ماذا ستغير الانتخابات إذا حصلت؟

كان دائما وطنا سيدا حرا مستقلا وجمهورية برلمانية يقوم على احترام الحريّات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد فاستقطب المفكرين والأدباء العرب. حيث قاموا بنشر كتب وروايات منعوا من نشرها بسبب الرقابات الصارمة في بلدانهم: نجيب محفوظ، نوال السعداوي ، واسيني الأعرج، الدمشقي نزار قباني الذي عشق لبنان ووقف يعتذر لبيروت باسمنا جميعاً، وكثر..
كان دائما هذا الوطن أكبر من حجمه، انتشر أبناؤه في أصقاع الأرض بأجنحة فكرية وانسانية ملأت أصقاع الأرض.
في ذلك الوقت، كان يصدّر لبنان للعالم والدول العربية أدباء وعلماء ومخترعين نثروا الحبر والفن والفكر فبقي صداهم وعطرهم فواحا طيبا .
يُستذكر التاريخ اليوم ليس تذكيراً بما أعطينا بل حزناً على ما فقدنا وألما على ما ينتظرنا.
هنا، قبل قرن تقريبا ولد “أديسون الشرق”، محمد كامل الصباح الذي أدهش الأميركيين باخترعاته. وهنا،
بقي وطنُ ” فتى العلم الكهربائي” على مدى عمر بلا نور، بلا كهرباء.
وطن بيتر براين مدور ومايكل دبغي أشهر أطباء العالم، يموت أبناؤه على أبواب المستشفيات بأدوية فاسدة وبتجارة وصفقات على دماء الشعب دون خجل .
وطن رمال حسن رمال _ أحد الشخصيات المهيأة لتغيير وجه فرنسا لتوصله لاكتشافات في مجال الطاقة البديلة_ تنتشر النفايات والمحارق ال 150 والمكبات ال940 على طوله وعرضه. وتتنفس موتك فيه كما وصفته هيومن رايتش.
تعثرت البدائل الأخرى فظلّت مشكلتنا الحقيقية ما قاله تمام سلام “النفايات السياسية”.

إقرأ أيضاً: أسماء المرشحين المنسحبين من السباق الانتخابي

وائل أبو شقرا يحلّق في حقل المعلوماتية والانترنت من أسوأ الخدمات عندنا، وافتقاد حكومة الكترونية يكبّد الدولة خسائر في الانتاجية تقدّر بحوالى 1.2 مليار دولار أميركي سنوياً.
لم يعرف لبنان حزب حاكم واحد لكنه عرف أحزاب لا تتغيّر ونظام طائفي يلوَّح به كل ما اختلف أولاد الحيّ . عرف ” ديكتاتورية الجماعات” التي تلغي ذاكرة الأفراد وتعرف كيف تسيطر على الواقع وتحتفظ بالسلطة. ديكتاتورية تقتضي من متخاصمي الأمس أن يجتمعوا كلما اقتضت المناسبة لتقسيم الحصص وهذا يعني “أن تنسى ما تدعوه الضرورة لأن تنساه ثمّ تستعيده الذاكرة في اللحظة التي تحتاج فيها إليه ثمّ تعود فتنساه”.
عرّف بوكوفسكي الفرق بين الديمقراطية والديكتاتورية أننا في الديمقراطية ننتخب أولا ثمّ نتلقى الأوامر بعدها، أمّا في الديكتاتورية فلا حاجة إلى تضييع الوقت في الانتخابات. القانون يقضي أن يبقي على ما لدينا ومن لدينا! ولا يحق لمن يرون سامي الجميل على مستوى التغيير أن ينتخبوه أو حتى أولئك مثلا الذين يرون وائل بو فاعور وزيرا قادرا على القيام بواجبه أن يختاروه .أمّا المستقلين فلا مكان لهم في حكم الجماعات.
لم يعرف الشعب حزب حاكم واحد لكن عرف ما يشبهه ظلما: جبال من الديون بلغت 80 مليار دولار ، شركة كهرباء لبنان مفلسة، عجز قي الضمان الصحي، بطالة، تلوث للأرض والسماء وما بينهما ، أغذية فاسدة ، ارتفاع للضريبة زادت الفقراء فقرا، تضييق على الحريات ،فساد ، تعايش،تكاذب، تواطىء، تخاذل.نهرب إلى أي شيء مختلف، تلاحقنا الأرقام أنى ذهبنا 14، 8، وآخرها 7. هل من شعاع أمل في مجتمع مدني؟ يقول مايكل ادواردز :” من دون توخي الوضوح والصرامة،ستكون نظريات المجتمع المدني ارشادا هزيلا للسياسة العامة، مهما تكن القيم والأهداف المطروحة” لكننا سنحلم..
” للبنان حاكم واحد اسمه الخوف.. أعيش الخوف على عاصمة الحرية العربية .. مخلوقاته ( أي نحن) لا تستطيع العيش بدون أوكسيجين الحرية ولذا يحكمها الخوف.” تكتب غادة السمان
والأصح أن حاكمنا كان أيضا : التعوّد

إقرأ أيضاً: مرشحون يعدون «بالمارد المدني» في الانتخابات النيابية القادمة
والتعوّد مخدّر قاتل. فلكثرة ما اعتدنا الوضع الاقتصادي السيء والوضع الأمني المهدّد وحقوق مهدورة وفساد مستشر ووطن مسروق لم نعد نشعر أن ثمّة أمر مريب. عودونا على ان نعيش على وتيرة واحدة وقالوا أن ما يحدث بدعة قدرية. فتعايشنا واستمرت كذبتهم وأضحت حقيقة وواقع مألوف، فلم نعد نشعر أننا نختنق، لم نعد نشعر أننا نموت الموت الرحيم…
اذا ماذا ستغيّر الانتخابات ان حصلت؟ هل بلغ اللبنانيون سن الرشد، هل هناك قدرة على التغيير وسط هذه الفوضى المخططة.شعب يهدد بلقمة عيشه ولا يبالي. لا ليس الفقر ما يصنع الثورات بل وعي الفقر. فهل نعي؟ هل نرى؟
تحضر جملة سعد زغلول الشهيرة : ” مفيش فايدة يا صفية”. ليست هذا عن يأس أبدا بل عن واقع يلمس. ان الانتخابات ليست النقطة المفصلية بل ما بعد الانتخابات العبرة في النتائج التي ستكشف الوجوه والأوراق والأهداف فإلى أي عصر نسير ؟؟ نخشى أن نصل لعصر نكتب فيه:
“من عصر الأخ الأكبر.. تحيات”

السابق
هل نشهد نهاية قريبة للنظام الإيراني؟
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 26 آذار 2018