لقد أُعذِر مَن أنذر!

بدأت الترشيحات. ممتاز. نحن ضدّ السلطة السياسية. وضدّ مرشّحاتها ومرشّحيها الظاهرين والمقنّعين. للتوضيح: الوقوف ضد السلطة السياسية وضدّ مرشّحيها ليس شعاراً يُرفَع لاستجداء التأييد والتصويت. السلطة السياسية ذات مضمون متكامل. مَن يريد أن يقف ضدّ هذا المضمون، عليه أن يتحمّل تبعات المعنى والدلالة، وعلى كلّ المستويات. هو لا يستطيع أن يكون ضد الفساد مثلاً، ويؤيد (أو يتغافل عن) السياسة الاجتماعية – الاقتصادية المعمول بها التي تذبح الفقير والعامل وأصحاب الدخل المحدود، أو يغضّ الطرف عن التحالفات الموضوعية بين هذا الثنائي (السياسي – الطائفي – المذهبي) وذاك، بكل ما يعنيه غضّ الطرف من انتهاكٍ للسيادة الوطنية، ومن اغتصابٍ للدستور، ومن تطبيقٍ مجتزأ ومشوّه لاتفاق الطائف، ومن وجود سلطتين، وجيشين، ومن إمرار للصفقات، ومن انهيارٍ مخيف للكهرباء، وانتشارٍ مفجع للزبالة وتعميمٍ للتلوث وتشويهٍ للطبيعة.
تريدون وقوفاً ضدّ السلطة السياسية، وضدّ الطبقة الحاكمة؟ عال. ما هي الرؤية المقترحة للوقوف ضدّ هذه السلطة؟ ما هو البرنامج المقترح؟ ما هي الآلية المناسبة لتطبيق هذين الرؤية والبرنامج؟ من هم الأشخاص الذين يجسّدون هذا الموقف الشمولي من معنى السلطة، والطبقة السياسية الاقتصادية الاجتماعية الحاكمة؟

اقرأ أيضاً: حضرة الناخب أنت المسؤول عن إنقاذ لبنان: دولة أم محمية

مهلاً، أيها السيدات والسادة. أوعا ذرّ الرماد في أعين الأحرار الاعتراضيين الرافضين الاستقلاليين السياديين و… المدنيين.
لا يحاولنّ أحدٌ، أو فريقٌ، إمرار فكرةٍ مشبوهة أو شخصٍ مشبوه، في الاستحقاق الانتخابي المقبل، تحت شعار “الوقوف ضد السلطة السياسية”، أو تحت شعار “المجتمع المدني”.
هذا لن ينطلي على أحد. فمن أوّل الطريق “الاستحقاقي”، أنبّه التنبيه الشديد اللهجة، من مغبّة التورط في “صفقات” مماثلة ومريبة. الثمن سيكون غالياً جداً، لأنه سيؤدي إلى ترشيحات هي “ودائع اعتراضية”، سرعان ما ستنضمّ، في حال الفوز، إلى جماعات السلطة. هذا فضلاً عن احتمال تأليف لوائح “اعتراضية” متحاربة ومتنافسة.
أرفع هذه الريبة عالياً، لأن وراء الأكمات وفي الكواليس، ما وراءها، وفيها.
شيءٌ كهذا، افتراضاً أنه سيجري، من شأنه أن يفضي إلى نتيجة واحدة: استتاب الأمر للسلطة السياسية، وللطبقة الحاكمة، ولمرشّحيها. بل أدهى: بعض هذا الاستتاب، يُخشى أن يتحقّق، “بفضل” قوى الاعتراض ومجموعات المجتمع المدني، وعلى أيديها، سيّان أكان بمعرفةٍ منها، أم من دون معرفة.
المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. ممنوع التورّط في صفقات مماثلة. ممنوع إيواء “هدايا”، هي ألغام وفخاخ، وعلى عينك يا تاجر. “هدايا” كهذه، من شأنها تفجير الموقف الاعتراضي، وتشتيت الوحدة الاعتراضية، وشرذمة الناخبين الاعتراضيين، و”تربيح” قوى السلطة.
هذه جريمة لا تُغتفَر. ارتكابها “طبيعي” عند المرتكبين. لكنه لن يمر مرور الكرام عند مَن يرفع شعار الاعتراض والتغيير.
وقد أُعذِر مَن أنذر!

السابق
مظاهر صدمة مسيحية من التغول الإيراني في لبنان
التالي
المشنوق:ما من لائحتين للمستقبل في بيروت