إيران والعالم العربي (3): دماء في الحرم بشعارات إيرانية

ايران والسعودية حرب نفطية

كانت السعودية منذ اليوم الأول لوصول الملالي الشيعة إلى الحكم في إيران مادة إعلامية دسمة في البروباغندا الإيرانية المعادية لكل قوة في المنطقة يمكن أن تحارب امتداداتها المذهبية، بحكم أن المملكة أيضاً لها أيديولوجيتها ومؤسستها السلفيّة الوهابيّة التي تتنافس أو تتصارع مع مشروع التشيّع في أكثر من بلد عربي وحتى غير عربي. لذلك بدأت طهران حربها الاستباقية ضد الرياض تحت شعار محاربة الملكية الوراثية، ومحاربة “عملاء أميركا” وما الى ذلك من شعارات تهدف إلى حشد الشعوب العربية ضد آل سعود.

اقرأ أيضاً: إيران والعالم العربي (1): طموحات السيطرة من اليمن حتى فلسطين

ولطالما أعلنت مصادر إيرانية ووسائل إعلامية تابعة للنظام والمحافظين المتشددين عن مطالب بجعل مكة والمدينة تحت وصاية إسلامية مشتركة، متذرعة في كل مرة بعدم أهلية الحكم السعودي بإدارة هذا الملف خصوصاً لأن رجال الشرطة الدينية السعودية (المطاوعة) يمنعون الإيرانيين من القيام ببعض الشعائر التي تشير الى مغالاة في ممارسة الطقوس الدينية، وهو ما تدعوه السلفية بالبدع.

في الواقع كان هناك تنافس حاد بين طهران والرياض منذ وصول الخميني إلى السلطة لأن السعودية بما تحمله من موقع ديني بحكم وجود الكعبة وقبر الرسول على أرضها فإن ذلك يجعل منها قطباً سياسياً مؤثراً في العالم الإسلامي ذا الأكثرية السنيّة. ولعب ظهور إيران على الساحة الإسلامية- العربية بشعاراتها الثورية الفضفاضة وحديثها المتكرر عن تحرير القدس، دوراً في نشوء صحوة إسلامية سنيّة متشددة كردة فعل على الشعارات الفارسية الشيعية والتي اعتُبِرت استفزازية تهدد موقع المملكة كمرجعية لمعظم المسلمين السنة في العالم.

كان العام 1987 منعطفاً سيئاً في تاريخ العلاقات السعودية الإيرانية التي كانت تمر دائماً في عمليات مد وجزر وتجمد. إذ حدثت اشتباكات عنيفة في موسم الحج يوم 31 يوليو/ تموز 1987 في مكة بين مجموعة من الحجاج الشيعة -غالبيتهم إيرانيون- وقوات الأمن السعودية. المصادر الرسمية أكدت مقتل 402 شخصاً في هذه الاشتباكات منهم 275 حاجاً إيرانياً و85 شرطياً سعودياً و42 حاجاً من جنسيات أخرى.

كانت أحداث حج مكة في العام 1987 مؤشراً خطيراً لما تنويه طهران من إحداث فتن في الأرض المقدسّة عند جميع المسلمين، خالقة الذرائع من أجل تسليط الضوء على أخطاء النظام الملكي وإظهار عجزه عن القيام بحماية هذه المقدسات. لذلك كانت في كل موسم حج تنظم من خلال حجاجها مسيرات تحت عنوان “البراء من المشركين” بالمعنى السياسي، فيما يفصل القيّمون على المملكة بين آداء الشعائر الدينية والشعارات السياسية.

بعد عامين من هذه الحادثة في العام 1989 حدث انفجاران في مكة، فيما أكدت التصريحات الرسمية أن المتهمين بالتفجير تلقوا تعليمات من قبل وكيل المرجعيات الشيعة في دولة الكويت محمد باقر المهري وبالتنسيق مع ديبلوماسيين إيرانيين في السفارة الإيرانية في الرياض للتدبير للتفجير.

في ما كانت السلطات الإيرانية تستغل مطالب إجتماعية وثقافية ودينية  لبعض الشيعة الذين يشكلون غالبية السكان في شرق المملكة، بغية تحويل هذه المطالب إلى مطالب سياسية، وتوظيف هؤلاء الناس في حربها الباردة مع السعودية، كانت تتم بين حين وآخر اعتداءات إرهابية على المصالح السعودية وعلى الديبلوماسيين والسفارات والقنصليات ومكاتب التمثيل الديبلوماسي ومكاتب الطيران التابعة للمملكة العربية في مختلف دول العالم من قبل أفراد و جماعات مسلحة مرتبطة بإيران، بحسب ما أشارت معظم التحقيقات والتصرحيات السعودية.

ووصلت المكيدة الإيرانية إلى حد اختراق صفوف الدول الخليجية بتطويع قطر التي تتشارك مع إيران بأكبر حقل غاز في العالم يسميه الايرانيون “حقل جنوب بارس” والقطريون “حقل الشمال” (احتياطي الغاز القابل للاستخراج من حقل الشمال يفوق 900 تريليون قدم مكعّب قياسي). وانكشف ما كان مستوراً من ألاعيب دارت بين النظام الإسلامي والإمارة الخليجية التي تناغمت مع طهران فدعمت الحركات الإسلامية السنيةّ وعلى رأسهم “الإخوان المسلمون” الذين سيطروا على قناة “الجزيرة”. لعل اللعبة قديمة بين الجانبين بدأت منذ كان الصحافي التونسي المتشيّع سياسياً غسان بن جدو مراسلاً لقناة “الجزيرة” في طهران، مروراً بتغطية قطر لكل حروب “حزب الله” مع إسرائيل وفي الداخل اللبناني ودعم الدوحة لإعمار جنوب لبنان وغزة، ورعايتها الاتفاق بين اللبنانيين بعد احتلال “حزب الله” لبيروت في العام 2008، وصولاً إلى لعبة توزيع الأدوار بين الجانبين على خلفية الأزمة السورية وما نتج عنه من مشاريع لتسليم الحكم للإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس وليبيا بمباركة أميركية وتركية. كذلك كانت الحرب السورية ملتقى للتيارات السنية والشيعية المتشددة وبدعم قطري إيراني كان يمثل في الظاهر عداوة شرسة بين الدولتين وفي الواقع كان مجرد سيناريو لتحقيق برامج عمل تتعلق بسيطرة أكبر مافيات الغاز في العالم وهي روسيا وإيران وقطر. لقد شاركت جميع التيارات التي دعمتها قطر وعلى الجانب الآخر التيارات التي دعمتها إيران في تدمير سوريا وافشال العديد من خطط الثوار في بعض المناطق السورية، من دون المساس بالنظام الذي حمى كيان إسرائيل لمدة أربعين عاماً.

اقرأ أيضاً: إيران والعالم العربي (2): الجزر الإماراتية وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة

والتناغم بين الإخوان وايران قديم منذ تسلم الخميني الحكم، رغم مرور العلاقة بين الجانبين بحالات مد وجزر وحرارة وبرودة، إلا أن مخطط تحقيق الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة على الطريقة الإخوانية لا يختلف عن صورة نظام ملالي إيران إلا لجهة الاختلاف  الفقهي المذهبي. هذا التناغم كان قد عبّر عنه الخميني حين كان يفتخر بتأثره بسيد قطب ومن قبله أبو الأعلى المودودي أصحاب نظرية “حاكمية الإسلام”. وما هذه الإزداوجية في العلاقة الطيبة بين قطر وإيران والتي عادت لتظهر بوضوح أكثر بعد الأزمة بين الدوحة وكل من الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة، إلا صورة طبق الاصل عن براغماتية الملالي الذين لا يرون مشكلة في علاقة قطر مع إسرائيل من خلال المكتب التمثيلي الإسرائيلي في الدوحة، أو من خلال استضافة قناتها لمسؤولين إسرائيليين. فالمشاريع الدينية التي تسعى للسيطرة السياسية ترضي إسرائيل كدولة يهودية ترى في أي دولة دينية أخرى مبرراً لوجودها واستمرارها.

 

السابق
كنعان: لجنة المال تقر موازنة وزارة التربية
التالي
الصفدي قريباً إلى جانب عيتاني والضابط؟!