مروان عبد العال: روائيتَّيْ هي رؤية للتاريخ من زاوية لا توثيقيّة

مروان عبد العال
في هذا المحور نطل على الابداع الثقافي والفكري والادبي الفلسطيني ونستعرض في هذا النص- المقابلة، للبصمة الإبداعية الخاصة، التي يتميز بها مروان عبد العال، والتي جعلته يحتل مكانة مرموقة، في المشهد الإبداعي الفلسطيني، المقاوم للاحتلال الصهيوني. فعبد العال هو من المبدعين الفلسطينيين المعروفين، في العصر الحديث، فهو الروائي والفنان التشكيلي والسياسيّ، في آن معاً، وهنا حوار لـ"شؤون جنوبية" مع عبد العال، يتناول روايته الجديدة، ونظرته إلى أدب الشباب الفلسطيني الحالي، ورأيه في الرواية العربية اليوم، والأدب الفلسطيني الرائد والمؤسِّس في أبعاده التاريخية.

صدرت لك رواية جديدة، فماذا عنها، وكم يصبح عدد رواياتك، بإضافة هذه الرواية إليها؟
روايتي الجديدة عنوانها هو “الزّعتر الأخير”، وهي صادرة عن “دار الفارابي” في بيروت، كباقي أعمالي الروائية. و”الزعتر الأخير” هي الرواية الثامنة لي، ولا شك في أن لديّ غاية من الكتابة، وما مِن عملٍ روائي دون هدف. وفي نفس الوقت، أنا لا أتوخَّى كتابة أو توثيق التاريخ، فكتابتي لا تتوخّى ذلك، بقدر ما هي محاولة لرؤية التاريخ مِن زاوية أخرى. فدائماً إنّ الحياة إذا ما أردت أن تفهمها بطريقة أفضل، حوِّلها إلى قصّة. والحياة الفلسطينية هي حياة مليئة، بهذه الحكايات، (التي نكتبها) بل أستطيع أن أقول، إن رواياتي هي سرديّة متواصلة وخصبة، لأن المنفى نفسه الذي عشته أنا، قد شكّلني، سواء أكان من الناحية الأدبية أو من الناحية النضالية. لذلك كان كتاب “الزّعتر الأخير”، هو عبارة عن حلقة في سلسلة روائية، الشخصية الروائية فيه، هي عبارة عن مسيرة، تلخص مرحلة فلسطينية، بكل ما فيها من صخب وانكسار وأحلام. ولذلك فهذا الكتاب هو محاولة للربط بين ذاكرة الزَّعتر الجليليّ (نسبة إلى منطقة الجليل)، ووادي الحنْداج (في فلسطين)، فذاك هو الزّعتر الجليليّ، الذي اقْتلع منه، بطل الرِّواية، ظل قابعاً في ذاكرته، وفي أنفاسه. فبالنسبة له، كان الزّعتر الأخير. ولكنه هو، ذاته (بطل الرواية) لم تتوقف ذاكرته عند هذه النقطة، بل وصل إلى زعتر آخر، هو المخيّم، الذي حمل، أيضاً، اسم الزّعتر، وتمنّاه، هو أيضاً، أن يكون الأخير. (والإشارة هنا، إلى “مخيّم تل الزعتر” في لبنان).

اقرأ أيضاً: تركت حق العودة لك ولأصحابك

أنا الفلسطيني المُحَاذي

أنت ككاتب فلسطيني وعربيّ، في الوقت عينه، كيف تُوَفِّق ما بين نظرتك الفلسطينية، ونظرتك العربية، على صعيد كتابتك؟
أولاً، أنا فلسطيني عاش فلسطين في الشتات، لذلك، دائماً ما كان يرى نفسه، من منظار، فلسطين المقروءة والمحكية، والذاكرة الشفوية. وثانياً: وعندما أكتب أنا في المنفى، فأنا أبحث عن جذوري، أي عن الوطن، وعن نفسي أيضاً، فلذلك أنا الفلسطيني المُحاذي، الذي يمتزج في هذا الوطن (وطني)، دون أن ألامسه، كأني أجري وراءه، ولم أصل. لذلك، ليس غريباً أن يقول محمود درويش، ما قاله، في هذه العلاقة الجدلية، بين الوطنية الفلسطينية، التي تُستكمل بالهوية العربية، فلذلك إن هذه العلاقة الجدلية، تملك التأثير والتأثُّر.

حالة كبْح مزدوجة

ما هي نظرتك الخاصة إلى اهتمامات الأدب الشبابي الفلسطيني الحالي، من خلال تعريفك لهذا الأدب، وتقييمك له؟
إني أعتبر أن الأدب الفلسطيني، يعاني من حالة كبح قوية، وفي نفس الوقت، من حالة تحدّي الكبح، الذي هو تكسير الجسد الثقافي. وهذه آثار تركها واقع موضوعي سياسي وجغرافي، لكن، فإن الآثار التي تركها مؤذية جداً، لناحية الافتقار إلى جسور التواصل، بين مكوِّنات هذا المشهد الأدبي الفلسطيني، سواء كان أفقياً أو عمودياً. وأفقياً، أعني مساحة الانتشار الفلسطيني؛ وعمودياً، أعني، أيضاً، التفاوت بين جيلين: جيل النخبة (الجيل الأول والأسماء الكبيرة)؛ وجيل الشباب المغمور، والمتحمِّس، والذي لديه إبداعات تستحق التقدير، لكن هي تحتاج إلى من يرعاها ويدعمها، مادياً ومعنوياً. وإن محتوى الأدب الشبابي الفلسطيني الحالي، هو بحاجة لعملية تظهير، من خلال عملية نقدية خاصة، لتكتشف، هذه العملية، كل العوامل التي تعيد تشكيل الهوية الأدبية، لهذا الجيل الشبابي.

شؤون 166

كروائي، كيف ترى إلى الرواية الفلسطينية، اليوم، بشكل خاص، والعربية بشكل عام؟
أنا أعتبر أن الرواية، هي من النوع الأدبي الأول، على الصعيد العربي، ربما لأن الرواية، هي عملية سرد، من داخل الروائي، إلى العموم. بينما الشّعر له طريقة معاكسة. فلذلك أرى أن دائرة الرواية، أكثر اتساعاً، من الأصناف الأدبية الأخرى، دون التقليل من القيم الجمالية، التي يُنتجها الشعر، الذي هو دائرته أقلّ، لأن لديه خصوصية أكثر.

اقرأ أيضاً: العلاقة بين عين الحلوة ومحيطه: علاقات تجارية ومصاهرة

أقسام الأدب الفلسطيني

إن الأدب الفلسطيني، هو أدب مقاوم بالضرورة، فلماذا نراه اليوم، ذا بريق خافت، ولا يقف على أرض صلبة، وذلك من خلال مقارنتنا له بالأدب الفلسطيني المؤسِّس والرائد، الذي ظهر على أيدي الآباء الأعلام (الرّموز)، ساطع البريق، وواقفاً على أرض صلبة، أي أنه، كان أدباً تكافؤياً، على مستوى الصراع مع الاحتلال الصهيوني؟
لا شكّ في أن الأدب الفلسطيني، خضع، أيضاً لتطوّرات كبيرة. وعندما نُصنِّف الأدب الفلسطيني الآن، نقسمه إلى عدة أقسام: فنحن نقول، بداية: “أدب الأراضي المحتلة”، كذلك هناك “أدب 1948” المتجذّر في الأرض والهوية؛ وأيضاً هناك “أدب السجون”، وأيضاً “أدب الشّتات” أو المنفى. فكلّ شكل من هذه الأشكال له طريقة في التّعبير عن المقاومة. وأَصْدَقُ ما قيل في الأدب الفلسطيني، أن هذا الأدب بذاته، هو “عِلْمُ جمال المقاومة”، لأن أدب المقاومة، لا يجب أن يكون تعبوياً، أو منشوراً سياسياً، وحسب بل هو يعبّر عن جوهر الإنسان، ونزعته للتحدي والبقاء والتحرّر والحرية. لذلك وكما قال غسان كنفاني: “الثقافة هي الأرض الخصبة التي تنبتُ فيها المقاومة.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 166 شتاء 2018)

السابق
المرتزقة الروس يسقطون بالمئات في سوريا
التالي
الإعلام الفيسبوكي يطغى والصحافة اللبنانية في خطر