لماذا التغطية الدولية على جريمة الغوطة الشرقية؟

علي الأمين
ما يثير القلق في ما يجري في الغوطة الشرقية هو الصمت الدولي، الذي وإن كانت الإدانة هي لغة بعض التصريحات ومضمونها إلا أنّها تنطوي على محاولة التبرؤ من الجريمة أكثر من أي سعي جدي لوقفها.

ما يجري في الغوطة الشرقية عملية إبادة واضحة لإحدى أكبر ضواحي مدينة دمشق، فهذه المدينة التي تضم نحو أربعمئة ألف مواطن سوري، تتعرض لعملية تدمير ممنهج، تمهيداً لأكبر عملية تغيير ديموغرافي تشهدها العاصمة وريفها، بعد داريا ومخيم اليرموك، وغيرها من المدن والبلدات الممتدة بين ريفي دمشق الغربي، وصولا إلى ريف حمص، مرورا بكل المدن والبلدات السورية المحاذية والقريبة من الحدود اللبنانية الشرقية والشمالية.

تجري عملية التغيير الديموغرافي من خلال تنفيذ عملية عسكرية يشارك فيها الطيران الحربي الروسي والسوري جوّا، عبر غارات جوية تستهدف الأحياء والأبنية السكنية، ومن خلال قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، فيما تنفذ القوات البرية وعلى رأسها الفرقة الرابعة في الجيش السوري، بالإضافة إلى ميليشيات تابعة لإيران العمليات القتالية البرية، وإطلاق الآلاف من القذائف المدفعية والصواريخ على الغوطة من دون توقف، على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401 بشأن الهدنة في سوريا، فإن شيئاً لم يتغيّر على الأرض، استمرت العمليات العسكرية من قبل النظام وحلفائه، على نفس الوتيرة، ومن دون تهيّب أي موقف صدر أو يمكن أن يصدر عن أي دولة أو مؤسسات دولية إنسانية، فيما ذكرت تقارير دولية أنّ النظام السوري استخدم ويستخدم غاز الكلور حتى بعد صدور قرار الهدنة.

الموقف الفرنسي المندّد والمهدّد، لم يلق أيّ صدى لدى النظام وحلفائه، أما الموقف الأميركي الذي لا يزال يلـمح إلى استخدام القوة ضد النظام السوري بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية، فهو لم يغيّر من وتيرة العنف الدموي للآلة السورية العسكرية ولا للطائرات الروسية التي تستخدم مقذوفاتها لتدمير الغوطة بحجة ضرب الجماعات الإرهابية، فيما تعمل إيران وميليشياتها على استكمال عملية القضم والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير الغوطة كخطوة إستراتيجية لإحكام النفوذ على ما بقي خارج السيطرة في دمشق وريفها، والأهم هو توفير شروط أكبر عملية تهجير لضرب وتقويض ما تبقى من حاضنة الثورة السورية التي لم يجد النظام السوري وحلفاؤه وسيلة لإنهائها إلاّ بالقضاء على حواضنها الشعبية الواسعة.

ما يثير القلق والريبة في ما يجري اليوم في الغوطة الشرقية، هو الصمت الدولي الذي وإن كانت الإدانة هي لغة بعض التصريحات والمواقف ومضمونها، إلاّ أنّها تنطوي على محاولة التبرؤ من الجريمة، أكثر من أي سعي جدّي لوقفها، فالجريمة الكبرى في الغوطة تتم من دون استعجال، كأنما القاتل مطمئن إلى أنّ أحداً ليس في وارد وقفه عن ارتكاب جريمته، بل ثمّة ما يوحي بتغطية دولية لهذه الجريمة، لغايات ومصالح إستراتيجية. فالتغيير الديموغرافي المؤسس على تدمير ممنهج لحواضر سوريا يبدو أنه يلبّي مصالح الدول المؤثرة في الساحة السورية والدولية، من هنا فإن اطمئنان النظام السوري وحلفائه لردود الفعل الدولية الصوتية، يجعله أكثر انخراطاً في عملية التدمير والتغيير الديموغرافي، وهذا ما يترافق أيضا مع غياب شبه كامل لأي موقف عربي تجاه ما يجري من جرائم ترتكب في الغوطة، وهو صمت يعكس إما حالة عجز كامل للدول العربية عن التخفيف من المأساة في الغوطة، وإما تقبّل لكل ما يطال الغوطة ومن ورائها سوريا من جرائم إنسانية وسياسية لن تكون الدول العربية بمنأى عن تداعياتها.

كما أنّ إسرائيل التي تدرك مصالحها الإستراتيجية والأمنية على وجه الخصوص، تعلم أن ما يجري من جرائم ديموغرافية على مقربة منها في الجنوب السوري، هو الهدية الإستراتيجية التي تقدم لها من قبل روسيا وإيران والنظام السوري، ذلك أنّ إسرائيل تدرك أنّ إيران التي تلوح بصواريخها من سوريا ولبنان، ليست هي الخطر الوجودي عليها، ومع الشرخ المذهبي والاجتماعي الذي أحدثه الدخول الإيراني العسكري إلى سوريا، فإنّ تداعياته على المجتمع السوري وعلى الفسيفساء اللبنانية، ستشكّل عنصر أمان إستراتيجي على المدى الطويل، وهي مصادر الخطر التي تدعي إسرائيل وجوده فيهما، إذ من الناحية الإستراتيجية أصبح العداء بين إيران وأنصارها من جهة، والبيئة العربية السنية من جهة ثانية، يتجاوز أي عداء آخر لكلا الطرفين ولا سيما العداء لإسرائيل.

إقرأ أيضاً: العالم إذ يتفرّج على وحشية روسيا وحلفائها في الغوطة

لقد ساهمت الحرب السورية عموماً والحرب على الغوطة اليوم، في ترسيخ العداء السوري لإيران في البعد الاجتماعي في الحد الأدنى، باعتبار أنّ الثابت في سوريا هو الشعب السوري أما نظام الأسد فسيتغير إن لم يكن اليوم فبعد سنوات، من هنا سيبقى عنصر الانقسام والعداء بين مكوّنين؛ شيعي تديره إيران عبر حزب الله في لبنان وعلى حدوده مع إسرائيل، وآخر طبيعي هو العمق الشعبي السوري الممتد إلى حدود الجولان المحتلّ من قبل إسرائيل، هذا الانقسام والعداء المعمد بدماء عشرات الآلاف، هو بوليصة التأمين الأهم لإسرائيل للعشرات من السنين القادمة، ذلك أن ما رسخته الأزمة السورية لدى المكوّن الشيعي في لبنان في ظل الوصاية الإيرانية عليه، هو الخطر القادم من العمق العربي السني، وفي المقابل ثمّة وعي ترسخ لدى الملايين من السوريين أن إيران وبأدواتها المذهبية العربية هي من أوغل في دم السوريين.

إقرأ أيضاً: الغوطة: في رفض المجزرة

الغوطة جريمة ترتكب بأيد سورية وإيرانية وروسية، لكنّها جريمة تجري تغطيتها دوليا، ليس لهدف يتصل بحماية نظام الأسد، بل لهدف آخر تدمير البنية المجتمعية حول إسرائيل بمزيد من إحداث الشروخ في داخلها من جهة، ولترسيخ معادلات تقوم على جعل العداء لإسرائيل عداء لفظيا، لكنه في الواقع يلعب دور حرس الحدود لإسرائيل لعقود قادمة.

السابق
نصرالله لـ«فردا نيوز»: عون حفيد الإمام علي.. وولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني
التالي
إعتداء على محام في الضاحية الجنوبية لا يحرّك نقابة المحامين