ندوة «شبكة الأمان والسلم الأهلي»: لتحرير الخطاب الديني

أقامت المنسقية العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي ندوة تحت عنوان "تحرير الخطاب الديني وأولوياته"، بحضور نخبة من رجال الدين المسيحي والإسلامي وعدد من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين والمحامين ورجال الأعمال والقضاة والمفتين ورؤساء جمعيات وناشطين في المجتمع المدني والروحي وناشطين في مجال الحوار والسلم الأهلي.

شكلت الندوة تظاهرة وطنية مهمة من خلال الحضور المتنوع الذي ضم كل الطوائف والديانات ومختلف القوى السياسية والحزبية، كما شكلت هذه الندوة مناسبة لإطلاق صرخة جديدة باتجاه ضرورة العمل على تخطي كل الإشكالات الطائفية والمذهبية والمضي بخطاب جامع وموحد بعيداً عن التناقضات والخلافات، الأمر الذي أكدت عليه الكلمات التي ألقيت.. وفي مقدمها كلمة العلامة السيد علي فضل الله، وكلمة رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام درويش، وكلمة إمام وخطيب مسجد الإمام الأوزاعي المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ هشام خليفة، وكلمة الأمين العام لملتقى الأديان والثقافات الشيخ حسين شحادة، وكلمة الختام مع المحامي عمر زين باسم المنسقية العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي.

إقرا ايضا: الشيخ ماهر حمود في المجمع الثقافي الجعفري: لم نتفاجأ بقرار ترامب

أدار الندوة وأشرف على برنامجها أمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ الدكتور سامي أبي المنى الذي نوه بدور المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله وإرثه في الحوار والتجديد، مثنياً على دور السيد علي فضل الله في المحافظة على هذا الإرث واستمراريته من خلال إطلاقه للمؤسسات النوعية التي ما زالت تبعث الأمل في استمرار روح المحبة والسلام والحوار.

وأكد الشيخ أبو المنى أن الخطاب الديني كما الدين نفسه وسيلة وليس غاية بحد ذاته، وتقع على عاتقه مهمة مساعدة الإنسان للارتقاء نحو تحقيق إنسانيته بعيداً عن التطرف والتعصب والغُلو.

حضر الندوة ممثل المرجع الديني الشيخ اليعقوبي في بيروت، ووفد من مؤسسة الإمام كفتارو، والوزير السابق بشارة مرهج، والدكتور وجيه فانوس رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين، والمدير العام لجمعية المبرات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله، وعضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الشيخ زياد الصاحب رئيس جمعية الفتوة الإسلامية، ورئيس منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة عميد كلية المقاصد محمد أمين فرشوخ، والدكتور حنا خوري، ورئيس المجلس الوطني للإعلام الدكتور عبد الهادي محفوظ، ونادي الشرق لحوار الحضارات برئاسة ايلي سرغاني وأعضاء مكتبه التنفيذي، والمجلس النسائي ممثلاً بالأستاذة عدلة سبليني زين، والقاضي الشيخ خلدون عريمط، وقاضي بيروت الشرعي الشيخ أحمد الكردي رئيس لجنة القدس، والشيخ محمد نديم عبد الرزاق، ورئيس المركز العربي للحوار الشيخ عباس الجوهري، والعلامة السيد رحيم أبو رغيف، ومدير دائرة الإشراف الديني في جمعية المبرات الشيخ فؤاد خريس، والقاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو، وكاهن رعية كنيسة القديسين بطرس وبولس في الحازمية الأب نعمة صليبا، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم، والأب عبدو رعد، والدكتور ماهر السقال رئيس الجمعية الإسلامية السنية، ووفد مؤسسة العرفان التوحيدية، ومدير مركز جبيل للعلوم التجارية والفنية المهندس ايلي طويل، والمسؤول السياسي للجماعة الإسلامية الشيخ عمر المصري، وأستاذ القانون الدكتور ميشال جحا، ووفد اللقاء الوحدوي، وممثلين من حركة التوحيد الإسلامي، الدكتور حسن عاصي، ورئيس بلدية القيطع عكار، الدكتور محمود كفتارو، الدكتور نبيل سرور، الدكتور محمد حسين ترحيني، الدكتور مصطفى جوني، والسيدات ليندا غدار، غيا حيدر، سلوى يعقوب، زينب الخنسا، صباح شمس الدين، ديانا الزين، والسادة أعضاء لجنة المتابعة في المنسقية العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي، العميد الدكتور فضل ضاهر، المحامي نعيم قلعاني، الاعلامي قاسم قصير، الاعلامي سركيس أبو زيد، يوسف مرتضى. كما حضرت وفود وهيئات علمية واجتماعية واقتصادية من عكار وطرابلس والبقاع وجبل لبنان والجنوب، ومهتمين من الجامعة اليسوعية وجامعة اللويزة والجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية في بيروت صيدا وزحلة.

وحضر مندوبون عن الإتحاد النسائي، ودار الندوة والشبيبة الأرثوذوكسية، واللجنة الأسقفية للحوار. وممثلين لعدد من المؤسسات التربوية والتعليمية، وعدد من رؤساء البلديات.

تخلل الندوة مداخلات للسادة: الوزير بشارة مرهج، الشيخ زياد الصاحب، الشيخ أحمد الكردي، وعميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة المقاصد الدكتور محمد أمين فرشوخ، ورئيس اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي الراهب الانطوني الأب الدكتور انطوان ضو، والدكتور توفيق بحمد، والكاتب الدكتور بديع ابو جودة، والدكتور فارس الغول، وعدد من التعقيبات.

وأكدت هذه المداخلات على ضرورة العمل على إنتاج خطاب ديني جامع وعابر للطوائف والمذاهب وأن تؤسس هذه الندوة لآلية عمل مشتركة تعمل على إيلاء موضوع الخطاب الديني الإهتمام اللازم ليراعي متطلبات المرحلة التي تقتضي المزيد من الحوار والحكمة والتعقل في مقاربة المسائل الخلافية المتعددة.

إقرأ ايضا: الشيخ علي قدور والمسلمون العلويون في المجمع الثقافي الجعفري

العلامة فضل الله

استهل العلامة السيد علي فضل الله كلمته مشيرا إلى أن الخطاب الديني الذي شهدناه في الآونة الأخيرة، وحمل تشويهات غير مسبوقة، يستدعي توجيه النقد العميق إليه، حماية للدين.. ولإنسانيته وأخلاقياته.. بعد أن جرى العبث بجوهره، وتم إخراجه عن أهدافه، إلى الدرجة التي أُظهر فيها الدين كأنه مشكلة للحياة، وهو الذي بعث للارتقاء بالحياة، وليكون صمام أمن وأمان وطمأنينة للإنسان والشعوب، حتى تقوم بدورها في إعمار الأرض واستنهاض كل عناصر الخير والحب والسلام والحوار، وغير ذلك من القيم المرتكزة فطرياً في النفس البشرية، كثمرة للنّفحة الروحيّة الّتي وهبها الله للإنسان.

ورأى فضل الله أنه من إنطلاقاً من هذه الرؤية التي نؤمن بها، نرى أنَّ هذا الخطاب الذي حبس الدين في زنازين مغلقة مسيَّجة بكل ألوان الكراهية والظلم والتعصب والعنف والإقصاء، بحاجة إلى تحريره من هذه الأثقال المعيقة لتطور المجتمع، والمسيئة إلى الدين، والمشوهة له، والمدمرة للحياة الإنسانية.

مشيرا إلى أن أهمِّ التحديات التي تواجهنا على هذا الصَّعيد، تحرير الدين من الطائفيَّة أو المذهبيَّة، ومن هذا الاستخدام المتبادل لكل من الدين والطائفة للآخر، حسبما تقتضي الظروف في سياق الصراع مع الآخر المقابل، في استثمار إلى أبعد الحدود لهذا التداخل بين الاثنين.

واعتبر فضل الله إنَّ مهمَّة الدين الأساسية هي استعادة الخطاب الوسطي، ولا سيما في البلدان المتعددة طائفياً، وبذل الجهود الكبيرة لتعميمه في مجتمعاتنا.. لاستعادة الطائفة لإيمانها.. لإنسانيتها.. ولأخلاقيتها من خلال العمل على تجفيف منابع العصبية التي تغلغلت عميقاً في جذورها.

مشيرا إلى أن من حقِّ الخطاب الديني أن يدافع عن الطائفة أو الرموز التي ينتمي إليها، حين تتعرض للظلم أو الغبن، ولكن من موقع إنساني، لا أن يقف معها حين تكون في موقع الظالم والمعتدي والمستبد.

وقال فضل الله إنَّنا نرى أنَّ الخطاب الديني لا يعبّر عن إيمان حقيقيّ، ولا عن إنسانية نقية، إلا حين يقف بكلِّ جرأة وشجاعة ليدافع عن حقوق الطوائف والمذاهب الأخرى ورموزها، حين تكون في مواقع المظلومية، ولو كان المعتدي من طائفة صاحب الخطاب، ولن نستطيع أن نحفظ استقرارنا المجتمعي وسلمنا الأهلي أو نبني دولة الإنسان؛ دولة المواطنة والعدالة، إلا بالارتفاع إلى هذا المستوى من الخطاب الإنساني،وما لم يلعب الدين دوره الأخلاقي والروحي المؤثر في تهذيب السياسي والطائفي والمذهبي، ليرتفع به نحو الآفاق القيمية الإنسانية، فإنه سوف يتحوَّل إلى أداة يوظّفها كلّ هؤلاء في صراعاتهم على السلطة، ولو على حساب المعاني الرسالية الكبرى التي تحملها الأديان.

المطران عصام درويش

استهل المطران درويش كلمته بضرورة الاستمرار بتوجيه المؤمنين والمؤمنات في دور العبادة لبناء مجتمع أفضل للإنسانية والعالم يسوده التفاهم والمحبة والسلام.

وقال المطران درويش أن الأديان جميعها يجب أن تتحالف من أجل وضع اسس أخلاقية وروحية مشتركة وهذا التحالف من شانه أن يساعد بالسعي إلى تحرير الانسان من رواسب الخطيئة.

واعتبر المطران درويش أن الخطاب الديني يجب أن يصبو إلى تجدد روحي وأخلاقي بعيد عن العنف والكراهية وأن يكون خطابا معتدلا يقود إلى المصالحة بين التعددية الثقافية والدينية وإلى التكامل فيما بينها.

ورأى المطران درويس أن الخطاب الديني يجب أن يُوجه الى التقارب والتحاب وان نتقبل الفروقات بين المذاهب والاديان ونحترمها فلا تقف عائقا أمامنا كإخوة وأخوات.

وأشار درويش إلى ضرورة التحرر في الخطاب من التركيز على المصالح الشخصية للجماعات والتركيز على القيم العليا والقواعد الأخلاقية الجامعة وعلى تحرير الانسان ونشر ثقافة الحياة والمسامحة والتضامن والحداثة والتجدد الروحي.

العلامة الشيخ هشام خليفة

وأكد إمام وخطيب مسجد الامام الأوزاعي الشيخ هشام خليفة على أن الخطاب الديني يجب أن يكون عقلانيا وحكيما وحسن الأسلوب على قاعدة وجادلهم بالتي هي أحسن وأن يكون هذا الخطاب مراعيا للواقع والظروف المتعلقة بالزمان والمكان والانسان، واعتبر خليفة أن الحوار الديني يستلزم تضافر جهود المعنيين من حكومات ومرجعيات دينية وسياسية واجتماعية ومعاهد وجامعات ومفكرين للعودة الى منهجية الخطاب الأصل وتنقيته من الإضافات الشخصية والإستنباطات المزاجية.

وأضاف خليفة: يجب توحيد وتضافر جهود القوى الدينية والسياسية لمعالجة هذا الأمر من خلال وضع أسس وقوانين تضبط وتنظم المسؤوليات، ومن واجبنا أن نبذل الكثير من الجهد في تلمس الطريق والأسلوب الذي يعيد ترشيد الخطاب وتحريره.

العلامة الشيخ حسين شحادة

العلامة شحادة قدم مقاربة نقدية مشيرا إلى أن الخطاب الديني ليس هو الدين كله ولكنه في واقع نشأته وملابساته هو رؤية بشرية للتعبير عن مفاهيم الدين وقيمه وصياغة تصوراته عن الوجود والحياة كذلك ولا يمكن الحديث عن محنة هذا الخطاب وإخفاقاته من دون ان ينهض بمسؤلية النقد لذاته وهي مهمة تكاد تكون عسيرة مع نزوع هذا الخطاب الى الفوقية والتعالي على النقد بذريعة امتلاكه الحصري للحقيقة المطلقة.

وقال الشخ شحادة: وكي لا يفقد الخطاب الديني صلته بحاضره والمستقبل يجدر به ان يتحرر والى الأبد من ذهنية السيطرة والاستكبار على الناس بمنطق احتكار المعرفة بالدِّين وحسبان نفسه معيارًا للحق فيما الآخرون المختلفون عنه مجرد هوامش تابعة لمركزه السلطوي، معتبرا أن لا مستقبل لخطاب ديني يختار العزلة والانكفاء على ذاته ويرفض الاعتراف بحقائق التنوع والتعدد واحترام الاخر وقبوله الرحيم الملتزم بالحكمة والموعظة الحسنة في ضوء ايماننا الراسخ بحرية الاختلاف والمعتقد.

وأضاف يجدر بالخطاب الديني السياسي اذا كان يريد فعلا ان يذهب في إصلاح الدولة والمجتمع الى ابعد من طموحه في التربع على عرش السلطة ان يبدأ باصلاح نفسه فلا معنى لعمله السياسي ان لم يكن قدوة ومثالا نبيلا في كل ما يتعلق بحياتنا السياسية وفِي مقدمها احترام الكرامة الانسانية وحقوقها في العدالة والحريّة والتنمية ومن دونها سيكون هذا الخطاب اكثر بشاعة من الدكتاتور الجائر الذي يمتهن السياسة بلا دين.

واعتبر الشيخ شحادة أننا إذا أردنا الْيَوْمَ ان نضع أيدينا على العوامل والاسباب التي أدت الى اخفاق الخطاب الديني الموحد وعجزه عن إنجاز تطلعاتنا الوطنية في السلم الأهلي فانه لا يكفي ان نحيل تلك الأسباب الى التدخل الأجنبي بل لابد ان نلتمس عوامله وأسبابه داخل قفصين احدهما : قفص النظام الطائفي. وثانيهما : داخل البنية الفقهية والعقدية لهذا الخطاب حيث تبرز المفاهيم والأفكار الجاهزة لتعطيل النهج التوحيدي من هذا الخطاب وهو النهج الذي نصر على طرحه كأولوية لا بديل عنها ولا يمكن التمهيد التأسيسي لهذا النهج الا بتحرير الخطاب الديني نفسه من عنصرية حركاته السياسية وجدرانها المنغلقة.

واختتمت الندوة بكلمة شكر للمنسق العام لشبكة الأمان والسلم الأهلي المحامي عمر زين الذي أشار إلى أن هذه الندوة التي نعقدها اليوم حول تحرير الخطاب الديني واولوياته متحلقين حول العلامة السيد علي فضل الله والسادة المحاضرين وهي باكورة عمل المنسقية العامة لشبكة الامان والسلم الاهلي ومن ضمن سلسلة سوف تتناول تحرير الخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي والإعلامي، مع التأكيد على إشراك كل القوى الحية في الوطن لنكن جميعا يدا واحدة كي نتغلب على كل قوى الشر والإستبداد والفكر التكفيري.

إقرأ ايضا: «اشكاليات الحوار الإسلامي- المسيحي ودور الشباب» في المجمع الثقافي الجعفري

وأضاف زين أن الظروف التي مر بها الوطن في الايام الاخيره تستدعي منا بذل كل الجهد والمثابرة والمتابعة في هذه الطريق حفاظا على الوطن وعلى المواطنين والإنسان في هذا البلد معتبرا أن النخبة المشاركة اليوم اعطتنا القوة والإصرار على السير بهذا العمل لبناء وتعميم رسالة الامان والسلم الأهلي فكرا وعملا في لبنان ودعى زين للعمل يدا واحدة لإرساء مفاهيم الامان والسلم الأهلي في كل نواحي حياتنا.

وتلا الندوة حفل كوكتيل على شرف الضيوف.

السابق
أربعة آلاف عنصر من حزب الله عادوا من سوريا
التالي
قيادة الجيش: إستشهاد عسكري ومصرع مطلوب في مداهمة طرابلس