إسرائيل تحاكي السياسيين اللبنانيين: الاستفزاز من أجل التطبيع؟

منير الربيع

حتى حين يتفق اللبنانيون يصرّون على الاختلاف. تضيع توافقاتهم السياسية في زواريب الحسابات الشعبوية. لا يمكن إغفال الإنجاز الذي تحقق في بعبدا باللقاء الثلاثي بين الرؤساء، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. لكن الشعبوية قادرة على الإطاحة بأي إنجاز. صحيح أن الظروف والأخطاء التي ارتبكت أو زلات اللسان عن قصد أو غير قصد هي ما ساهم في تسريع عقد الاجتماع وانضاج الحلّ لتدارك تطورات الأمور على الأرض، ولكن حتّى بعد الإتفاق على حلّ “المرسوم الأزمة” وجد المسؤولون طريقاً إلى تسجيل النقاط على بعضهم البعض.

يشبه الواقع اللبناني، حالة طفولية داخل صفّ دراسي. والمبارزة بين تلاميذ الصف ليست على الاجتهاد، بل على مبدأ خالف تعرف، أو إثارة المشكلات. ما هي إلا ساعات قليلة على إعلان الإتفاق، والعودة إلى مبادرة بري والنائب وليد جنبلاط قبل شهر، بدمج المراسيم ببعضها البعض، حتى تجدد الخلاف السجالي بشأن جوهر الإتفاق. بالتأكيد، إن هذا السجال، أو التفسير المتناقض لمفهوم دمج المراسيم، لن يؤدي إلى تعطيل الإتفاق السياسي، لكنه يظهر مدى فعالية الشعبوية اللبناني، التي تفرض على كل طرف إظهار نفسه في موقع المنتصر.

اقرأ أيضاً: تدخّل دولي مرتقب لنزع فتيل «حرب نفطية» بين لبنان واسرائيل

الاتفاق واضح لا لبس فيه. دمج مرسوم منح الأقدمية لضباط العام 1994، بمرسوم الترقيات الذي رفض وزير المال علي حسن خليل التوقيع عليه في الأول من كانون الثاني 2018، كردّ على تجاوزه في مرسوم الأقدمية. عليه، فإن المرسومين أصبحا ضمن مرسوم واحد، وفق الحلول اللبنانية المعتادة، التي ترتكز على غنى اللغة العربية، وحفظ ماء وجه الجميع. دمج المرسومين سيوقع عليهما وزير المال، ووزير الدفاع، ورئيسا الحكومة والجمهورية. وهنا دخل السجال الجديد، بشأن مَن انتصر بعد اجتماع بعبدا. حركة أمل تعتبر أنها حققت ما أرادت، وما كان قد رُفض سابقاً، قد تم قبوله بعد كل ما حصل، وكان لا بد بالنسبة إليها تجنّب ما حصل من توتر سياسي وفي الشارع والالتزام بالدستور والتوافق. فيما التيار الوطني الحر يعتبر أنه مرر مرسوم الترقيات بتوقيع وزير المال، فيما مرسوم الأقدمية سينشر كما هو بلا توقيع وزير المال، لأنه أصبح نافذاً وفق ما قال رئيس الجمهورية سابقاً.

ضاع وهج الاتفاق في زواريب هذه الخلافات، التي يحتاج إليها كل فريق على أبواب الانتخابات، كما احتاج إلى إثارة الأزمة وتصعيدها إلى أقصى حدودها، لاستنفار الشارع وشدّ العصب. ولكن، بعيداً من التحليلات، فإن دمج المرسومين يعني أن وزير المال قد حفظ حقّه بالعرف وبتوافق الجميع على التوقيع على كل المراسيم. وهذا ليس تفصيلاً، إنما قد يكون سبباً يؤسس لخلافات أخرى وإشكالات في المستقبل. وهذه الإشكالات لن تحلّ إلا عن طريق المقايضة والمحاصصة والتوافق على توزيع المغانم. ويتكرّس ذلك أكثر في التفاهم على إنجاز الموازنة وإقرارها، ولو اقتضى الأمر فتح دورة استثنائية للمجلس.

ما جمع اللبنانيين بعد خلافاتهم، هو دخول إسرائيل على خطّ النفط ومن بوابة بناء الجدار الإسمنتي في الجنوب. حتّم التدخل الإسرائيلي اجتماع اللبنانيين والخروج عن خلافاتهم الآنية، لمواجهة خطر يتهدد اتفاقات أهم وأعظم كانوا قد أبرموها سابقاً، واستغرق التوافق عليها سنوات. النفط كلمة سحرية تقلب الميمنة على الميسرة. في الأفق، صورة مخيفة: تصعيد الإسرائيلي يقابله سعي أميركي للحفاظ على الاستقرار، مع التمسك بالعقوبات والذهاب فيها إلى النهاية وبلا تهاون وفق ما يؤكد مسؤولون أميركيون وآخرهم نائب مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد من بيروت. يوحي ذلك بأن المقصود من الدخول الإسرائيلي على الخطّ في هذه المرحلة، أكبر من الجدار أو بلوكات نفطية. لعل الغاية هي التفاوض، وإن بشكل غير مباشر.

سارع وزير الطاقة الإسرائيلي إلى اعتبار أن إسرائيل تريد حلاً دبلوماسياً مع لبنان بشأن مسألة البلوك رقم 9. وتبدي إسرائيل استعدادها، وفق القادة العسكريين، للتفاوض بشأن الخلافات على النقاط 13، وخط بناء الجدار. وربطاً، تبدي واشنطن استعداداً للعب دور الوسيط، أو المفاوض في هذا المضمار. هنا، مكمن الخطورة في لحظة تحولات كبرى في الشرق الأوسط. ولذلك تفسيران، هما إما أن خلف هذا التساهل نوايا مبيتة لقلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة، أو أن النية أخبث من ذلك، وكأن خلف التصعيد الكلامي والإعلامي الإسرائيلي والتهديدات المترافقة، التي قابلها لبنان بتهديدات مماثلة بعد إجتماع المجلس الأعلى للدفاع، هو العمل لإيجاد حلّ سياسي والوصول إلى تسوية عن طريق التفاوض.

التصعيد الإسرائيلي وتجديد العمل ببناء الجدار، واثارة موضوع النفط تزامناً مع الزيارات الأميركية لتخفيف التوتر، قد يقود إلى تكرار مشهدية بعبدا، أي الدخان الأبيض بعد تصعيد كلامي وفي الشارع. وكأن الغاية من التحرك الإسرائيلي الأميركي استدراج لبنان إلى مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، ليس على الانسحاب من أراضيه هذه المرّة، بل على ما يعتبره حقوقاً مكتسبة وطبيعية له. الحرص الأميركي على استقرار لبنان يرتبط بشكل أساسي بالنفط. وهذا سيكون العامل الأساس في الضغط على الطرفين لإجبارهما على التفاوض. دخول لبنان في هذا النفق، يعني استدراجه إلى خانة سيطلق عليها لاحقاً عنوان التطبيع. ولا أحد سيكون قادراً على رسم صورة واضحة لإنعكاسات هذا التفاوض، سواء أكان على الأرض أم في السياسة.

السابق
وزير الخارجيّة جبران باسيل يهاجم وزير التربية مروان حمادة غيابياً
التالي
الدعوى ضدّ السبهان: قانونية… أم سياسية لتخريب العلاقة مع السعودية؟