روسيا تحسم في الغوطة وتخلط اوراق سوريا والمنطقة

الغوطة
بعد خسارة حلب عام 2016 تأتي ضربة الغوطة لتفرّغ "جنيف" تماما من محتواه السياسي ولم يعد التعويل على حل الازمة السورية بالطرق الدبلوماسية قائما، فحصار الغوطة وسياسة القتل والتجويع واستخدام الاسلحة الكيماوية تحت انظار العالم اعطى الميدان العسكري سلطة الحسم، لتدخل الغوطة في بازار المقايضة الكبرى.

فاذا كان النظام السوري حقق الامن للعاصمة وتأمين الطرق السريعة من دمشق للمناطق الاخرى، فان الغوطة شكلت بنسختها “المدمرة” بعد افراغها، ورقة رابحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحفاظ على مداه الاستراتيجي المفتوح جنوبا باتجاه الصحراء العربية والعدو الاسرائيلي، لتدخل موسكو المعادلة كلاعب رابح في المساومات المقبلة وتقاسم النفوذ بين الاطراف كافة.

فمنذ بدء هجوم الجيش السوري برعاية روسية في 18 شباط الفائت على الغوطة الشرقية، والتي يعيش فيها مليونا شخص، قُتل 1600 مدني وهُجر نحو 160 ألف منهم باتجاه ادلب وحلب، وحتى الامس القريب، بقي مصير “دوما” معلقا بالمفاوضات بعد خروج دفعة من عائلات المعارضة المسلحة باتجاه جرابلس، واصرار “جيش الاسلام”على  عدم خروجه وتسليم سلاحه.

اقرأ أيضاً: هل أصبح ترامب حليفاً للممانعة؟

العزّي: روسيا تعتمد سياسة الافراغ والتغيير الديموغرافي
المحلل السياسي، الدكتور خالد العزي، اشار الى ان “الاتفاق الذي وضعه الروس في المناطق المتصارع عليها هو بمثابة فخ للمعارضة، وما اسموه بـ”المصالحات” لا ينطبق على العمليات العسكرية التي قاموا بها لانهم اعتمدوا سياسة تهجير السكان من مناطقهم او ابادتهم، والهدف هو فرز ديموغرافي بتركيبة جديدة، فماذا بعد خروج هؤلاء المعارضين الى إدلب، هل يجري حصرهم فيها تحضيرا لتصفيتهم؟”.

“فالغوطة تشكل سلة الغذاء للشعب السوري، والروس لا يعتمدون المواجهة في حروبهم ويستخدمون الاسلحة المدمرة وسياسة التجويع والقتل وهدم البيوت على ساكنيها، وهم لا يعترفون بالاعداد البشرية، وما حصل في الغوطة فعليا هو ابادة ممنهجة منذ سنة، بعد ان وقّع الروس اتفاقا مع المناطق وفق تقاسم الحصص مع الاتراك والايرانيين”.

ولفت العزي الى ان “الهدف الاساس هو اخراج الكتلة السنيّة من الغوطة، والسياسة التي اعتمدها الرئيس الراحل حافظ الاسد بعد ان افرغ العاصمة من مركزيتها السنيّة، ونقلهم الى الغوطة وحصل نوع من الاتفاق معهم او المقايضة بتخليهم عن السياسة مقابل اعطائهم في التجارة، هذه العملية تؤثر على التمثيل السياسي والسلطة فيما بعد، كما حصل في حمص ومناطق اخرى، وبالتالي التسويات التي قام بها النظام وحليفه الروسي وفق شعار “لا عودة للمهجرين” واخراج 400 ألف من الغوطة التي تحوي  مليونا مدنيا”.


وأكد العزيّ ان “وزير الخارجية سيرغي لافروف بعد دخول بلاده في الحرب السورية قال “لن نسمح للسّنة بأن يحكموا سوريا” والسبب ان مرجعيتهم هي أميركا، وهم يشكلون عملية ضغط كبيرة على اسرائيل، والتحرك الروسي القادم سيكون باتجاه حوران، فهم مصرون على القتال العسكري، ويتّصفون بالوقاحة في امعانهم بتوسعة نفوذهم”.
ورأى العزيّ ان “المعارضة اخطأت، وكان الاجدى ان تسلّم كل تلك المناطق الى النظام، وتتمركز في مكان واحد، وأن تتحوّل الى كتلة موحدة”.

اقرأ أيضاً: الغوطة: جريمة «حضن الوطن»

الحسن: الروس يعملون وفق سوتشي
من جهته، المحلل السياسي، سمير الحسن،  اعتبر ان “الروس نجحوا بعد انسحاب آخر دفعة من مسلحي دوما الى جرابلس، في اطار العمليات التي اعتمدها الروس في استصلاح الفصائل المسلحة، وادخالهم في الحل السياسي، وقد عمد الروس في “سوتشي” الى فرز هذه الفصائل بين معارضة معتدلة وارهابية”.

وتابع الحسن “الروس نزعوا كل الذرائع التي تتسلح بها اميركا بأن النظام والروس يعملون وفق الالة العسكرية، في حين اعتمدوا في عملياتهم على المصالحات واجلاء المصابين والمدنيين وذوي الحاجات الخاصة عبر ممرات انسانية آمنة”.


وأكد الحسن ان “المسار السياسي، وليس العسكري، هو الذي رسم الحل، انما المجموعات التي صُنفت ارهابية بحسب القرار 2254 تم التعامل معها عسكريا ومعظمها موالية لتركيا، وذهبت باتجاه إدلب وجرابلس، فالاتراك يترجمون التحالفات التي ابرموها مع الايرانيين والروس، وبالتالي تم التمهيد طويلا والتفاوض مع تلك الفصائل المسلحة وتسوية اوضاعهم من خلال الحل السياسي، كما ان توجه المسلحين الى جرابلس وادلب سيحول دون اتصال الاكراد بالجانب التركي، وبذلك تخسر واشنطن حليفا مهما باستدارته نحو الروس”.

لماذا اعلن ترامب انسحاب قواته من سوريا وتجميد الاموال المخصصة لاعادة الاعمار؟
اجاب العزي “لقد نفض الاميركيون ايديهم من اعادة الاعمار لرميّ الكرة في وجه الروس والايرانيين، وتحميلهم مسؤولية الدمار الذي احدثوه و”تغطيس” الروس اكثر في الوحل السوري، فبعد احتلال سوريا من سيعمرّها، في ظل الحصار المفروض على الروس من قبل الاوروبيين حاليا؟”.
ويضع الحسن هذا الانسحاب، الذي اعلنه ترامب، مؤخرا في اطار “السياسة الخارجية التي اعتمدها ترامب في خطابه الانتخابي حول الضرر الذي لحق بأميركا في الحروب، وارسال الجيوش الاميركية الى خارج الحدود وتداعياته الاقتصادية. واعتقد ان كلامه ليس جديا فيما خصّ تجميد الاموال المخصصة لاعادة الاعمار في سوريا”.

السابق
تيار بي الكل ضد الكل ومع الكل
التالي
الولايات المتحدة تصر على موقفها الداعم للقوات الكردية في منبج شمالي سوريا