشمص يتوجه للطعن امام الدستوري!