جريمة دولية في الغوطة بتنفيذ إيراني روسي

علي الأمين

لم يكن صدور القرار الدولي رقم 2401 القرار الذي ينص على وقف النار الفوري في الغوطة الشرقية، مع الحق بإطلاق النار على الإرهابيين وحصارهم وتجويعهم، سوى قرار مخادع، بل فارغ من مضمون وقف العمليات العسكرية، أو بتعبير أدق الإبادة التي تطال كتلة بشرية يقارب عددها النصف مليون مواطن سوري يقيمون في هذه الضاحية الشرقية لدمشق.

وقف إطلاق النار الملتبس هذا هو لمدة شهر، علما أن مجموعات النظام العسكرية وحلفائه، لم يجدوا ضيرا من استخدام غاز الكلور ضد السكان غداة إصدار هذا القرار الأممي، وهو إجراء يعكس المدى الذي بلغه هذا النظام مع حليفيه، إيران وروسيا، في الاستعداد للإبادة مدركين أن قتل المدنيين السوريين لا يقضّ مضاجع الحكومات والدول العربية والغربية، ففي جعبة هذا الحلف مئات الآلاف من الضحايا خلال السنوات السبع الماضية، فمنذ استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في العام 2013 من دون أن ينال أي عقاب دولي، أدرك هذا النظام وحلفاؤه، أن لا خطوط حمراءَ دولية لارتكاب المجازر ولا لتهجير السكان بعد تدمير المدن والحواضر.

اقرأ أيضاً: حماة 1982… وسوريا الجديدة

وظيفة القتل والتطهير والإبادة والتهجير، هي الوظيفة التي يجب أن يستكمل مهماتها نظام الحكم الطائفي في سوريا. العلمانية التي ادعاها حزب البعث الحاكم في سوريا لم تكن سوى الغطاء لحكم الأقلية العلوية، ولتنفيذ أكبر مجزرة عرفها العرب ضد شعب من شعوبه، ولعل سوريا اليوم تدفع ثمن إصرار بعض الدول على جعل المأساة السورية تتفوق في مضمونها على كل ما طال الشعب الفلسطيني من مأساة الاحتلال واللجوء وإلغاء الهوية، ذلك أنّ الصمت الدولي حيال نهر الدم السوري الجاري منذ سبع سنوات، يعبر عن سياسة تطلق العنان للوحش الذي يختزنه النظام من أجل القيام بأقصى ما يمكنه من عمليات إجرام منظم. وفي المقابل جعل الشعب السوري الباحث عن حدّ معقول من الحرية وحق المشاركة في تقرير سياسات الدولة، عاريا من أي حماية دولية، بل دفعه نحو التخلي عن هويته الإنسانية، إمّا بالرضوخ لوحشية النظـام، وإما بالانجرار نحو الجنون الذي يريده النظام ليغطي ولو البعض مما ارتكبه ويرتكبه بحق الشعب، وعلى وقع هذه المعادلة الخبيثة، يصبح المبضع الإقليمي والدولي الأداة الطيعة في عملية تقاسم النفوذ على جثث السوريين ودمائهم.

وحشية النظام ضد شعبه هي سر بقائه ومصدر حمايته الإقليمية والدولية، وهي وظيفته التي ينفذها لتطهير سوريا من شعبها، إما بالقتل وإما بالتدمير والتهجير، هذا ما يجري منذ سبع سنوات من دون أن يشعر النظام أن هذه الوظيفة تهدد بقاءه، بل هي جوهر وجوده واستمراره، ذلك أن ما جرى في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية التي تلت انتفاضة الشعب السوري ضد استبداد النظام ومن أجل إصلاحه، هو عملية إقليمية ودولية لتدمير المجتمع السوري، وقد تولى ما يسمى “حلف الممـانعة” القيام بهذه المهمة التي استخدم من خلالها كل ما لديه من أيديولوجيات مذهبية وطـائفية للانخراط في هـذه المهمة. إذ يمكن ملاحظة كيف أن النفوذ الإيراني وحتى الروسي من خلال تثبيتهما لقواعد عسكرية وسيطرتهما على مناطق سورية واسعة، كان شرطه تهجير السكان بجعل الحياة والبقاء مستحيلين بسبب المجازر وعمليات القتل.

فمناطق النفوذ الإيراني اليوم في سوريا هي التي تعرض سكانها للقتل والتهجير ولا سيما في المثلث الممتد من دمشق وضواحيها، وامتدادا نحو حمص وريفها وعلى كامل المناطق الممتدة بين دمشق والحدود اللبنانية الشرقية والشمالية، فضلا عن مناطق الجنوب السوري، وصولا إلى درعا.

الغوطة هي ما تبقى من مناطق خارج النفوذ الإيراني والروسي والنظام في دمشق ومحيطها، لذا فإن استباحتها من قبل الميليشيات الإيرانية وقوات النظام وبغطاء جوي روسي، هو قرار لا عودة عنه، والنزعة التدميرية التي يتم اعتمادها تؤكد أنّ الإستراتيجية المعتمدة من النظام وحلفائه، تهدف إلى إنهاء فرص استمرار العيش في هذه المناطق، وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان الذين شكلوا حاضنة للثورة ضد النظام أسوة بداريا واليرموك، فسياسة التهجير والتغيير الديموغرافي مستمرة، وهي سياسة لا تلقى اعتراضا دوليا، بما يؤكد أن أداة القتل والتطهير المذهبي تحظى بنوع من عدم الاعتراض إن لم نقل السكوت على جريمة يتبرع الأسد وإيران وروسيا بتنفيذها، باعتبارها من المهمات القذرة التي لا تريد الدول المؤثرة أن تلوث أيديها مباشرة بهذه المهمة.

على أن قمة الإفلاس والقذارة لدى أطراف محور الممانعة، هي محاولة تغطية جريمة الغوطة بشعارات العداء لإسرائيل، وكأن إسرائيل متضررة من تهجير الشعب السوري وقتله وإبادته. إذ لا يخفى على أي مواطن سوري أنّه كلما أوغل محور الممانعة في القتل والتدمير والتهجير داخل سوريا، هو بالضرورة يقوم بمهمة إستراتيجية لطي صفحة العداء لإسرائيل. فالشعب السوري الذي ناله ما ناله من مأساة باسم الممانعة وباسم العداء لإسرائيل وأميركا، والذي تُغيرُ الطائرات الروسية على رؤوس أطفاله، وتتساقط القذائف الإيرانية على مدنه وقراه باسم شق طريق القدس، هو شاهد على كيفية قتل وتدمير نظام الأسد البلد باسم العداء لإسرائيل. كل ذلك لا يمكن ألا تكون له نتائج إستراتيجية على مستقبل العداء لإسرائيل. ما فعلته الممانعة هو باختصار فتح الطريق لإسرائيل إلى ما سمي يوما قلب العروبة النابض أي سوريا.

الغوطة التي تستباح وتدمر هي مجرد تفصيل في مسار، والقرار الدولي يكشف استمرار سياسة القتل والتدمير والتهجير لصالح نظام الاستبداد والممانعة. قرار تدمير الغوطة لن يتوقف، ما دامت النتائج السياسية والإستراتيجية تصب في السلة الإيرانية، والسيطرة الروسية وفي ضمان استقرار إسرائيل على المدى الطويل، وطالما أنّ الولايات المتحدة مطمئنة إلى أن هذه الأطراف، بالإضافة إلى تركيا، لن تستطيع ضمان حصتها من دون شرعية أميركية، يبقى الضحية والمغيّب في الآن نفسه عن هذا المشهد، هو الشعب السوري. مغيب عن رسم مستقبل سوريا، وإن كان الحاضر والشاهد والضحية في جريمة القتل اليومي لسوريا ومستقبلها.

السابق
تفاؤل يطبع زيارة الموفد السعودي بانتظار الكشف عن مصير المساعدات
التالي
الشيوعيّون الذين يحبّهم ولايتي