رياض عوض ينثر «كلمات ذات مفعول رجعي»

الكتاب الصادر للشاعر والكاتب اللبناني الدكتور رياض عوض، تحت عنوان: "كلمات ذات مفعول رجعي" هو من منشورات "دار الفارابي" في بيروت، في طبعة أولى، أواخر الـ2017.

وهو كتاب يضم أكثر من مائة نص شعري ونثريّ. يحتفي ببعضها بمحمود درويش، ويسكب في أحدها مناخات من مواجِد حزنه العميق، على الشهيد سمير قصير.

ومن عناوين هذه النصوص: “محاولة متأخرة”؛ “الألم والموت”؛ “أمي”؛ “أرمي القصيدة”؛ “ذكريات”؛ “شيخوخة المواطن”؛ “قضاء عكّار يرحّب بكم”؛ “الموت في لبنان”؛ “الوطن كما أريده”؛ و”وعدُ الكتاب المقدَّس”.

ولقد صدَّر عوض كتابه هذا بتمهيد يقول فيه: من غير المألوف أن لا يعطي الكاتب هوية لما يكتب، وأنا وإن كنت أسوة بغيري – ولكي أتحاشى الخروج على ما استقر في نظام الكتابة – أعطي مرغماً في كل مرة هوية لسطوري عندما أسكبها على الورق، لكني أرحب بأي هوية يمكن أن تُعطي لما يخطه قلمي، فأنا لا أكتب قانون الإيمان، ولا أكرر سورة الرحمن، أنا لا أكتب لأوافق أحداً، أو أخالف أحداً، فلكل وجدُه ونداءُ قلبه.

أنا أكتب نداء قلبي، والقلب لا يعرف قانوناً، ولا يُحبس ضمن جدران أية قضية مهما علا شأن تلك القضية.

قد يكون للقلب قوانينه، لكنها لا تطبق بالعدل والقسطاس على جميع الناس كما هي الحال في القوانين الوضعية.

اقرأ أيضاً: هالة أبو حمدان تؤلّف في «العنف وتطوير مناهج التفسير»

ففي هاملت “شكسبير أكثر من هاملت” هاملت زيد، هاملت عمرو، وهمالِتْ الآخرين من كل الأنواع والأجناس وقد يكون في الغالب الشيء الناقص في الكتابة، كتابتي أو كتابة غيري – وأنا لا أعرف ما هو – السر المشعّ “حين تكون القصيدة واضحة في ذهن الشاعر، قبل كتابتها من السطر الأول حتى الأخير، يصبح الشاعر ساعي بريد والخيال دراجة”.

نداء القلب تمارين على جس نبض الكون، وتدليك عضلات العاطفة، كلمات ظمأى إلى ما يلمع في سراب الأسطورة.

ومن هذا الكتاب نقتطف الآتي:

محاولة متأخرة

هذه المحاولة في فضّ بكارة الكلمات جاءت متأخرة

حاذر أن تعبر في حُلمها/ أو تمشي في أثرها/ وتهمل مفعولها الرجعي/ حاذِر أن تعاملها بقسوة/ كما تعامل المرأة الثيب/ التي لم يمنعها طلاقُها من زوجها أو موتُه/ من التسول على أبواب العشق/ كن واقعياً في مسامرة حُلْمها الخفيف/ ولا تعجب إذا تشبثتُ بالصحوِ/ بعد أن فاتني الصيفُ/ وأسرجتُ نحو الكواكب/ فرساً في فصل الخريف.

محمود درويش

اقتحم أسوار الإبداع ممتطياً جواد الشعر

خلفه الليل والفراغ، وأمامه شمس فلسطين

كتاب رياض عوض

قبله كانت القصيدة مراهقة، عاشت مراهقة، ولاقت وجه ربها مراهقة. معه خلعت فستانها وغطّت به جسد المجاهدين، وأصبحت أكثر قدرة على السفر خلف الريح، بعده نخاف على القصيدة أن تتناسل دونما مبالاة بشهادات الشعر، وتتكاثر في قبائل الغربان والروتين.

أدرك محمود درويش خطر الوقوف طويلاً على رصيف الوضوح، كما قال لمحبي شعره “أنقذوني من هذا الحب القاسي” كما أدرك مخاطر الغرف في لجة الرمز كما قال محمد عيتاني “رموز محمود درويش مكشوفة خلف منديل شفاف”.

شره من أول فاصلة إلى آخر نقطة شعر إنساني وجداني عميق، احترف الحبَ والحرية والبحثَ عن الربيع والدهشة. لم يحب أن يُطيل الانتظار في موانئ الاستقرار.

كان موجة تسافر من بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر دون أن تنزل فلسطين من حقائبه في كل الأسفار.

اقرأ أيضاً: العلاقات الأميركية – الإيرانية في كتاب «بين الشّاه والفقيه» لوسام ياسين

محمود درويش أنتَ أميرُ الشعر العربي المعاصر الحافر على جبين العصر ملحمة الإبداع العربي الخالدة، مشيت في فلسطين فمشى الشعر في طرقاتها، تحرك في حقولها، وعلى أشجارها، بنى عشه في شجرة اللوز التي كنت تحبها.

محمود درويش أدركت أكثر من غيرك أن الشعر رئة الوجود، به يتنفس الكون، وبحبره تكتب الأرض رسائل الحب إلى السماء.

محمود درويش لك أن تغادر ملكَ القصيدة، ولنا أن نرتّل شعرك صلاةً إلى الأبد.

السابق
صحناوي: هناك ثقة قوية بين التيار وحزب الله
التالي
يا شعب لبنان العظيم.. يا تبع الزعيم!