من هو «العدوّ» رقم 2 عند «حزب الله»؟

العدوّ الأوّل عند “حزب الله”، هو طبعاً إسرائيل، وكلّ مَن يقف إلى جانب الكيان الصهيوني، ويتعامل معه.

“الحزب”، وأنا (بتواضعٍ شديد)، موجودان في خندقٍ واحدٍ، وفق هذه الرؤية، وعلى هذا المستوى، بصرف النظر عن كلّ شيء آخر. لا تحفظات في هذا الشأن، بل يمكنني المغالاة في وقوف هذا الموقف، والعودة به إلى زمن الحليب الذي رضعته منذ الطفولة، عائلياً، وثقافياً، ووطنياً.

مَن أيضاً، هو “العدوّ” عند “حزب الله”؟ مَن هو “العدوّ” رقم 2؟

يجب أن أعود إلى الفيديو الذي بثّته “مجموعة منتظرون” وقدّمت فيه “عملها السياسي الأول الذي يحاكي أجواء الانتخابات في لبنان”، لأن “الانتظار الصحيح (انتظار المهدي) بشمل كلّ جوانب الحياة ولا سيما السياسية منها”.

مواضيع ذات صلة
صباح الأربعاء: حزب الله ينفي دعمه للبوليساريو وترامب “الأوفر صحّة”… ريال إلى النهائي وفتوى…

248 موظفا ادارياً يقترعون غدا في سرايا زغرتا

ريال مدريد يتأهل إلى نهائي دوري الأبطال
أدعوكم إلى مشاهدة الفيديو الذي شاهدتُه البارحة، ويروّج إيديولوجياً، وسياسياً، وحربياً، وأمنياً، وانتخابياً، للوائح “حزب الله” و”الثنائي الشيعي”، ويحذّر من تسلّل “العدوّ” عبر الانتخابات، للنيل من “رأس المقاومة”، على قول رئيس حركة “أمل”، رئيس مجلس النواب، الأستاذ نبيه برّي.

صعبٌ عليَّ أن أتفهّم فكرة هذا “العدوّ”، حيث تعتبر “مجموعة منتظرون” (من مريدي “حزب الله”، أو الملتحقين به، أو التابعين له) أن خوض الانتخابات ضد هذا “الحزب” هو “خيانة”.

إقرأ أيضاً: مرشح «البارشوت» عن «حزب الله» يثير النقمة في جبيل: من يهمّشنا هم الثنائية الشيعية

إذ كيف يمكنني أن أتصوّر أن “حزب الله” يعتبر مَن يترشّح على لائحة انتخابية غير لائحته، “عدوّاً”، بمجرد أنه “موجود”، وأنه “آخر”، وأنه “مختلف”، وأنه “صاحب موقف ورأي”، وأنه “هامش”، وأنه “حرّ”، في أن يرى ما يراه، ويتخذ من المواقف ما يعتقده صحيحاً ومناسباً، وبمجرّد أنه “يقبل” أن يأخذ من دربه (درب الحزب) أصواتاً انتخابية، وقد، وربّما، يخرق لائحة “الثنائي الشيعي”، في إحدى الدوائر الجنوبية، أو البقاعية، ولوائح تحالفاته الانتخابية، البيروتية، أو في جبل لبنان، أو في الشمال؟!

إنه عملٌ إعلامي ترويجي للوائح “الثنائي”.

لكنه “تخين” جداً جداً يا جماعة! كثيرٌ جداً علينا كمواطنين، وكـ”أعداء” لإسرائيل، أن يُعامَل مواطنون لنا، هكذا، يا سيّد حسن، ويا أستاذ نبيه.

“الحزب” و”الحركة”، كلاهما حرٌّ في الترويج لنفسه بالطريقة التي يراها مناسبة. لكن مضمون الفيديو الدلالي، غير مقبول، لأنه غير إنساني، وغير وطني، وغير أخلاقي.

هو غير مقبول، لأنه عملٌ تحريضي، مثير للغرائز، ترهيبي، تخويني، يعرّض الشخص أو الأشخاص المقصودين بـ”العداوة” لخطر التخوين، ولخطر القتل.

هل يجوز لحزبٍ (لـ”الحزب”) يقدّم نفسه أنه “حزب مقاوم” للعدوّ الإسرائيلي، أن ينشر (مريدوه) فيديواً ترويجياً يتضمن مثل هذا “الاستعداء” للناس، والتخويف لهم، لحملهم على الامتناع عن التصويت لأيٍّ كان، سوى لائحة “الحزب” وحلفائه؟!

“الحزب” القوي لا يستخدم أساليب من هذا النوع.

“الحزب” الواثق من نفسه، يترك الاستحقاق الانتخابي يأخذ مجراه “بديموقراطية”، لأنه يثق بمريديه وبالناخبين، ويحترمهم، ويرفض تلقينهم، وإسقاط الأوامر عليهم، من طريق “الكلمة” التي تخرج من فم القائد، من فمه وحده، لأنه لا يخطئ، ولأن كلامه لا رادّ له.

“الحزب” الذي كان يردّد دوماً أن لا “عدوّ” له في الداخل اللبناني، بل عدوّه واحد أحد، هو الكيان الصهيوني، كيف له أن يعلن “حالاً للطوارئ” كهذه، فحواها أن “العدوّ” يتسلل إليه من خلال الانتخابات؟ّ ومن طريق مَن؟ أيعقل أن يكون من طريق المرشّحين “الضالّين”، الذي اختاروا التعاون مع الشيطان (مَن هو الشيطان هنا؟!) للنيل من “رأس المقاومة”.

ما هكذا تورَد الإبل في الديموقراطية. بل فقط في الديكتاتوريات. في الديكتاتوريات فحسب، أكانت ديكتاتوريات حزبية، أم عسكرية، أم حربية، أم أمنية، أم مخابراتية، أم دينية، أم مذهبية وطائفية.

أنتَ تريد لكَ “أعداءً” في الداخل. لن تجد لكَ “أعداء”، بالمعنى الصهيوني والإسرائيلي.

غصباً عني، أستخدم كلمة “أعداء”، لأقول إن هؤلاء هم فقط مواطنون مرشّحون وناس عاديون ومثقفون ومفكرون، “اعتراضيون”، “مستقلون”، “مدنيون”، “إنسانويون”، “أحرار”، “آخرون”، “متمايزون”، “متنوّعون”، “ديموقراطيون”، ويريدون الدولة، دولة تطبيق الدستور، دولة القانون والحقّ والحرية والمساواة بين المواطنين.

أيمكن، والحال هذه، اعتبارهم “أعداء”، كإسرائيل، لأنهم يريدون رؤية الشمس من خارج عباءة “الولي الفقيه”؟!

***

إقرأ أيضاً: برنامج حزب الله الانتخابي لتغطية هيمنة السلاح

على هامش هذه المسألة، يتعرّض المرشّحات والمرشّحون على لوائح الاعتراضيين المستقلين المدنيين، أكانوا في تحالف “كلنا وطني”، أم خارج هذا التحالف (هم كثرٌ هنا وهناك)، لحملاتٍ دنيئةٍ ورخيصة يشنّها أحزابٌ وقيادات وتيّارات وقادةٌ كبار وأزلامٌ صغار في الحياة السياسية التقليدية، لا تليق بمَن يطلب ثقة الناس الأحرار الموجوعين المُهانين في حياتهم وكراماتهم ووطنهم ووجودهم.

هؤلاء المرشّحات والمرشّحون الذين يخوضون الانتخابات ضد رموز الطبقة السياسية الحاكمة، يواجهون حملاتٍ شرسة ولاأخلاقية من التحريضات والشائعات والتلفيقات والتركيبات الفيديوية، مرفقةً بـ”بوستات” و”تغريدات” تتعرض لكراماتهم الشخصية والوطنية، ومرفقة أيضاً باستقطاع مقابلات وآراء منشورة هنا وهناك، إما لضرب وحدة المتحالفين الاعتراضيين، وإما لتشويه الموقف الوطني السيادي الأخلاقي لهؤلاء الخارجين على كلّ عباءةٍ سياسية وحزبية وتيارية وعشائرية ومذهبية وطائفية، فضلاً عن عباءات التخلف والرجعية والعنصرية والخرافية.

هؤلاء ليسوا “أعداء”، وليسوا “خونة”، وليسوا باعةً وسماسرة وفريسيين في الهيكل.

مَن يفعل هكذا بهؤلاء الأحرار الوطنيين المستقلين المتمردين الاعتراضيين التغييريين، يكون يتماهى موضوعياً، مع “مجموعة منتظرون” ومَن يقف وراءها، ويكون يقع في الغلط نفسه الذي يرتكبه مريدو “حزب الله” و”الثنائي الشيعي”، في حقّ معارضيهما.

لكن. ليس غريباً أن يتلاقى أطراف الطبقة الحاكمة، كلّ أطراف الطبقة الحاكمة، أكانوا في موقع “الموالاة” للحكم والحكومة أو في موقع “المعارضة” لهما، على “ذبح” الأحرار المستقلين المتمردين الاعتراضيين التغييريين.

لن أقول إن هؤلاء الأطراف المشاركين في “جنة الحكم والحكومة”، وأولئك الطامحين إلى المشاركة في هذه “الجنة”، هم “أعداء”.

لن أستخدم تعبير “الأعداء” إلاّ مرغماً، وتجاوزاً.

لا يجوز استخدام مثل هذا التعبير في حقّ مواطن.

وإذا من نداء، فإني على مضضٍ مني، أستخدم التعبير الشائن هذا، وأدعوكم إلى انتخاب هؤلاء “الأعداء”.

معتذراً من لبنان، لأنه لا يستحقّ مثل هذا الانحطاط الأخلاقي الانتخابي السياسي الوطني.

لبنان لا يستحقّ. ولا أحراره أيضاً.

السابق
الحملات الانتخابية تتخطى الخطوط الحمراء ونصرالله يستعيد «الحرب الأهلية»
التالي
من هو سعيد الحظ الذي سيحظى بصوت اليسا التفضيلي؟!