هذه ليست «F16» إنّها «الله»

منذ الحرب العالمية الأولى، تم إسقاط عدد لا يحصى من الطائرات المقاتلة. لقد أسقطت الطائرات البريطانية والألمانية والأمريكية والسوفيتية واليابانية وغيرها من البلدان فوق أوروبا وفيتنام وأفغانستان والمحيط الهادئ، في كل ساحة معركة محتملة، في جميع القارات. إنها لم تهوي على الأرض بسبب عطل فني، بل تم اعتراضها من قبل طائرات مقاتلة أخرى أو النيران المضادة للطائرات، على الرغم من أنها كانت طائرات مقاتلة ممتازة في عهدها، وقادها أفضل الطيارين الذين أولدتهم البشرية، والذين الذين لا يقلون عن الطيارين في سلاح الجو الإسرائيلية، على الرغم من أنهم أغيار.

ومع ذلك، يبدو أنه لم يحدث أبدا أن تم التعامل مع نبأ سقوط طائرة مقاتلة بمثل هذه الصدمة والدهشة، التي أظهرها أولئك الذين اعتبروا إسقاط الطائرة المقاتلة الإسرائيلية من قبل النيران السورية قبل أسبوع بأنها بشائر سوء. لقد جن جنون اليهود. وتعاملوا مع بقايا طائرتهم المحترقة كما لو أنها “طوطم قبيلة” (رمز) تم تحطيمه وحرقه، تماما كما لو أنه تدنيس للقدسية، كما لو أنه تم إخصاء فخرهم الوطني.

اقرأ أيضاً: إيران والحاجة إلى حرب…

أي طقوس جرت حول هذه الطائرة. من المشكوك فيه أنه في تاريخ الحرب الجوية كانت هناك طائرة حظيت بمثل هذه المعاملة الدينية، كما لو كان المقصود معبودا خيب الأمل، تبين أنه قابل للموت، سوبرمان سقط من السماء رغم كل الصعاب. بالنسبة لليهود في إسرائيل، طائرة سلاح الجو هي إلهية، والتفوق الجوي من المفترض أن يضمن هذا التفوق الإلهي، الذي يمنحهم قوة الآلهة القاهرة. الطائرة يجب أن تكون محصنة، والطيارين الذين يقودونها تحلق يجب أن يكونوا ملائكة. والملائكة لا ترتكب الأخطاء البشرية.

صور الإصابات المباشرة التي سببتها طائرات سلاح الجوي الإسرائيلي لأهداف صغيرة وبعيدة على الأرض – تلك الصور التي يبثها التلفزيون وتثير دهشة المشاهدين، والتي يظهر فيها إشارة الصليب التي تحدد الهدف الذي ستضربه الطائرة – تشهد على القوة العظمى للطائرة الإلهية والطيارين الملائكة. انهم يشاهدون كل شيء من فوق. مثل الله، لا شيء، مهما كان صغيرا ومموها، يستطيع الهرب منهم. لا شيء سيهرب من نار الانتقام الإلهي.

مثل الله، تتواجد الطائرة المقاتلة الإسرائيلية في كل مكان وتصل إلى كل مكان. ذراعها طويل. إنها المفترس المثالي، ملك السماء. إنها النسر بينما أعداء اليهود في إسرائيل، الإيرانيون والعرب، ليسوا سوى أرانب صخور، فئران تسرع لفزع إلى جحورها. كم من الرهبة والاحترام تثير الطائرة المقاتلة الإسرائيلية في قلوب اليهود في إسرائيل. في استعراض يوم الاستقلال، يلوحون لها بأعلام صغيرة ويصفقون لها. انهم يسجدون لها في قلوبهم. فكيف، وكيف يمكن أن يتحطم هذا الطوطم إلى شظايا؟ أي إهانة هذه. أي إهانة قومية أصابت اليهود في إسرائيل. أي حالة ذعر اندلعت لدى سماع الأنباء الرهيبة عن الكارثة. الناس رفضوا التصديق.

لقد كان لدى رئيس مقر سلاح الجوي الإسرائيلي، العميد تومر بار، تفسير للحادث غير الطبيعي – نجاح سوريا في إسقاط طائرة حربية إسرائيلية. لقد أوضح انه “من الصفاقة قيام السوريين بإطلاق الصواريخ علينا”. ما يعني انه كان من المفترض بالسوريين أيضا، أن يسجدوا للطائرة المقاتلة الإسرائيلية، والامتناع عن المس بها وإثارة غضبه. أنه يفترض بالناس احترام سيادة الآلهة. فهل يمكن التصور أن هناك شخص يمكنه تحدي زيوس؟ هذا لا يعين إلا كون السوريين انتهكوا النظام العالمي. هذه صفاقة من قبلهم. وهذه ذروة المتلازمة الإلهية للقوات الجوية الإسرائيلية: ليس من المفروض بالسوريين الدفاع عن أنفسهم، وإنما الصلاة للطائرة المقاتلة الإسرائيلية كي تتجنبهم.

السابق
الحكم باسم الله وجذور العنف الديني لدى جماعات الإسلام السياسي
التالي
وزير داخلية بريطانيا بعد لقائها المشنوق: أمن لبنان من أمن بلادي