من بداية العهد إلى الانتخابات… أين أخطأ سعد الحريري؟

يخسر تيار المستقبل الحليف تلو الآخر، مع كل يوم يقترب فيه موعد الانتخابات النيابية المقرر في السادس من شهر أيار المقبل. فالمستقبل الذي كشف قبل أسبوعين، أسماء مرشحيه في مجمع البيال وسط بيروت، أخفق حتى الآن في لمّ شمل البيت السني تحت جناحه، فأكد لراعيه السعودي مرة جديدة، أنه أعجز من أن يقوم بهذا الدور.

لا ريب أن طموحات الأقران والمنافسين داخل الطائفة السنية شكلت على الدوام، عائقاً أما نجاح زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في اتمام هذه المهمة، إلا أن الشفافية تقودنا للقول بصدق، أن المستقبل وزعيمه لم يبذلا يوماً ذاك الجهد المأمول للعب دور محوري كهذا.

ومن الواضح أن التململ السعودي تجاه الحريري كان سببه هذا التقصير الذي أدى في المقابل، إلى شحّ بالدعم المالي ونقص في التعويم، وقد دفع هذا التململ أيضاً، الحريري صوب إبرام صفقة مع “التيار الوطني الحر” ومن خلفه “حزب الله”، تعيد له الاعتبار بعد سنتين ونيّف من الفراغ الرئاسي، وتثبّت وجوده مجدداً على الساحة السياسية الداخلية.

و”صفقة العهد” التي أفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإلى ربط النزاع مع الحزب “لتثبيت الاستقرار وانقاذ البلد” بحسب الحريري، قدمّت للأخير جائزة إطلاق يده في العمل الحكومي الذي أنجز إلى الآن: سلسلة الرتب والرواتب ووضع موازنة بعد انقطاع نحو 13 عاماً، ومكّنت الحكومة من تنظيم مؤتمر “روما “٢ لدعم القوى المسلحة (غير واضح النتائج حتى الآن)، كما يُنتظر انعقاد مؤتمر “سيدر” (أو باريس 4) للدعم الاقتصادي في السادس من الشهر المقبل، إضافة الى مؤتمر آخر بـ 25 منه في بروكسل للتصدي لمشكلة اللاجئين.

وفي مقابل هذا أيضاً، حصل الحريري على ميثاق، يراه غليظا، قادر على أن يبقيه رئيساً للحكومة طوال فترة العهد، بحيث تُجرى تسميته رئيساً بمعزل عن حجم كتلته النيابية. هكذا سُرّبت الأخبار نقلاً عن الحريري في مجالس خاصة، إلى العديد من المواقع والصحف وتداولتها شخصيات كثيرة، ويبدو أن الحريري مقتنعاً فعلاً بهذا العرض ويكتفي به، فهو بات يرى أن أي أغلبية نيابية مهما بلغ حجمها لا نفع منها من دون توافق داخلي. خصوصاً أن للحريري باع طويل بهذا الصدد، وقد تخضرم فيه حينما خرج من إنتخابات العام 2009 بأكبر كتلة نيابية وأعظم تحالف وطني، لم يتمكن بموجبهما من الحكم بلا توافق مُذعن إلى “حزب الله” وحلفائه على الثلث المعطّل أو الضامن للتعطيل (لا فرق) وثالوث البيان الوزاري: الشعب والجيش والمقاومة.

وفي معرِض موافقته على هذه الشروط، يُقال أن الحريري يستشهد بتجرب نجيب ميقاتي التي أتت به رئيساً للحكومة بكتلة من نائبين فقط (ميقاتي إلى جانب أحمد كرامي). هذه المقاربة في ما يبدو، هي التي سهّلت للحريري قرار الموافقة على قانون الانتخابات النسبي المسخ، الذي “خرم الدفّ ففرّق العشاق”.

هذا وتُرجّح أغلب استطلاعات الرأي والاحصاءات، أن يكون التيار الأزرق أكبر الخاسرين بموجب هذا القانون، فتشير إلى انخفاض كتلته النيابية من 35 نائباً إلى ما بين 18 و25 في أحسن تقدير، وهي خسارة لن تشكل مفاجأة للمستقبل الذي يضعها ضمن حساباته، طالما أنه كان، ولا يزال، في صلب الفريق الحكومي الذي أعدّ القانون المذكور!

وعليه، يمكن القول أن المستقبل بعد أن أخفق في ضمان ربحه بالانتخابات المرتقبة، قد فشل أيضاً في تنظيم خسارته أو الحد منها في أضعف الإيمان. إذ كان يمكن له أن يوظفها لصالحه، طالما أنها واقعة واقعة، وطالما أن الكتلة النيابية، كما يقول، لا قيمة لها في قسطاس بقاء الحريري بالسرايا، وذلك في إعادة استقطاب البيت السني الداخلي ولمّ شمله وفق الطموحات السعودية، إلا أن ذلك لم يحصل!

إقرأ أيضاً: «تيار المستقبل» يتجه في «البقاع الأوسط» إلى دعم مرشح من خارج العائلات

التساهل الذي أبداه المستقبل مع “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، لم يقابل حلفائه به، تاركاً الشقاق يسلك طريقه بينهم ويتوسع مع كل يوم تقترب فيه الانتخابات. افترق التيار الأزرق مع “الجماعة الاسلامية” في بيروت وصيدا والشمال حيث خطوط اتصاله انقطعت كلياً أيضاً مع تيار العزم ومع النائب خالد الضاهر (نلمس تراجعا مع احتماع اليوم)) وكذلكلنائب السابق مصباح الأحدب، كما أنه لم يستطع استيعاب الحالة الريفية الجامحة.

كل هذه الخلافات يُفرد لها تيار المستقبل اعذاراً، ليتقمص دور المظلوم الذي يحاول الجميع تناتش حصته، من دون أن يعترف باخفاقاته على مدى سنوات في مد جسور التلاقي مع هذه الشخصيات وغيرها والكثير، والتي أدت بالمحصلة إلى تهافت هذا الكمّ من المرشحين السنة (304 مرشحين) على مزاحمته، فيما المستقبل يرى اليوم مستقبله في أحضان العهد!

حتى رئيس كتلة المستقبل ابن البيت، الرئيس فؤاد السنيورة، لم يسلم من سوء التدبير، إذ كان يمكن استيعاب وجوده في الكتلة مجدداً من خلال ترشيحه ضمن دائرة بيروت الثانية مكان واحد من الشخصيات السنية المجهولة التي سقطت على أهل العاصمة بالمظلة، هي وعبئها التفضيلي، وليس الايعاز بترشيحه في صيدا إلى جانب النائب بهية الحريري حيث الخسارة المحتمة… كل هذا راكمه المستقبل فعرّى نفسه من حيث لا يدري، بوجه رياح لاتفاقٍ بلا ضمانات جدية، لا ترتكز إلا على إرادة “حزب الله” ومصالحه في استمرار مفاعيله.

إقرأ أيضاً: رياح السعودية هبّت كما تشتهي سفن الحريري

وكذلك خارج البيت السني، لا تبدو أصداء التحالف الانتخابي مع “القوات اللبنانية” إيجابية، ويُتوقع ان يقع الطلاق بينهما بحسب ما يبدو (اللهم ان حصل التوافق عرضا في واحدة من الدوائر)، وسط تبادل تهم بالتعنت ورفض التنازل. وفي هذا الصدد يقول الحريري أن لفهم مطالب “القوات اللبنانية”، هو بحاجة لمنجمّ مغاربي… وهي لغة “هجايص” بَدَت رائجة في بازار المستقبل الانتخابي، بعد أن اتخذ من عين الإله حورس الفرعوني أو الخرزة الزرقاء، شعاراً خرافياً لاستقطاب الناس وحضّهم على التصويت بعكس خيارات سياسية نشأوا عليها منذ ١٤ آذار ٢٠٠٥. فهل يُكمل المستقبل مسيره في درب الميثولوجيا فيتحول اقتراع الناخبين عند فتح الصناديق بغية فرزها، إلى صندوق “باندورا” تلك الإلهة الإغريقية التي أبت أن تلتزم بعهدها مع أبي الآلهة زيوس، فتحوّل محتوى الصندوق الذي أهداها إياه، إلى لعنة فاضت شروره من جشع وغرور وكذب على “باندورا” وأتباعها؟

السابق
الرقم التسلسي للوائح الانتخابية يهدد سرية الاقتراع
التالي
الحزب الشيوعي يشتت المستقلين في «الجنوب الثالثة» إرضاءً لحزب الله