موسكو المحاصرة اقتصاديا تهرب الى التصعيد في سوريا

الاقتصاد الروسي
تدفع روسيا فاتورة اقتصادية باهظة لقاء مواقفها السياسية وسعيها الدائم لتوسيع نفوذها، وقد تدرّجت العقوبات الغربية التي واجهتها منذ اذار 2014 بعد استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم الامر الذي فاقم التحديات الاقتصادية التي كانت تعاني منها روسيا فعليا، وانهك قدراتها على مختلف الصعد وانعكس بشكل خاص على الصناعة العسكرية لديها.

شهدت العقوبات الغربية على روسيا محطات ومنعطفات ترتبط بالتطورات السياسية وصعود موسكو في المشهد الدولي كلاعب اساسي على الساحة العالمية، ولعل ابرزها اسقاط الطائرة الماليزية في اجواء اوكرانيا اواخر عام 2014 وصولا الى دخول الجيش الروسي في الحرب السورية، وواقعة تسميم العميل الروسي المزدوج وابنته في بريطانيا مؤخرا، وصدور اتهام اميركي بتدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الاميركية والهجمات الالكترونية ضدها.

صحيفة الـ “ناتو ريفيو” اكدت ان العقوبات الغربية نجحت في تحقيق الهدف المباشر وهو إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي، واشارت الى ثلاثة أنواع من العقوبات الاقتصادية، النوع الاول يقيد الوصول إلى الأسواق والخدمات المالية الغربية بالنسبة لمؤسسات روسية حكومية محددة في قطاعات الصرافة والطاقة والدفاع، ويفرض النوع الثاني حظرًا على الصادرات إلى روسيا من أجهزة عالية التقنية للتفتيش عن النفط وإنتاجه، أما النوع الثالث فيفرض حظرًا على الصادرات إلى روسيا من بضائع عسكرية واخرى معينة مزدوجة الاستخدام.

اقرأ أيضاً: عقوبات أميركية قاسية ضدّ روسيا.. والردّ الروسي لن يتأخر!

ورأت الصحيفة ان التأثير المزدوج لهذه العقوبات والانخفاض في أسعار النفط، أديا إلى وجود ضغط ملحوظ نتج عنه انخفاض قيمة الروبل الروسي وزيادة نسبة هروب رأس المال، كما أدت العقوبات المفروضة إلى إجبار الحكومة الروسية على استخدام جزء من احتياطي العملات الأجنبية لها للحصول على موارد التمويل ودعم القطاعات المتضررة من العقوبات.

وقد قيّدت هذه التطورات حرية حركة البنك المركزي الروسي، الذي توقف بصورة مفاجئة عن دعم الروبل الروسي ورفع معدلات الفائدة.

وفي هذا الاطار كان الاتحاد الاوروبي قد علق المباحثات الجارية لإقامة نظام جديد مع روسيا يسهل حصول رعاياها على التأشيرات الأوروبية.

واعتبرت جريدة “الشرق الاوسط” ان العقوبات الاكثر “صرامة” هي التي فرضتها واشنطن منذ دخول ترامب الى البيت الابيض والمتمثلة بفرض عقوبات على أكثر من 100 شخص وكيان روسي، للتصدي للهجوم “السيبراني” الروسي ومحاولة تدخله في الانتخابات الاميركية كما تزعم واشنطن، وتحديدا كرد فعل على هجمات «نوت بيتيا» الإلكترونية التي قامت بها روسيا وتسببت في مليارات الدولارات من الخسائر في الولايات المتحدة ودول أخرى في أوروبا وآسيا، والتي اعتبرتها وزارة الخزانة الأميركية أكثر الهجمات الإلكترونية تدميرا وتكلفة في التاريخ، مشيرة الى ان استخدام غاز الأعصاب العسكري مؤخرا، في محاولة لقتل مواطنين بريطانيين يأتي كدليل إضافي على «السلوك المتهور وغير المسؤول للحكومة (الروسية)”.

وبحسب الجريدة، فان مؤسسة خدمة الأمن الفيدرالية الروسية تأتي ضمن قائمة الكيانات التي استهدفتها العقوبات الجديدة، وتعتبر بمثابة وريثة جهاز الاستخبارات في الاتحاد السوفياتي سابقا “كي جي بي”، وشملت العقوبات أيضا الاستخبارات العسكرية الروسية والمعروفة اختصارا بـ”جي آر يو”، وكانت هذه الكيانات قد تم استهدافها في حزمة عقوبات أميركية سابقة بسبب تدخل روسيا في أوكرانيا.

من جهة اخرى اشارت “الجزيرة نت” الى ان روسيا لم تعلن عن أي عقوبات ضد أوروبا وأميركا في إطار الرد بالمثل على العقوبات المتوالية إلا بعدما شدد الغرب وطأة العقوبات في تموز 2014 عقب إسقاط الطائرة الماليزية، إذ حظرت موسكو في شهر آب من العام ذاته، استيراد قائمة واسعة من الأغذية لمدة عام من الدول التي فرضت عقوبات على موسكو بسبب الأزمة شرقي أوكرانيا.

وهددت موسكو باحتمال حظر مرور رحلات الطيران الأوروبي والأميركي عبر أجوائها باتجاه منطقة آسيا والمحيط الهادي، غير أنها لم تنفّذ هذا التهديد.

اقرأ أيضاً: المسرحية الحقيقية

ولمواجهة تردي العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب، بدأت موسكو تبحث عن توثيق علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول آسيا لاسيما الصين ودول أميركا اللاتينية، سواء لملء الفراغ الذي أحدثه الحظر الروسي على استيراد المنتجات الغذائية الغربية، وأيضا لتعويض التكنولوجيا الغربية في قطاع الطاقة التي تم حظرها بموجب العقوبات الأوروبية والأميركية.

ويرى المراقبون ان سر التصعيد الروسي في سوريا وقيادتها لحملة “الغوطة الشرقية” ما هي الا هروب الى الامام ومحاولة رفع الصوت في المحافل الدولية وجلب الغرب وأميركا تحديدا للتفاوض ليس حول الازمة السورية فحسب، بل حول جميع الازمات التي تعاني منها روسيا لا سيما الحصار الاقتصادي والعقوبات التي جعلت البورصة الروسية تفتح الاثنين على هبوط حاد لم تشهد له مثيل، مع شركات عملاقة فقدت نصف قيمة اسهمها.

السابق
كيف سيكون سيناريو الضربة الاميركية لسوريا بعد تأخيرها؟
التالي
رامي علّيق: التغيير ممكن في الجنوب وترشحنا لمواجهة الفساد